Linguistic Argumentation Between Theory and Practice

Verses from Surat Al-Imran as a model

 

 Dr. Mokhtar Hoceini

Assistant Professor, Director of the Qur’anic and Jurisprudence Studies Department, Center of research in Islamic Sciences and Civilization in Laghouat, Algeria

E-mail: mokhtarhoceini@hotmail.fr

Orcid ID: 0000-0003-1835-6710

Abstract:

The study seeks to investigate the problem of argumentation in contemporary linguistic studies, and their effectiveness in interrogating texts, from the theoretical side to the argumentation manifestations in the texts of the Holy Qur’an, by adopting the analytical method and pragmatics mechanisms, through some verses of Surat Ali-‘Imran, in a dialogical way, the texts are examined and not forced. Consequently, monitoring the areas of influence in some verses revealed in Medina that are characterized by prolongation, and by addressing the Jews and Christians with the attributes of (people of Israel) and (people of scriptures), expressing the relativity to the subject, and it also includes the position of the speaker, the classification of the addressee, the generation of other attributes, and thus guidance to the judgments the addressee should deserve.

Keywords:

Argumentation, Language, Quran, People of the Book, Rhetoric.

تقديم:

تنقلت البلاغة في تاريخها الطويل بين محطات كثيرة، اكتسبت عبرها تصورات فلسفية متباينة، تراوحت بين الإمتاع والإقناع، وبين استثارة العاطفة والتخييل، ومخاطبة العقل والتدليل. ومنذ منتصف القرن العشرين – وتزامنا مع الدراسات اللسانية الحديثة – برزت تصورات جديدة أدت إلى إدماج نتائج اللسانيات الحديثة في الدرس البلاغي، أهمها مؤلف (بيرلمان) (Perelman) وزميلته (تيتكاه) (Tyteca): “مصنف في الحجاج: البلاغة الجديدة” سنة 1958، «Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique»، الذي كان له أثر كبير في إرساء ما يسمى بنظرية الحجاج، التي اتخذت مكانا وسطا بين الإقناع (البرهنة العقلية) والتأثير في المتلقي، أو بين الجدل والبلاغة الإغريقيين، كما أسهم (ديكرو) (Oswald Ducrot) في إرساء هذا التوجه في الدراسات البلاغية، وبصورة أقل (تولمين) (Tolmin) بالنظر إلى نزعته المنطقية.

صار الحجاج فنًّا تأثيريا، أو تقنيات خطابية، غايتها إنهاض النفوس وفعل الإقناع بمعناه غير الملزم، وهو ما يمثل الوجهة الجديدة للاهتمام بالخطاب في شموليته؛ من خطاب ومخاطِب ومخاطَب وسياق خطابي شامل، حيث تتصل المكونات الأساسية لحقلي البلاغة والحجاج، فتخلصت البلاغة في هذا التصور من تبعيتها التاريخية للخطابة والتأثير في عاطفة المتلقي وعقله من جهة، وتحررت من صرامة الاستدلال من جهة أخرى؛ لتتخذ مكانها بين الخطابة والجدل.

إن الحجاج حوار غايته حصول الإقناع، وليس إكراها على الاقتناع، وهو إحلال لمبدأ الاختيار واستبعاد منطق الإجبار، إنه معقولية وحرية من أجل حصول الوفاق بين الأطراف المتحاورة، ومن أجل حصول التسليم برأي الآخر بعيدا عن الاعتباطية واللامعقول اللذين يطبعان الجدل، ومعنى ذلك كله أن الحجاج -بتعبير عبد الله صولة- هو نقيض العنف بكل تمظهراته، فهو يحتمل التعدد والاختلاف، وهو مرتبط بسياق خاص، يكون تسليم المتلقي فيه نتيجة مناقشة وقابلية لا نتيجة فرض وإكراه.

سنحاول في مسيرتنا البحثية هذه أن نقف على تمظهرات الحجاج في نصوص القرآن الكريم، بطريقة حوارية تكتشف النصوص، وتختار زاوية الالتقاط التي تحفظ للنص حريته وخصوصيته، فنقف على مواطن إحداث التأثير والانفعال العاطفيين اللَّذَين يميزان النصوص المكية، من خلال الإيجاز في الأسلوب، خلافا للنصوص المدنية التي تتميز بأسلوب الإطناب الذي غايته الاستدلال، وأن مخاطبة المخالفين من نصارى وبني إسرائيل تأتي بمناداتهم بصفات (أهل الكتاب) و(بني إسرائيل)، باعتبارها صفات تعبر عن موقف من الموضوع، وعلى وجه الخصوص حينما تتبع بصفات مقابلة، تجعل الفعل مناقضا للصفة الأولى التي بدأ بها الخطاب، مما يجعل المتلقي في وضع اختيار ومقارنة، تنتج عنه رؤية جديدة، ويتحدد من خلاله موقف المتكلم، وتصنيف المخاطَب، وتتولد منه صفات أخرى، تسهم في توجيه القارئ إلى ما ينبغي أن يستحقه المخاطَب من أحكام.

ومن آليات التأثير المستهدفة بالدراسة الجانب الصوتي والإيقاعي، باعتبار ما لهذه الظواهر من تأثير حجاجي، عبر ما تحدثه في نفس المتلقي من ارتياح وانفعال، وعبر تأثيرها الخفي – بالرغم من التمظهر الشكلي – حتى مع تلقيها بمعزل عن المضامين.

ومن الآليات أيضا الاكتفاء بالمقدمات المهمة دون غيرها من المقدمات التي هي فوق الحاجة، والتي تبدو معلومة للمستمعين، مثل الاكتفاء بالإبل وهي أهم الأنعام للمخاطبين، وبالسماء والأرض والجبال، وهي أهم ما تقع عليه الحواس في كل حين، فتعظم بذلك صفة الخلق في النفوس، وكالتذكير والتمثيل بالماء والظل ونعمة البصر واللسان والعقل، وتعدد المعطوفات من سماء وأرض وجبال… بوصفه أسلوبا من أساليب الحجاج، غايته التأثير وإحداث الانفعال في المستمع.

كما نبحث عينات من الألفاظ والصيغ التعبيرية التي تنهض بدور حجاجي بارز، كالنفي بوصفه مقابلا للإثبات، وأدوات الربط المختلفة، والتوجيهات الحجاجية، والعدول الكمي بالزيادة وبالنقصان، مثلما كرسه علماء الإعجاز… فالخطاب القرآني من هذه الزاوية يقوم في عمومه على هذا النحو من البناء بين المتقابلات، وعلى الوظائف التأثيرية، إذ ثبت يقينا أن الخطاب القرآني قائم على قيم تصديقية وإنشائية معا، وهو ما يدعونا إلى الوقوف على بعض الوظائف الكلامية، والانتقال من مرجعية الواقع وخصوصية السبب والزمان والمكان إلى طلب الفعل أو النهي عن فعل، بما يحرره من المرجع في الواقع، وهو ما يعني أن فعل القول وظيفته الفعل المتضمن في القول، وغايته الفعل الناتج عن القول.

في إطار هذه التصور يقف بحثنا دراسةً نظرية لمرحلة معاصرة من المراحل التي بلغتها البلاغة، ودراسة إجرائية للخطاب القرآني الذي يعد محور البحوث البلاغية العربية، وحوارا معتدلا بين النظرية والنصوص.

أولا- تعريف الحجاج:

1- الحِجاج لغةً:

الحجاج من حاجَجَ أي نازَع بالحجَّة، ويُعرّفه ابن منظور: حاججته، أحاجه، حجاجًا ومحاجَّةً حتّى حججته أي غلبته بالحُجج التي أدليتُ بها… وحاجَّه محاجَّةً نازعه بالحجة: الدَّليلُ والبُرهان([1]) مما يجعله في تصور صاحب “لسان العرب” مُرادفًا للجدل، أما ابن عاشور فيُشير في تفسير “التّحرير والتّنـوير” إلى التفـريق بين الحِجاج والجَدَل، مُعتمدًا ما جاء منهما في القرآن الكريم، مثل قـوله تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ] [سورة البقرة، الآية: 258]، فيذهب إلى أنَّ معنى حاجَّ: خاصمَ، وأنَّه في الأغلب يُفيد الخصام بباطِل، وأنَّ الجدل يفترق عنه في أنَّ المجادَلة: المخاصمةُ بالقول وإيراد الحجَّة عليه، فتكون في الخيـر، كقوله تعـالى: [يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ] [سورة هود، الآية: 74]، وتكون في الشرّ كقوله: [وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ] [سورة البقرة، الآية: 197]، ومن ثمَّ فإن الحِجاج أوسع، وكلُّ جَدَل حِجاجٌ وليس كلُّ حِجاجٍ جدلًا، ومع ذلك تبقى الـمُطابقة بينهما عند القُدماء أظهر، وهو ما يلاحظ حتّى عند بعض الـمُحدثين([2]).

2- الحِجاج اصطلاحًا:

عرف مفهوم الحِجاج تبايُنًا بين القديم والحديث، وشهد تطوّرات مختلفة منذ أرسطو إلى اليوم، وسنلخص أهم محطاته المفاهيمية فيما يلي:

أ- عند أرسطو:

الحجاج عند أرسطو قاسم مشترك بين الخطابة والجدل، فالخطابة (Rhétorique) فنّ الإقناع عن طريق الخطاب، يكون الاهتمام فيها بما يجعل الخطاب مقنعًا، أما الجدل فعلم الاستدلال المنطقي، باعتباره “يستدلّ بطريقة صارمة، محترمًا بدقَّة قواعد المنطق”([3]).

والخطابة والجدل كلاهما يعتمد الحِجاج عند أرسطو، مع اختلاف بين بنية الحجاج في الخطابة وبنيته في الجدل، فهو في الخطابة “حجاج موجّه إلى جمهور ذي أوضاع خاصَّة، في مقامات خاصَّة، والحِجاج ههنا ليس لغاية التّأثير النَّظري العقلي، وإنّما يتعدَّاه إلى التأثير العاطفي، وإلى إثارة المشاعر والانفعالات وإرضاء الجُمهور واستمالته، ولو كان ذلك بمغالطته وإيهامه بصحَّة الواقع”([4]).

وأمّا الحجاج في الجدل فهو وسيلة تفاعل، ذات “نتيجة استدلاليَّة برهانيَّة قويَّة ولا بُدَّ من منهج متكامل… يعتمد النّطق بصفة كبيرة”([5]) لأجل التّأثير العقلي في الـمُتلقّي، ومن هنا فالحِجاج عند أرسطو قاسمٌ مُشتركٌ بين الخطابة والجدَل، لتتسم تبعًا لذلك البلاغة بالخداع والمغالطة، وهو ما جعلها محلّ ابتعاد ونفور عند الغربيّين([6]).

ب– في العصر الحديث منذ 1958 م:

ظهر حديثًا – بداية من 1958م – تعريف جديد للحِجاج، ذو صبغة فلسفية مخالفة لما عرف به الحجاج عند أرسطو، وذلك من خلال مؤلَّفين اثنين؛ أوّلهما كان لتولمين، وثانيهما من تأليف بيرلمان وتيتكاه، مثلما أشرنا لذلك سابقًا، تلاهما بعد ذلك في سنة 1983م كتاب لديكرو وأنسكمبر هو “الحِجاج في اللغة”، الذي تناول فيه الباحثان الحِجاج ضمن الإطار اللساني، ثُمَّ ظهر كتاب “المنطق والكلام والحجاج” (Logique, Langage et l’argumentation) لصاحبه (ماير) (Meyer)، والجدير بالذكر أن أوّل ملمح في دراسات هؤلاء للحجاج هو اعتبارهم الحجاج مستقلًا عن الخطابة والجدل كما كان عليه عند أرسطو، وأنهم “استطاعوا أن يبرّئوه من تهمة (الدّعاية) و(الاستمالة) و(المغالطة) اللائطة به في أصل نشأته في كنف الخطابة”([7]).

ولأنّ تعريفات الحِجاج متباينة لدى هؤلاء الدارسين، فإننا سنكتفي بإيراد مفهوم الحجاج عند (بيرلمان) و(تيتكاه)، ثم مفهومه عنـد (ديكرو)، بشيء من الاختصار، باعتبار أنّهما مفهومان يُمثّلان حقلي الفلسفة واللغة على السّواء([8]).

 

ج- الحِجاج عند بيرلمان وتيتكاه:

الحِجاج عند هذين الباحثين جملة من التّقنيّـات، التي من شأنها أن تؤدّي بالأذهان إلى التَّسليم بالموضوعات المعروضـة عليها، أو أن تزيد في درجة ذلك التّسليم ([9]).

وقد جعلا الحِجاج مستقلًا – كما قلنا – عن الخِطابة والجَدَل، رغم اتّصاله بهما، فالحِجاج يأخذ من الجدل الجانب الفكري، الذي هدفه التأثير في المتلقّي، ويأخذ من الخطابة التّوجيه السّلوكي، ثم يفارقهما في أنّه يجمع بين التّأثيرين؛ النّظري الذّهني والسّلوكي العملي، ليستقلَّ بذاته، وبغايته الأساسيَّة التي هي الفعل في المتلقّي، على نحو يدفعه إلى العمل، أو يهيّئه للقيام بالعمل([10])، ويتخلّص في الوقت ذاته من صرامة الاستدلال، ومن تلاعب الخطابة بعواطف المتلقّي، ولذلك أتبعا كلمة “الحجاج” في عنوان كتابهما بجملة “الخطابة الجديدة”.

إنّ موضوع نظريَّة الحِجاج عند بيرلمان وتيتكاه هو دراسة التّقنيّات الخطابيَّة التي من شأنها التأثير العقلي ودفع المتلقّي للعمل، إلا أن اهتمامهما باللغة كان فقط من حيث إنَّها واسطة ووسيلة لمنطق الحِجاج، لأجل تحقيق التّأثير العقلي في المتلقّي.

د- الحِجاج عند ديكرو:

تختلف نظريّة (ديكرو) في مؤلَّفه “الحجاج في اللغة” عن غيرها من النّظريّات القديمة مثلما هي عليه عند أرسطو، كما تختلف أيضا عن نظريَّة بيرلمان وتيتكاه، وعن نظريَّة ماير وتولمين، وغيرها من النَّظريَّات، ذلك بأنّها نظريَّة لسانيَّة تقوم على اللغة أساسًا، تدرُس الوسائل اللغويَّة وإمكانات اللغة الطّبيعيّة لأجل توجيه الخطاب، وتحقيق الغايات الحِجاجيَّة للمتكلّم، فالأقوال حجج لأقوال أخرى، والقول (ق1) يقتضي التَّسليم بالقول (ق2)؛ فالأوّل حجَّة، والثّاني نتيجة يُريد المتكلّم إقناع المتلقّي بها. ومن ثمَّ فإن الحجاج عند المؤلِّفَين: “إنجاز لعملين هما: عمل التَّصريح بالحجَّة من ناحية، وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى، سواءٌ كانت النّتيجة مصرّحًا بها أو مفهـومة من (ق1)”([11]).

تقوم نظريَّة ديكرو على اعتبار اللغة حاملة بصفّة ذاتيَّة لوظيـفة حِجاجيَّة، فالحِجاج متضمّن في البنى اللفظيَّة، والقول لا ينفصل معناه عن قوَّة حِجاجيَّة كـامنة فيـه، كمـا يؤكّد ديكـرو على مفهـوم آخـر مهـمّ هو التَّوجيه (L’orientation) “أو السّمة التّوجيهيَّة للخطاب الحِجاجي، وأنّ القيمة الحِجاجيَّة لقول ما ليست في حصيلة المعلومات التي يقدّمها فحسب، بل إنّ الجملة قد تشتمل أيضًا على عناصر صوتيَّة وبلاغيَّة؛ من تعابير وصِيَغ، فضلًا عن محتواها الإخباري، تعمل كلّها على إعطاء توجيه حِجاج للقول، ومن ثمَّ توجيه المتلقّي في هذا الاتّجاه أو ذلك”([12]).

ويذهب ديكرو إلى أنّ التّوجيه الحِجاجي للخطاب هو الذي يحدّد القيمة الحِجاجيَّة للقول، أمّا القول في حدّ ذاته فهو منشئ للحجّة، وليس للقيمة الحجاجيَّة.

يقوم الحِجاج عند ديكرو على البنى اللغويّة وعلى ترابطها داخل الخطاب، أي على الأقوال نفسها، خلافًا للاستدلال الذي يقوم على ما تحمله تلك البنى اللغوية من وقائع، وما تتضمّنه من قضايا، لا على البنية اللغويّة للأقوال، “فالحِجاج إذًا متّصل بالعلاقات بين الأقوال في النُّصُوص والخطابات، في حين أنّ الاستدلال متّصل بالعلاقات بين القضايا التي نحكم عليها إمّا بالصّدق وإمّا بالكذب”([13]).

ووسّع ديكرو مفهوم الحجَّة والنّتيجة، مؤكدا أنهما قد تكونان قولًا أو فقرة أو نصًا أو عنصرًا غير لفظيّ، كسلوك معيّن، وأنهما قد تكونان ظاهرتين أو مُضمرتين، بحسب الاعتبارات السّياقيَّة، “فقد تلجأ الحجَّة إلى الإضمار لوُجُود معارف مشتركة بين الـمُستدلّين بها… ونذكر من المضمرات الخاصَّة كلّ ما تعلَّق بتصوّرات المتكلّم، والمستمع، بعضهما في بعض، من حيث معارفهما أو آرائهما أو مبادئهما أو قيمهما”([14]). والأمر نفسه بالنسبة للرّابط الحِجاجي الذي يربط الحجَّة بالنّتيجة، فقد يكون مصرّحًا به، وقد يكون مضمرًا كما هو الحال في النُّصُوص الأدبيَّة والشّعريَّة، التي يُلجأ فيها إلى التعمية والغموض، بقصد دفع القارئ إلى بذل الوسع في استكشاف قصدية المؤلف، ممّا يُضفي على القراءة طابع الـمُتعة والإثارة.

ثانيا: الرَّوابط الحِجاجيَّة والعوامل الحِجاجيَّة:

الرّوابط الحجاجيّة عند ديكرو هي العناصر اللغويَّة الخاصَّة بالحِجاج، والتي تربط بين الأقوال أو بين الحُجج، أو بين حجَّة ونتيجة، مثل الأدوات التَّالية: لكن، إذن، بل، لأنّ، حتَّى… مثل قولنا: زيدٌ يُحسن إلى النَّاس إذن سيُحبُّه النّاس، فالرَّابط الحِجاجي (إذن) يربط بين الحجَّة: (زيد يُحسن إلى النَّاس)، والنّتيجة: (سيُحبُّه النّاس)، أمّا العوامل الحِجاجيَّة فهي لا تربط كما هو الحال في الرَّوابط الحِجاجيَّة بين الحجج، أو بين حجَّة ونتيجة، ولكنّها تقيّد الإمكانات الحِجاجيَّة لقولٍ ما، بواسطة أدوات لغويَّة، كأدوات القصر، مثل: (ما… إلاَّ)، وأدوات أخرى مثل: ربّما، كاد، تقريبًا… مثلما يوضحه المثال التالي:

01 – بلغت حرارة الطّفل (38 °).

02 – ما بلغت حرارة الطّفل إلاَّ (38 °).

فالملفوظ الأوَّل تتعدَّد إمكاناته الحِجاجيَّة، وتتعدَّد النّتائج التي يؤدّي إليها، فقد تكون الحرارة في نظر القائل مرتفعة، مما يعني أن في ملفوظه دعوة إلى الإسراع بالطفل إلى المستشفى، كما يحتمل أن يكون الملفوظ فيه دعوة لعدم التسرُّع في نقل الطفل إلى المستشفى، وبالمقابل فإنّ الملفوظ الثّاني (02) تقلَّصَت فيه الإمكانات الحِجاجيَّة، وأصبح يُؤدّي إلى نتيجة واحدة، هي عدم التسرُّع في أخذ الطفل إلى المستشفى، وذلك بسبب دُخول العامل الحِجاجي (ما… إلاَّ). وهذان النَّوعان يحقّقان ما يُسمَّى بالعلاقة الحجاجيَّة، وهي تختلف عن علاقة الاستلزام المنطقي، لأنّ ما يُحقّق هذه العلاقة هي المكوّنات اللغويَّة.

ثالثا: العلاقات الحجاجيَّة:

إن النـصّ الحِجاجي علاقاتٌ وتفاعل، وليس مجرَّد حُجج يرصف بعضها إلى جنب بعض بغير ارتباط ولا انسجام، ومن ثمَّ فإنه لا بُدَّ أن يكون النـصّ الحِجاجي بناء تتّسق عناصرُه وتترابط في داخله الحجج، تحقيقا لقصدية صاحبه، والعلاقات الحجاجيَّة إنّما هي نتاج الرّوابط الحِجاجيَّة التي ذكرها ديكرو، فالرّوابط الحِجاجيَّة إذن جملة من الأدوات اللغويَّة التي يعتمدها صاحب النصّ في بناء الرّبط بين أجزاء نصّه، ليُنشئ من ثمَّ العلاقات الحِجاجيَّة التي تتعدَّد بتعدُّد الخطابات، وتختلف باختلاف الباثّ والمـُتلقّي.

وأهمّ العلاقات الحِجاجيَّة: العلاقة السَّببيّة، علاقة التّتابع، علاقة الاقتضاء، وعلاقة الاستنتاج، وعلاقة عدم الاتفاق.

1– العلاقة السَّببيَّة:

تقوم العلاقة السببية على ربط علاقة بين حُجَّة ونتيجة، ربطًا يجعل الحُجَّة سببًا للنّتيجة، وفي هذا النوع من العلاقات يحرص الباثّ على أن يجعل “بعض الأحداث أسبابًا لأحداث أخرى، ويسم فعلًا بأنّه نتيجة متوقَّعة لفعلٍ سابق”([15])، وربّما تصير هذه النّتيجة سببا لنتيجة أخرى، ليحدث ما يُسمَّى بالتّتابُع السّببي، الذي يُفضي – ربّما – إلى علاقة سببيَّة في مستوى أعلى، تجعل النصّ وسيلةً والنّتيجة غاية.

 

 

2– علاقة التَّتَابُع:

هي علاقة تربط القول بما يتبعه، وتسمح باطّراد الحديث في شكل سلسلة كلاميَّة مترابطة الأجزاء، ممّا يؤهّل هذه العلاقة إلى اكتساب طاقة حِجاجيَّة كبيرة، كما أنَّها علاقة مرنة يُمكنها الظّهور على أكثر من مستوى، فقد تظهر على مستوى الحجج فيما بينها، كأن تقتضي حجَّة ما حجَّة أخرى، أو على مستوى الأفكار، أو الأحداث…

3– علاقة الاقتضاء:

هي علاقة تربط – كغيرها – الحجَّة بالنّتيجة، إلا أنّها علاقة أقوى، إذ تجعل “الحجَّة تقتضي تلك النّتيجة اقتضاءً، والعكس صحيح، بحيث تغدو العلاقة ضربًا من التّلازُم بين الحُجَّة والنّتيجة، وهو ما لا توفّره سائر العلاقات، حتَّى السّببيَّة منها”([16]).

4– علاقة الاستنتاج:

هي علاقة تربط الحجَّة بالنّتيجة، ربطًا يوحي بأنَّ النّتيجة تنشأ من الحجَّة وتصدُر عنها، وقد يقوم المتكلّم بتقديم الحجج، وتترك للمتلقّي النّتائج بعد توجيهه إليها، أي إنّه يُمكن التّصريح بالنّتيجة أو السُّكوت عنها لتفهم ضمنيًا، وهو ما يُميّز الاستنتاج الطّبيعي أو شبه المنطقي في الخطاب التّداولي، عن الاستنتاج المنطقي القائم على التّصريح بطرفي الاستنتاج.

5– علاقة عدم الاتّفاق:

هي علاقة تقوم على عدم الاتّفاق بين حجَّة يقدّمها المتكلّم ونتيجة لا تتّفق مع تلك الحُجَّة، مع توجيه للخطاب وللمتلقّي نحو النّتيجة، وبتقبّل النّتيجة ترفض الحُجَّة، ممّا يُبرز الخلفيَّة المنطقيَّة لهذه العلاقة، “وإن كانت أكثر العلاقات تعقيدًا وأخفاها… فإنّها أكثرها إثارة”([17]).

ففي مثل قولي: تقاعس المسلمون عن نصرة فلسطين، وهم أكثر عددًا وأوفرُ مالًا من غيرهم، يبدو التّقاعُس نتيجة، لكنَّني سُقت لها حججًا: الأولى أنّ المسلمين أكثر عددًا، والثّانية أنّهم أوفر مالًا، وهذه الحُجج من المفروض أن تؤهّلهم لنجـدة فلسطين ونُصرتها، لكن العلاقة بينهما وبين النّتيجة فيها مفارقة وعدم اتّفاق، لتتأكّد النّتيجة التي هي: التّقاعُس والجُبن.

رابعا: السُلَّم الحِجاجي (Echelle argumentative):

السُّلَّم الحِجاجي هو علاقة ترتيبيَّة للحجج، يعمد إليها المتكلّم لتحقيق غاية ما، متوخّيًا في ترتيبه للحجج قوّتها. أو هو: “عبارة عن مجموعة غير فارغة من الأقوال، مزوّدة بعلاقة ترتيبيَّة وموفّية بالشَّرطين التّاليين:

أ – كلّ قول يقع في مرتبةٍ ما من السُلَّم يلزم عنه ما يقع تحته، بحيث تلزم عن القول الموجود في الطَّرف الأعلى جميع الأقوال التي دونه.

ب – كلّ قول كان في السلّم دليلا على مدلول مُعيَّن كان ما يعلوه مرتبةً دليلًا أقوى عليه”([18]).

ويُمكننا التّرميز لهذا السُلَّم بما يلي: (أ، ب، ج) حجج تخدم النّتيجة (ن) بإقامة علاقة ترتيبيَّة بين هذه الحجج المنتمية إلى فئة حِجاجيَّة واحدة، بحيث:

أ – القول (أ) إن كان يؤدّي إلى (ن) فالذي يعلوه درجةً أي (ب) و(ج) يؤدّيان إلى النّتيجة (ن) أيضًا والعكس غير صحيح.

ب – الحجَّة (ب) دليـلٌ أقوى من (أ) بالنّسبة إلى (ن)، و(ج) أقوى من (ب) كذلك، ففي الأقوال الآتية: زيدٌ من المحسنين (ن).

أ – زيدٌ يُحسن لذويه.

ب – زيدٌ يُحسن للنّاس.

ج – زيدٌ يُحسن لعدوّه.

هذه الحُجج من نفس الفئة الحجاجيَّة، ومن نفس السُلَّم الحجاجي، والنّتيجة المؤدّية إليها واحدة هي: (إحسان زيد)، ولكنّ قوَّة الحُجج تختلف، و(ج) أقواها، لذا يُوضع في أعلى درجات السُلَّم الحِجاجي، ثم تليه (ب) ثمَّ (أ) بهذا الشَّكل:

(ن) (إحسان زيد).

ج إحسانه لعدوّه.

ب إحسانه للنّاس.

 أ إحسانه لذويه.

خامسا: قوانين السُّلَّم الحِجاجي:

أهمّ قوانين السُّلَّم الحِجاجي ثلاثة:

1 – قانون تبديل السُلَّم: ويُسمّيه البعض (قانون النّفي)، ومُقتضاه: إذا كان قولٌ ما (أ) يؤدّي إلى نتيجةٍ مُعيَّنَةٍ (ن) فإنَّ نفيه أي (- أ) سيكون حُجَّة لصالح نقيض النّتيجة (ن)، أو نفيها أي (- ن).

ويُمكن أن نُمثّل لهذا بالمثالين التَّاليين:

1 – زيدٌ يُحسن إلى النّاس، زيدٌ يُحبُّه النّاس.

2 – زيدٌ لا يُحسنُ إلى النَّاس، زيدٌ لا يُحبُّه النّاس.

فقبُول الحِجاج في المثال الأوّل (01) يُؤدّي إلى قبُول الحجاج في المثال (02).

2- قانون القلب: يرتبط هذا القانون بالقانون السَّابق، أي بالنَّفي ومُقتضاه، إذا كانت الحجّتان (أ) و(ب) تؤدّيان إلى نفس النّتيجة (ن)، وكانت (ب) أقوى من (أ)، فإنَّ نقيض (أ) أقوى من نقيض (ب) في التّدليل على نقيض (ن)، أي (- أ) أقوى من (- ب) للتّدليل على (-ن)، ومنه فالسُلَّم الحجاجي للأقوال المنفيَّة هو عكس السُلَّم الحجاجي للأقوال الإثباتيَّة.

3- قانون الخفض (Loi d’abaissement):

مقتضى هذا القانون أنّه: “إذا صدَق القول في مراتب مُعيَّنة من السُلَّم فإنّ نقيضه يصدُق في المراتب التي تقع تحتها”([19]) 

ومثال ذلك السُلَّم الحجاجي التّالي:

(ن) (مكانة زيد عندي).

ج أنا أجلّ زيدًا.

ب أنا أحبّ زيدًا.

 أ أنا أحترم زيدًا.

إذا صدق القول في مراتب مُعيَّنة من السُلَّم، فإنَّ نقيضه يصدُق في المراتب التي تقع تحتها، فهذه الحُجج التي صُغتها تؤكّد كلّ حجَّة منها ما سبقها من حُجج، مرتّبة حسب قُوَّتها لخدمة نتيجة واحدة (ن) هي مكانة زيد عندي أو في قلبي. لكنّـني إن قُلت: لا أجلُّ زيدًا أي (- ج) لا يستلزم أنّني لا أُحبُّه أو أنني لا أحترمه، أي لا يستلزم (- ب) و(- أ)، لكنَّه يستلزم أنّني لا أجلّه أي يستلزم (-ج) وهكذا.

سادسا: الجانب الإجرائي:

ينطوي النصّ القرآني على أبعاد ثلاثة: بُعد لغوي، وبُعد معرفي، بما يتضمَّنه من مبادئ في العقيدة والتّشريع والأخلاق، وربما حتَّى في الجانب العلمي التخصصي، وهو خطاب تواصلي بما يحتويه من أساليب خطابية، وبما يثبته نزوله منجّمًا، بحسب أسباب للنّزول ووفق مقاصد شرعية قد يقتضيها المقام أو تحددها قصدية الشارع، ممّا يؤهّل النصّ القرآني لأن يكون قابلًا لأن يقرأ ويفهم في كلّ زمان ومكان.

إن الدعوة إلى تجديد الفهم والتلقي لكتاب الله اقتضتها مرونة القرآن وصلاحيته لكل زمان ومكان، إلا أنها ليست دعوة للتحرّر من كلّ قيد، أو تحريضا على الخوض في النصّ القرآني بغير علم، فكما أننا نُؤمن بحقّ الاجتهاد وأنّ لكلّ مجتهد نصيبا من اجتهاده، فإننا نُؤمن أيضًا بما خطَّه القُرآن ذاتُه من حدود للاجتهاد، فلا ينبغي التدثُّر مطلقا بالمناهج اللسانيَّة الحديثة لتحريف معاني النصّ القرآني، وخرق قواعده وكلّيَّاته التي بيّنها العُلماء.

إنّ دعوتنا هنا لا تعدو أن تكون دعوة للاجتهاد الصحي الذي يلتزم الحُدُود، فتنحو معه القراءات منحى إيجابيّا، يثري دلالات النصّ القُرآني، بما يستقيم والتراكم المعرفي البنَّاء، بعيدا عن الهدم والتقويض، في سعي حثيث للتدبُّر والتفكُّر المطلوبين شرعا، وفي إطار احترام خُصُوصيَّات القرآن وقداسته.

إن الخطاب القرآني رسالة من الله تعالى إلى النّاس كافَّة، وهو خطاب “يمثّل عمليّة الاتّصال بكامل عناصرها؛ من مرسل، ومرسل إليه، ورسالة، وقناة اتّصال، وأثر، لذا دعا العقول لأن تتأمّله وتبحث فيه”([20])، وأن تقف على مضمون رسالته، وإلاَّ فإنَّ الرّسالة لم تصل.

في هذا الإطار يصبُّ اجتهادُنا، خصوصا أنّ الله تعالى أقرب إلينا من كلّ مُرسل، والرّسالة ماثلة بين أيدينا، والـمُتلقّي هو “نحن”، كما قال محمّد إقبال – رحمه الله – عن وصيَّة والده: “اقرأ القرآن كأنَّه أنزل إليك”، وحتى إن كان المقال في خطاب الله لنا سابق عن المقام، فإنّه متعلّق بوجه من وجوه الإعجاز القرآني وبعلم الله بما يكون، وهو في ذلك يشاكل نزول القرآن الكريم إلى السَّماء الدُّنيا ثمَّ نزوله على سيّدنا محمّـد صلَّى الله عليه وسلَّم بعد ذلك منجّمًا بحسب الأحداث، والعبرة كما – قرر العلماء – “بعموم اللفظ لا بخُصُوص السَّبَب”([21]).

سوف نسعى في هذا البحث إلى تحليل بعض النُّصُوص القرآنيَّة الموجّهة إلى أهل الكتاب تحليلا بلاغيا، من وجهة نظر البلاغة الجديدة، ينصبُّ فيه الاهتمام خاصَّة على ما يُحدثه الخطاب من تأثير في المتلقّي، باعتباره الهدف الأسمى الذي نزل القرآن لأجله، وعلى رصد ما يتضمنه النص من حُجج، وكيفيَّة بنائها، وتتبُّع مواطن الحِجاج، ونقاط القوَّة، ومصادر الطّاقة الحجاجيَّة الموزّعة في الخطاب، وكيف أنها مشحونة موجهة توجيها غايته إحداث أكبر الأثر في المتلقّي، وحمله على التّسليم بالنّتائج والإذعان لها، مُستخلصين آناء ذلك تقنيّات الحِجاج الـمُتّبعة، والسُلَّم الحِجاجي الذي يلخّص حجاجيَّة البنية العامَّة للخطاب.

1- الآيات القرآنية:

يقول الله تعالى: [ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71) ] [سورة آل عمران، الآيات: 69 – 70 – 71 ]

 

2- تفسير الآيات كما هو في كتب التفسير:

[ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ] ودَّت: أي تمنَّت، وطائفة: جماعة، أهل الكتاب: “أهل التَّوراة من اليهود وأهلُ الإنجيل من النّصارى”([22]) ويُرجّح ابن عاشور أنَّ “الـمُراد بأهل الكتاب هنا اليهود خاصَّة، ولذلك عبَّر عنهم بطائفة من أهل الكتاب”([23]).

أ- سبب النُّزُول: “نزلت في مُعاذ بن جبل وحُذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر حين دعاهم اليهُودُ إلى دينهم”([24])

ب- التفسير: لو يُضـلّونهم: لو يصدُّونهم عن الإسلام، أيُّها المؤمنون ويردّونكم إلى الإضلال “والإضلال في هذا الموضع الإهلاك”([25]).

[وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ]: ما يُهلكون أحدًا غير أنفُسهم.

يقول الزّمخشري في هذه الآية: “وما يقدرون على إضلال المـُسلمين وإنّما يُضلُّون أمثالهم من أشياعهم”([26]) أو أنّهم بإضلال غيرهم فقد صاروا هم أيضًا ضالّين (لأنّ الإضلال ضلال)([27]).

[وَمَا يَشْعُرُونَ[: وما يدرون ولا يعلمون.

[يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ]: خطابٌ إلى أهل الكتاب [لِمَ تَكْفُرُونَ]: لم تجحدون [بِآيَاتِ اللَّهِ]: أي بما في كتاب الله الذي أنزل إليكُم، وكفركم بمحمّد صلَّى الله عليه وسلّم، وما تجدونه عندكم في كتبكم من أدلَّة على نبوَّته صلَّى الله عليه وسلّم، مع شهادتكم أنَّ ما في كتبكم حقٌّ وأنَّه من عند الله.

[ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ]: التفاتٌ إلى خطاب أهل الكتاب وإعادة ندائهم بقوله: [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ] ثانيةً لقصد التَّوبيخ وتسجيل باطلهم عليهم”([28]).

[لِمَ تَلْبِسُونَ[ لِمَ تخلِطون [الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ[ و” كان خلطهم الحقَّ بالباطل إظهارهم بألسنتهم من التّصديق بمحمّد صلَّى الله عليه وسلّم، وما جاء به من عند الله، غير الذي في قلوبهم من اليهوديَّة والنَّصرانيَّة”([29]).

 وقال آخرون في ذلك: (الحقّ) التَّوراة التي أنزل الله على موسى، و(الباطل) الذي كتبوه بأيديهم، “وقرأ يحيى بن وثاب “تلبَسون” بفتح الباء، أي تلبسون الحقّ مع الباطل، “كقوله – عليه السلام – كلابس ثوبي زور”([30]).

[وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] و” كتمانهم الحقَّ يحتمل أن يُراد به كتمانهم تصديق محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويحتمل أن يُراد به كتمانهم ما في التّوراة من الأحكام التي أماتوها وعوّضوها بأعمال أحبارهم وآثار تأويلاتهم وهم يعلمونها ولا يعملون بها”([31]).

 

 

3- الأبعاد الحجاجية:

[وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ]: هو خطاب موجّه من الله تعالى إلى محمّد صلّى الله عليه وسلَّم وإلى الفئة المؤمنة معه عبر الوحي، الذي نزل به جبريل عليه السّلام.

يظهر الحِجاج في الخطاب منذ البداية على مستوى الوحدات اللغويَّة منفردة، لأنّ اللغة بكلّ مستوياتها قائمة على الحجاج، تراكيبَ وجُملًا ونصُوصًا، ذلك بأنّ “للكلمة طاقة وشحنة حجاجيَّة بها تُساهم في حجاجيَّة الملفوظ بأكمله”([32]).

فالنّداء: [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ[ فيه شدٌّ للانتباه، وفيه إبلاغ وتوصيل، وهو من الإنشاء الطّلبي “والحجاج في صلبه طلب صريح أو ضمني بتسليم المُستقبل”([33]).

و[أَهْلَ الْكِتَابِ[ استعمال للقب هو صفة من الصّفات التي يُمكن للمُرسل أن يُحاجج من خلالها، إضافة إلى دلالتها على التّضمين الذي مفاده: إنكم تعلمون الكتاب، وتُدركون الحقّ فيه، وإنّكم أهله وأولى النَّاس باتّباع ما جاء فيه… فوصفهم بهذه المتضمنات علامةٍ على معرفتهم بالحقّ، وليس هذا فحسب بل ليُؤسّس عليها فعلًا حِجاجيًا، إضافةً إلى أنّها حجّة في ذاتها، وهذا ما يُثري دلالات الخطاب في الحِجاج، إذ “لا يخلو اختيار اللقب أو إطلاقُه من قصدٍ حجاجيّ، إذ لا يقصد به تصنيف الموصوف بالنَّظَر إلى السّمات التي تُشركُه مع العناصر التي ينتمي إليها فحسب، ولكنَّه يُعبّر غالبًا عن تحديد موقفه منه، وطريقة الحكم عليه ومعالجته”([34]).

ثمَّ يتلو هذا النّداءَ استفهام، وهو أيضًا من الإنشاء الطّلبي، والاستفهام من أنجَح أنواع الأفعال الكلاميَّة حجاجًا، حيث “إنَّ طرح السُّؤال يُمكن أن يضخّم الاختلاف حول موضوعٍ ما إذا كان المُخاطب لا يُشاطر المتكلّم الإقرار بجواب ما، كما يُمكن أن يُلطّف السُّؤال ما بين الطّرفين من اختلاف إذا كان المُخاطب يميلُ إلى الإقرار بجواب غير جواب المُتكلّم”([35]). وهو ما من شأنه الزيادة في الطّاقة الحِجاجيَّة للخطاب كلّه.

ويتكرَّر النّداء والمنادى [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ] عاملا مُشتركا، ويتكرَّر كذلك الاستفهام، وبعض الوحدات اللسانيَّة: يضلّون، الحقّ، أنتم. ممّا يُكسب الخطاب إيقاعًا حِجاجيًا خاصًّا، فليس الإيجاز محمودًا دومًا، بل لقد قيل: “ما تكرَّر تقرّر”. ففي التّكرار تنبيه وتأكيد، وتخصيص على التَّخصيص ومن ثمَّ كثافة العامليَّة الحِجاجيَّة التي يتَّضح من خلالها المفهوم من الخطاب، إذ “ليس هناك تكرار أو ترادُف في الحِجاج”([36]).

إنَّ وضعيَّات التلفّظ حسب التّداوليّين اليوم تُساعدنا على إدراك حجاجيَّة النص، والآية كما رأينا ردّ على أهل الكتاب، وكشف لما يُضمرونه من كيدٍ للفئة المُؤمنة، ومن ثمَّ فإنَّ الاستفهام هنا إنّما هو للذمّ والتَّقريع والإنكار، والإنكار في نفسه تكذيب ودحض لمسلّمات المتلقّي، وهو جوهر الحِجاج.

كما تظهر حِجاجيَّة الاستفهام في أنَّه أكثر استدراجًا لعواطف المتلقّي، ليُسلم للحق ويُقرَّ به وبما جاء في القرآن الكريم.

إن محاولة تعيين العامل المُشترك (Facteur Commun) حجَّة عليا (Argument super donnée) وباقي التّخريجات بمثابة الحُجج الدّنيا المتفرّعة عن ذلك العامل، إنّما هو بحث عن البنية الحجاجيَّة العامَّة للخطاب، إذ لا قيمة للخطاب الأوّل إلا بما يليه، لأنّ العلاقة التي تجمعهما هي علاقة العام بالخاصّ، وهذا الانتقال من العام إلى الخاصّ هو في حدّ ذاته آليَّة حجاجيَّة ناجعة.

وبالإضافة إلى حِجاجيَّة هذا العامل المُشترك [يَاأَهْلَ الْكِتَابِ] و(لِمَ) في مستوىً أقلّ فإننا نجد الحِجاجيَّة ماثلة أيضا فيما يتعلّق به مـن استرسال (Continuum) في بقيَّة الخطاب، وذلك بالنظر لسريان العمل الحِجاجي للعامل الـمُشترك في كامل الخطاب، ولاحتوائه بدوره على طاقة حِجاجيَّة شكلت مع العامل الـمُشترك تسلسُلًا حِجاجيًا. كما يُؤكّد ذلك ديكرو وأنسكمبر في قولهما: “إنّ التّسلسُل الحجاجي المُمكن في الخطاب إنّما يكون في البنية اللغويّة لا المضامين”([37]).

إن الطّاقة الحِجاجيَّة التي قلنا إنّها مُحتواة في الخطاب إنّما من أهمّ مصادرها أفعال الكلام التي قررها التداوليون، فتلك الأفعال الكلاميَّة التّقريريَّة يتجاوز دورُها دور المـُساعد في تركيب الخِطاب إلى اعتبارها حِجاجًا بعينها.

أمَّا على مستوى التَّركيب فللجُمل الإسميَّة دورٌ لا يُنكر في الحِجاج، فقد جاءت الجُملة الأولى فعليَّة تقريريَّة موجّهة للمؤمنين، ولكنّها أتبعت بجملتين اسميَّتين في إطار الخِطاب، وبطاقة حِجاجيَّة كبيرة، لأنّها موجّهة لـمُخاطب آخر هم أهل الكتاب، وهذه الهيمنة للجُمل الإسميَّة إنّما هي لغاية دلاليَّة، وقصدية حجاجيَّة، ووظيفة تعليليَّة وإقناعيَّة في ذات الوقت([38])

إن الجُمل الاسميَّة أكثر تعبيرًا عن الحقائق الثّابتة، مثلما هي حال أهل الكتاب وما دأبوا عليه، ومثل ظهور الحق، وثبوت نبوَّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا النوع من الجمل أكثر استعمالًا للتأثير والإقناع من الجمل الفعليَّة.

كما أن للعلاقة الحمليَّة داخل الجمل: بين (ما) و(إلاَّ)، في قوله: [وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ] علاقة قصريَّة، وهو بتعبير التّداوليّين عامل حجاجي (Operateur argumentatif) تتقلَّص معه الإمكانات الحجاجيَّة، ليؤدّي بعد ذلك إلى نتيجة واحدة هي إضلال أنفسهم.

يضافُ إلى ذلك ما يُؤدّيه التّعريف أو “التّخصيص عبر التّعريف” من دور حجاجي في الخطاب، فالخطاب يضع المتلقّي عبر هذا التّعريف في مواجهة مباشرة مع المفاهيم: “أَهْلَ الْكِتَابِ، آيَاتِ اللَّهِ، الْحَقَّ ” وفي ذلك فعل حجاجيّ موجه إلى أهـل الكتاب.

من خلال ما سبق يتضح أن الثّلاثي: المعنى الـمُعجمي، الحصر، والتّعريف، يحقق عامليّة حجاجيّة مهمّة في إيصال المفهوم، وعلى الأخص أن هذا الثّلاثي قد صُبَّ في قالب عام أقدَر من غيره على إثبات الحقائق وإبراز المبادئ، المتمثل في الجُمل الاسميَّة.

إن هذا التعدّد في الحُجج من شأنه أنّه يؤدّي بالمتلقّي إلى التّسليم شيئًا فشيئًا، ويستدرجه إلى التخلّي عمّا كان يعتقد مرَّة بعد مرَّة، كما حدث لبعض اليهود ولكثير من النّصارى، وهو يُدرك أنّها ليست أخبارًا ولا أسئلة يجهلها المتكلم ويريد إجابة عنها، ومن ثمَّ فإن القصدية (intentionnalité) أيضًا ساهمت في حجاجيّة الخطاب، وأن الأمر لم يكن مناط الصّياغة والمعنى الحرفي وحدهما.

بقي لنا أن نُشير إلى ظاهرة لغويَّة أخرى تفرض حُضُورها في تكثيف العامليَّة الحِجاجيَّة للخطاب هي ما يُسمّى بالبديع، متمثلا في الطّباق، في قوله تعالى: [الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ] والطّباق المعنوي في قوله: [لِمَ تَكْفُرُونَ] و[وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ]، لأنّ الشّهادة إقرار وإظهار، والكفر ستر وجحود، والتّجنيس الممـاثل [أي الجنـاس التَّـام] في (يُضِلُّونَكُمْ/ وَمَا يُضِلُّونَ)”([39]). ذلك أن البديع لا يقـتصر دوره على الوظيفة الشَّكليَّة، بل إن لأدواته دورا حِجاجيا هدفه الإقناع، وليس مُجرَّد زخرفة للخِطاب. إنه يهدف إلى الإفهام بالدرجة الأولى، وذلك يبدو جليا في الحِجاج بالثّنائيَّات كما رأينا في قوله (الحقّ / الباطل) – (لم تكفرون / وأنتم تشهدون) – (يضلّونكم / وما يُضلونكم).

 

الخاتمة:

في ختام هذا البحث نقف على جملة من النتائج في إطار الدرس الحجاجي المعاصر، باعتبار أن ما نحوناه في هذا البحث هو استثمار نتائج الدراسات النظرية البلاغية المعاصرة في تحليل الخطاب القرآني الذي يعد محور البحوث البلاغية العربية، في إطار الوسطية الإجرائية التي تهدف إلى إقامة حوار معتدل بين النظرية والنصوص.

يمكننا القول نظريا إن الحجاج اليوم صار فنا تأثيريا، وتقنية خطابية، تستهدف الإقناع غير الملزم، وهو ما يتمثل الخطاب في شموليته؛ نصا وسياقا، حيث تتصل المكونات الأساسية لحقلي البلاغة والحجاج، وأنه بموجب هذا التصور الجديد تخلصت البلاغة من التبعية التاريخية للخطابة، وتحررت في الوقت ذاته من الاستدلال وصرامته.

ثم إن من أهم النتائج النظرية أن الحجاج حوار غايته حصول الإقناع، وليس إكراها على الاقتناع، إنه إحلال لمبدأ الاختيار واستبعاد لمنطق الإجبار، فهو ضد العنف بكل مظاهره، لأنه يحتمل التعدد والاختلاف، ولأنه نتيجة للمناقشة وقابلية التسليم لا الإكراه.

كما وقف بحثنا إجرائيا على مواطن إحداث التأثير النفسي في متلقي النص القرآني، من خلال أسلوب الإطناب الذي يميز الآيات المدنية، وغايته الإقناع، خلافا للنصوص المكية التي تتميز بالإيجاز في الأسلوب بقصد إحداث الانفعال العاطفي، وأيضا من خلال مخاطبة المخالفين من النصارى واليهود بصفات (أهل الكتاب) و(بني إسرائيل)، بوصفها صفات ذات حمولة حجاجية، تعبر عن موقف من الموضوع، وبصفة أخص حينما تتبع في النص القرآني بالتذكير بالأفعال التي تبرز نوعا من الناقض الصريح بينها وبين ما استفتح به من صفات، مما يضع المتلقي بين صورتين تتطلبان الانتباه المؤدي إلى الاكتشاف والاعتراف، ويحدد من زاوية أخرى أيضا موقف المتكلم من تلك الوضعيات ومن أصحابها، ومن ثم التوجيه إلى استحقاق المخاطَب المصرّ للأحكام الواردة في الخطاب.

ووقفنا عند بعض المظاهر الأسلوبية وما لها من تأثير حجاجي، عبر ما تحدثه في نفس المتلقي من ارتياح وانفعال واستدراج خفي، وبينا الطاقة الحجاجية الكامنة فيها، وبينا كيف أن غايتها التأثير وإحداث الانفعال في المستمع.

كما خلصنا إلى أن الخطاب القرآني من الناحية الحجاجية يقوم في عمومه على المتقابلات، وعلى الوظائف التأثيرية، من خلال عينات من الألفاظ والصيغ التعبيرية التي تنهض بدور حجاجي بارز، كالنفي، والاستفهام وأدوات الربط المختلفة، والتوجيهات الحجاجية، والعدول الكمي بالزيادة وبالنقصان، وهو ما يدعونا إلى دعوة الباحثين إلى التعرف أكثر على هذه الوظائف الكلامية في الخطاب القرآني. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع

ابن عاشور محمّد الطّاهر، تفسير التّحرير والتَّنوير، ط1، الدّار التّونسيّة للنّشر (تونس)، 1984.

ابن منظور، لسان العرب، ط3، دار صادر (بيروت)، 1414هـ.

أبو حيّان الأندلـسي،  تفـسير البحر المُحيط ، تحق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي أحمد معوض، ط1، مكتبة العبيكان (الرّياض)، 1998

 البغوي، الحُسين بن مسعود، تفسير البغوي (معالم التّنزيل)، تحق، محمّد عبد الله النّمر وآخرين، ط1، دار طيبة للنّشر والتَّوزيع (الرّياض)، 1989

بن يامنة سامية، الاتّصال اللساني بين البلاغة والتَّدَاوليَّة، مجلَّة دراسات أدبيَّة، (الجزائر)، العدد1، 2008  

خليفة بوجادي، في اللسانيّات التّداوليَّة مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنشر والتوزيع (الجزائر)، 2009

الزّمخشري، جار الله، الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، تحق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي أحمد معوّض، ط1، دار الكُتُب العلميَّة (بيروت)، 1993

سامية الدّريدي، الحِجاج في الشّعر العربي القديم، من الجاهليَّة إلى القرن الثّاني للهجرة، بنيته وأساليبه، ط1، عالم الكتب الحديثة، إربد، الأردن، وجدارا للكتاب العالمي (الأردن)، 2008

الطّبري ابن جرير، تفسير الطّبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحق: محمود محمّد شاكر، ط2، مكتبة ابن تيميّة (القاهرة)، دت.

طه عبد الرّحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، المركز الثقافي العربي (بيروت)، 1998

عبد الله صولة، الحجاج في القرآن من خلال أهمّ خصائصه الأسلوبيَّة، ط2، دار الفارابي (لبنان)، 2007.

عبد الهادي بن ظافر الشّهري، استراتيجيّات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة (لبنان)، 2004

محمد سالم محمد الأمين الطّلبة، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، بحث في بلاغة النقد المعاصر، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة (لبنان)، 2008

Ducrot (O) et Anscombre (J.C), L’argumentation dans la langue, Editions Mardaga )Bruxelles(, 1983

Oliver reboul, introduction à la rethorique, 2ème édition, Presses universitaires de France C, (France), 1994.

 

 


([1]) ابن منظور، لسان العرب، ط3، دار صادر، بيروت (لبنان)، 1414هـ، مادَّة (ح ج ج).

([2]) يُنظر: عبد الله صولة، الحجاج في القرآن من خلال أهمّ خصائصه الأسلوبيَّة، ط2، دار الفارابي (لبنان)، 2007، ص11، 15، 21.

([3]) Oliver reboul, introduction à la rhétorique, 2ème édition, Presses universitaires de France C, (France), 1994, p04.

([4]) عبد الله صولة، الحجاج في القرآن، ص18.

([5]) محمد سالم محمد الأمين الطّلبة، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، بحث في بلاغة النقد المعاصر، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة (لبنان)، 2008، ص45.

([6]) يجب التنبيه في هذا السياق على ضرورة التّفريق – عند تناول المسائل البلاغية بالبحث – بين البلاغة الغربيّة والبلاغة العربيَّة، باعتبار أن لكلّ منهما خصوصيّاتها ومنظومتها المعرفية المستقلة، تفاديا للإسقاط الخاطئ والأحكام الجائرة التي يقع فيها كثير من الدارسين.

([7]) عبد الله صولة، الحجاج في القرآن، ص21.

([8]) لمزيد من التفصيل ينظر: عبد الله صولة، الحجاج في القرآن، ص11 – 40. ومحمد سالم محمد الأمين الطّلبة، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، ص104، 133، 139، و: سامية الدّريدي، الحِجاج في الشّعر العربي القديم من الجاهليَّة إلى القرن الثّاني للهجرة؛ بنيته وأساليبه، ط1، عالم الكتب الحديثة، إربد (الأردن)، وجدارا للكتاب العالمي (الأردن)، 2008، ص21.

([9]) خليفة بوجادي، في اللسانيّات التّداوليَّة مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنشر والتوزيع (الجزائر)، 2009، ص106.

([10]) الدّريدي، الحِجاج في الشّعر العربي القديم، ص21.

([11]) Ducrot (O) et Anscombre (J.C), L’argumentation dans la langue, Editions Mardaga (Bruxelles), 1983, p08

([12]) Ibid, p18

([13]) محمد سالم محمد الأمين الطّلبة، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، ص194.

([14]) طه عبد الرّحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، المركز الثقافي العربي (بيروت)، 1998، ص256

([15]) سامية الدّريدي، الحِجاج في الشّعر العربي القديم، ص327.

([16]) نفس المرجع، ص335

([17]) سامية الدّريدي، الحِجاج في الشّعر العربي القديم، ص347.

([18]) طه عبد الرّحمن، اللسان والميزان، ص277 – 278.

([19]) طه عبد الرّحمن، اللسان والميزان، ص277.

([20]) بن يامنة سامية، الاتّصال اللساني بين البلاغة والتَّدَاوليَّة، مجلَّة دراسات أدبيَّة، (الجزائر)، العدد1، 2008، ص48 – 49.

([21]) حيث “إذا اتفق ما نزل مع السبب في العموم، أو اتفق معه في الخصوص، حُمل العام على عمومه، والخاص على خصوصه” مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن، ط3، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض (المملكة العربية السعودية)، 2000، ص82

([22]) الطّبري ابن جرير، تفسير الطّبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحق: محمود محمّد شاكر، ط2، مكتبة ابن تيميّة (القاهرة)، دت، ج6، ص500.

([23]) ابن عاشور محمّد الطّاهر، تفسير التّحرير والتَّنوير، ط1، الدّار التّونسيّة للنّشر (تونس)، 1984، ج3، ص278.

([24]) البغوي الحُسين بن مسعود، تفسير البغوي: معالم التّنزيل، تحق، محمّد عبد الله النّمر وآخرين، ط1، دار طيبة للنّشر والتَّوزيع (الرّياض)، 1989، ج2، ص53.

([25]) الطّبري، تفسير الطّبري، ص500

([26]) نفس المرجع، ص500.

([27]) الزّمخشري جار الله، الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، تحق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي أحمد معوّض، ط1، دار الكُتُب العلميَّة (بيروت)، 1993، ج1، ص568.

([28]) الزّمخشري، الكشّاف، ج1، ص279.

([29]) نفس المرجع، ج1، ص279.

([30]) نفس المرجع، ج1، ص568.

([31]) ابن عاشور، التّحرير والتَّنوير، ج3، ص279.

([32]) يُنظر: عبد الله صولة، الحجاج في القرآن، باب خصائص الكلمة الحجاجيّة، ص89 – 90.

([33]) نفس المرجع، ص90

([34]) يُنظر: عبد الهادي بن ظافر الشّهري، استراتيجيّات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة (لبنان)، 2004، ص487.

([35]) نفس المرجع، ص483 – 484 .

([36]) عبد الهادي بن ظافر الشّهري، استراتيجيّات الخطاب، ص493.

([37]) Ducrot (O) et Anscombre (J.C), L’argumentation dans la langue, p09.

([38]) ينظر: عبد الله صولة، الحجاج في القرآن، ص502.

([39]) أبو حيّان الأندلـسي، تفـسير البحر المُحيط، تحق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي أحمد معوض، ط1، مكتبة العبيكان (الرّياض)، 1998، ج2، ص517.