Arap Dilbilimde Edimbilim Köklerini Arama Tezahürleriyle Metodolojik ve Kavramsal Geliştirme Ufukları Arasında
Mouloud Mammeri Üniversitesi, Tizi-Ouzou – Algeria.
E-posta: hamoulhadj_d@yahoo.fr
Orcid ID: 0000-0002-2586-2227
بحث منشور بمجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول- العدد الثاني – ديسمبر 2020
اضغط هنا pdf لنسخة البحث
Bu araştırma, dil-kimlik problemini, temeli iki kavram arasında çeşitli boyutlarda ve kültürel, medeni, sosyolojik ve terihsel düzeylerde var olan sıkı diyalektik ilişkiyi vurgulayan bir kanaatten hareketle incelemeyi amaçlamaktadır. Sonrasında, esas olarak biçimsel/mantıksal felsefelerin ve başında dili diğer herhangi bir sosyal, kültürel, bilişsel veya bunlar dışındaki düşüncelerden bağımsız olarak kendi içinde ve kendisi için incelemeye çağıran Yapısalcılığın geldiği kapalı dilbilimsel yönelimlerin somutlaştırdığı geleneksel kapalı dil algısı çürütülmeye çalışılacaktır. Yapısalcılık, bu çalışmada dil ile ilgili benimsenen ve onun çevresinde olanlardan etkilenen ve onu etkileyen açık bir sistem olması bakımından ele alan açık algının tersidir. Burada, dili sadece bir iletişim aracı olarak görmenin ötesine geçilir ve daha önce zikredildiği gibi onun kültür ve medeniyet üreticisi, kimliğin ve onunla ilgili değerlerin, sembollerin, adetlerin, davranışların ve canlı beşerî bir toplum dışında gerçek anlamda var olması mümkün olmayan diğer olguların yaratıcısı olduğu görüşüne yükselinir.
Anahtar Kelimeler:
Arap Dili, Kimlik, Medeniyet, Toplum, Kültür, Sosyolinguistik, Dil Güvenliği.
تقديم:
لقد توجّه كثير من الباحثين الجزائريين في أقسام اللّغة العربية وآدابها إلى ما يُعرف بالمنهج التّداولي، فقاموا بدراسات كثيرة وناقشوا قضايا متعدّدة مرتبطة بما تقترحه التّداولية من مباحث، مثل: التّلفّظ، الحجاج، وأفعال الكلام، والتّصريح والتّلميح… وحاول فيها الطلبة الباحثون أن يدلوا بدلوهم اقتداء بما ورد في الكتب الأجنبية، وفي الحقيقة هي عودة إلى ما ورد عند العرب من قضيّة أساسية تتمثّل في الوضع والاستعمال، ونقصد بذلك وضع اللّغة من حيث البنية في مستوياتها المتعدّدة (الصّوتية، الصّرفية، التّركيبية، المعجمية والدّلالية) والاستعمال فيما يقتضي الممارسة وتداول اللّغة، وهنا يتوقّف الباحثون الأجانب عند المصطلح أي التّداولية المرتبطة في نظرهم بتوظيف اللّغة واشتغالها لأداء مهمّة التّواصل.
تحدّد مصطلح التّداولية في البحث اللّساني ليتجاوز الدّراسة المحايثة المنغلقة على البنية الدّاخلية، بحثا عن مكوّناتها ورفضا لمنتجها ومؤوليها، والبحث عن الإنسان وفي الإنسان في إنتاجه للّغة وتأويلها. وكيفية الاشتغال بها في أرض الواقع كان من مهام الفلسفة التّحليلية ومداخلها، التي أدرجت ضمن فروعها فلسفة فتحت الأبواب على ما ذكرناه سلفا، وهي فلسفة اللّغة العادية، فلسفة اللّغة التي يتحدّثها الإنسان العادي في يومه. والعودة إلى الإنسان وإلى مكوّنات العملية التّواصلية وآلياتها جعلت النصّوص والخطابات منفتحة على إمكانات القراءة والتّأويل، بعدما كان التّحليل منحصرا في البنية الدّاخلية. وفي الحقيقة، تعدّ الحاجة إلى اكتشاف عناصر أخرى مثل: من تكلّم؟ ولمن تكلّم؟ ولماذا تكلّم؟ ولماذا يقول شيئا ويقصد شيئا آخر؟ … من الأمور التي جعلت المجال أوسع للدّراسة. والطّالب بشغفه للاطّلاع والبحث وعدم وجود القيود الصّارمة التي تفرضها الدّراسة المحايثة توجّه نحو آفاق أخرى لاستنطاق ما يعرض له من مدّونة بأدوات تساعده لا محالة على التأويل والتّفسير، ذلك أن العناصر المذكورة سلفا تعدّ مفاتيح جدّ هامّة للولوج إلى المقاصد وبلوغ الغايات التّكلمية الظّاهرة منها والخفيّة.
فلا غرو الآن أن يبحث الطلبة في مثل هذا المجال، بحيث تقدّم لهم الأدوات المساعدة على الفهم والتّأويل، وكأنّ في الأمر سهولة لتحليل اللّغة البشرية، إلا أنّ الانتقال من لسانيات الجملة إلى لسانيات الخطاب وما أحدثه من تغيّر في المعطيات المنهجية قد حرّر الطّالب الباحث من قيود الدّراسة المحايثة التي استنزفت النصوص دراسة في مستويات التحليل اللّساني المعروفة، وأصبحت الدّراسات تتشابه في محتوياتها وتركيباتها الصّوتية، والصّرفية، والدّلالية، ونظرا لإدراك الباحث للفروق الجوهرية التي يمكن أن تحدثها الأدوات التّداولية للتّعرّف على الذّات البشرية وما يكونها ويحيط بها.
1- البحث اللّساني التّداولي:
لا يخفى على أحد من الباحثين اليوم أن الدّراسات اللّغوية الحديثة مثلما يعرفها العالم العربي هي وليدة الاكتشاف الغربي من ناحية المصطلح والمعطيات المنهجية، ومصطلح التّداولية من بين هذه المصطلحات التي أثارت جدلا كبيرا، وقد حدث ذلك في أحد المؤتمرات العلمية التي عُقدت في جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية سنة 1984، حين أُثير موضوع حول الدّلاليات والتّداوليات “أشكال الحدود” بين لغويين وفلاسفة حاولوا تحديد ما يربط العلامة بالعالم وبالذّات الإنسانية وتبرير العلاقة بمعطيات علمية ومنطقية، وفلسفية، وهو ما يدخل في البحث عن الحدود الفاصلة بين ما هو دلالي وما هو تداولي نظرا لاشتراك المجالين في عنصر العلامة، التي ترتبط بالموضوعات الخارجية والذّات المتلفّظة، إضافة إلى ما يثيره عنصر التّركيب من إشكالات في علاقته هو الآخر بعنصري الدّلالية والتّداول. ولقد تناقش الفلاسفة واللّغويون من أمثال أحمد المتوكّل، وأحمد الإدريسي، والأخضر بوجمعة، وعبد القادر الفاسي الفهري، وطه عبد الرحمن في عدّة مصطلحات أهمّها: التّركيب، والدّلالة، والتّداول والتّداولية وما يرتبط بها من مفاهيم مهمّة في تحديد كيفية إنتاج العلامة وأسبابها وأغراضها.
إنّ دراسة الجانب الاستعمالي في اللّغة هو الذي يسميه الأوروبيون حاليا بالتّداولية أو Pragmatics، وأصبح كثير من هؤلاء اللّسانيين ومقلديهم من العرب لا يعرفون إلا التّداولية بل حصروا كل اللّسانيات في هذا الجانب الاستعمالي، وفي هذا المقام من الضّروري العودة إلى المراحل التي قطعتها التّداولية في رحلتها نحو الشّيوع والانتشار.
– تطوّر التّداولية عند الغربيين:
تطوّرت التّداولية من ثلاثينيات القرن الماضي إلى تسعينياته في ثلاثة مستويات:
- بين الثلاثينيات والأربعينيات: يرى التّقليد السيميائي والمنطقي الأنجلوساكسوني (بيرس، وموريس) أنّ كلّ نظام من العلامات يتكوّن –سواء تحدثنا عن الكلام اليومي أو الاصطناعي-من:
– التّركيب الذي يدرس علاقة الرّموز أو العلامات فيما بينها.
– علم الدّلالة الذي يدرس علاقة العلامات بمراجعها في العالم.
– التّداولية التي تدرس علاقة العلامات بمستعمليها.
وفي هذا التّصوّر ليست التّداولية تخصّصا كاملا وشاملا، ولا توجد إلا في وضعية مصطلحات في نظام اللّغة، ومن المصطلحات التي تطرح مشكلة بالنسبة للّسانيات، نجد المبهمات بشتى أنواعها: المبهمات الشّخصية، والمبهمات الزمانية والمكانية، فيبدو أن العلوم المذكورة تتدخّل في دراسة علاقة العلامة بمجالات مختلفة التّرتيب من حيث الظّهور والشّيوع (علم التراكيب، وعلم الدّلالة، والتّداولية) وهي في الآن ذاته مستقلة بعضها عن بعض، ومن ثمّ فهي وحداتية Modulaire.
- بين الخمسينيات والسبعينيات:
إنّ التّطوّر الملحوظ في هذه الفترة كان على يدّ فلاسفة اللّغة الأنجلوساكسونيين مثل ج.ل.أوستين (1911-1960)، وج. بول جرايس (1913-1988) والفلاسفة البريطانيين من مدرسة أوكسفورد ستراوسن (1872-1970) والأمريكان سورل (1932)، الذين سيهتمون باللّغات الطبيعية بدل اللّغات الاصطناعية، وبذلك فهم فتحوا الطّريق لما يدعى بالتّداولية، بملاحظة أنّ دور اللّغة لا يتوقّف عند وصف الواقع، إنّما يدخل دورها في الفعل (إنّها نظرية أفعال الكلام)، وهذا يعني أنّه مقارنة بوجهة نظر سميائييي المرحلة الأولى (1930-1940)، فإنّ مجال التّداولية تغيّر وأصبح مجالا تامّا وكاملا، ومن ثمّ فجدّتها وطبيعتها باعتبارها ملتقى تعدّد الاختصاصات (لسانية، سميائية، سميولوجية، اجتماعية، ونفسية…) يفسّر أنّ مجال اشتغالها كثيرا ما تحدّد سلبيا، ولم يكن ذلك من قبل التّداوليين أنفسهم، وإنّما من قبل باحثين من علماء التّركيب والدّلالة الذين يمارسون التّداولية، ولكنّهم يكتفون بإعادة الأسئلة التي تزعجهم، ومن ثمّ فإنّ التّداولية ليست علما معترفا به دائما.
- ما بين الثمانينيات والتسعينيات:
بعد أن تقدّمت التّداولية خطوات إلى الأمام في البحث التّداولي بفضل فلاسفة اللّغة ودون أن يتحدّد بشكل دقيق، فتطوّرها كان في تيارين مختلفين: الأوّل يمارس في الميدان الأنجلوساكسوني ويجعل من التّداولية علما كاملا وتامّا وتخصّصا مستقلا وهو ما يدعى بالتّداولية المعرفية أو العرفنية. والآخر المحدّد نسبيا يرى في التّداولية تخصّصا منحدرا من اللّسانيات وهو نتاج فرنسي وهي ما يدعى بالتّداولية المدمجة.
2- راهن التّداولية والبحث اللّساني:
يبدو السؤال متوجّها نحو الحديث عن تطوّر المناهج اللّسانية والأدبية، إذ لم تتوقّف اللّغة البشرية عن الخضوع لكلّ هذه المناهج، التي حاولت أن تضيء زاوية من زوايا البحث اللّغوي، وقد حدث نوع من التّراكم المعرفي والمنهجي حاليا في معالجة اللّغة العربية، فبعدما كانت اللّغة العربية تدرس اجتماعيا، ونفسيا، وثقافيا، وتاريخيا، واستند فيها العلماء إلى ما يوفرّه المجال الخارجي للّغة أو ما يعرف بالسيّاق الخارجي بكلّ ملابساته، يحلّ المنهج الوصفي المحايث أو ما يُعرف بالبنيوية التي أسّسها فرديناند دو سوسير في نهاية القرن الثّامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر، وتترك اللّغة عارية كالشّجرة من أوراقها وجذورها، ولا يبدو منها إلا الظّاهر الميّت، الذي ينتظر الإزهار، حتّى اعتبر بعض الباحثين في ظهور اللّسانيات وما جلبته من اهتمام بالبنية الدّاخلية عملا بالموضوعية والعلمية التي أرادها سوسير نوعا من الاستعمار، وتشكّل الامبريالية العالمية، التي تستهدف القضاء على تاريخ الشّعوب ومقوّماتها، والاكتفاء بدراسة اللّغة بمعزل عن أصحابها ومحيطها وما يسهم في بنائها يعني عزل اللّغة عن الإنسان والذّات بكلّ ما تحمله من خصوصيات، ويبدو أنّ المهمّة قد نجحت، نظرا لتبني أغلب لغات العالم المنهج البنيوي بحذافيره، وهذا دون الحديث عن الخصوصيات والاختلافات اللّغوية.
إنّ المنحى الذي اتّخذته اللّسانيات برفضها لما يدعى بالسياق الخارجي يعتبر تعثّرا منهجيا، وهو الأمر الذي دفع بالتّداولية أي ما يعرف بعلم استعمال اللّغة أو علاقة العلامات بمستعمليها، إلى ولوج مستوى التّحديد الدّلالي، ومحاولة فهم تغيّر الدّلالة وتحوّلاتها، وهو ما يقتضي الاهتمام بالعلاقة القائمة بين المتخاطبين والتّعرّف على أشكال تواصلهم وتفاعلهم، ما يستدعي ضرورة الاهتمام بجميع المعطيات اللّغوية وغير اللّغوية المرتبطة بالخطاب أوالتّلفّظ، حيث تنشأ الدّلالات والمحتويات الخطابية إثر التّعامل مع اللّغة أو مع كلّ السيّاق، فلم يخطئ العرب عندما تحدّثوا عن مقتضى الحال، الذي يفرض شروطا على التّخاطب وتوجيه المتخاطبين نحو فكرة الفهم والإفهام، التي ترتبط بالمقاصد والتّأويل، وتؤطّر المظاهر القولية، التي تُدعى مهما كانت طبيعتها في التّداولية بالأفعال الكلامية، مادام أوستين فشل في تصنيفها إلى تقريرية وإنجازية، واكتشف أنّه من الصّعب وضع حدود فاصلة بينها، إذ ما هو تقريري قد يكون إنجازيًّا، وما هو إنجازي قد يكون تقريريا، وذلك بتطويرها وتوسيعها وانتقادها ابتداء من سورل، وجرايس…
ومثل هذه القضايا وأخرى من المجال التّداولي اللّساني كانت محل اهتمام عدد من الباحثين الجزائريين، الذين حاولوا الكشف عن التّداولية اللّسانية والاشتغال بها في العديد من البحوث العلمية، التي تبرز أهمّية العودة إلى العناصر المرفوضة في البحث اللّساني المحايث وإعادة الاعتبار لها قصد البحث في علاقة الانسان باللّغة وبما يحيط به من ملابسات، فكانت الجهود الرائدة متمثلّة في بحوث كلّ من مسعود صحراوي، وخليفة بوجادي، ومختار الزواوي.
3- قراءة في بعض المنجزات اللّسانية التّداولية الجزائرية:
لقد آثرنا العودة إلى بعض المراجع اللّسانية التّي كانت الأولى في البحث التّداولي على مستوى الجامعة الجزائرية، وأصبحت لأهميتها تدرج في كثير من الدّراسات والبحوث اللّسانية والتّداولية أيضا، وجاءت مرتّبة حسب صدورها.
في كتاب “التّداولية عند العلماء العرب”([1]) يتحدّث مسعود صحراوي عن التّيار التّداولي الذي يعالج علاقة العلامات بمستعمليها-عملا بمفاهيم بيرس وموريس-وطرائق توظيف اللّغة وممارستها، وباعتبار بحثه الهادف إلى رصد ملامح التّداولية الغربية في الدّرس البلاغي العربي القديم، فإنّ اهتمامه منصب على نظرية الأفعال الكلامية، التي تعدّ مبحثا مهمّا في التيّار التّداولي الحديث، والتّنقيب في التّراث العربي عن تجليات النّظرية والكشف عن علاقة العرب بمثل هذه الظّواهر اللّغوية ومدى اجتهادهم فيها.
والأمر الذي يهمنا إشارة الباحث في مطلع كتابه إلى الحديث عن نقطة الانعطاف في مسار الدّرس اللّساني، حيث إنّ إدراك قصور المنطق الصوري في وصف الظواهر المعرفية وتحليلها، أدى إلى إدراك عجزه أيضا في تحليل الظواهر اللّغوية، فظهر في المسار اللّساني توجّهان متنافسان: توجّه شكلي صوري بزعامة البنيوية، وتوجّه وظيفي بزعامة التّداولية التي كانت السّبب الرئيس في تعميق هوّة الخلاف بين هذين التّوجّهين، بما قدّمته من مفاهيم ورؤى تطوّر بها التّيار الوظيفي المعاصر، حيث شهدت الدّراسات اللّغوية، وخاصّة مع فلاسفة المدرسة التّحليلية انقلابا مفاهيميا مهمّا، فأصبح الاهتمام بالموضوعات التّجريدية من الاهتمامات الأساسية للّسانيات، ولم يعد الدّارسون المعاصرون يؤمنون بما جاءت به البنيوية التّقليدية، وإنّما فتحوا أبواب الدّراسة على معارف أخرى كالفلسفة، والمنطق، وعلم الاجتماع، وعلم النّفس، فتجاوزوا بذلك النّظرة البنيوية، التي أبعدت البحث عن التّركيز على الكلام وعناصره الأساسية كـ: غرض المتكلّم وحال المخاطب وسياق الحال.
كما وضّح الباحث في هذا المقام قصور النّظرة البنيويّة في تحليل الظّاهرة اللّغوية، بإقصائها لأحوال التّخاطب المرتبطة بظاهرة الكلام السوسيرية، وأبقى في الآن ذاته على البنية والنّظام والوظيفة والعلاقة، التي يمكن الأخذ بها بين التّحليل التّوليدي والتّحليل التّداولي، ومن ثمّ لا يمكن تجاوز مفاهيم البنيويّة في الفكر اللّساني الّذي تأسّست عليه بقية النّظريات اللّسانية المعاصرة.
بالنسبة للباحث، تظهر التّداولية في مفهومها العام باعتبارها منهجا سياقيا، موضوعه بيان فاعلية اللّغة بربطها بالأغراض والمقاصد، ومراعاة الأحوال، والاهتمام بملابسات الوضع والإنتاج والتّأويل، فالتداولية تتعامل مع اللّغة باعتبارها نشاطا كلاميا يمارس من كلا الطّرفين المتخاطبين، ولا تكتفي بوصف البُنى في صيغتها الصّوريّة، فهي نظريّة تزاوج بين الإنتاج اللّغوي وشروطه الخارجية، وتدرس اللّغة الحيّة لغة مستعملة من قبل شخص معين، في مقام معين، موجّها إلى مخاطب معين لأداء غرض معين. والاهتمام بكلّ هذه العناصر سيقودنا إلى اعتبار التّداولية علما يهتمّ بالعناصر اللّغوية وغير اللّغوية التي يُنجز فيها الحدث الكلامي، والاهتمام بالسّياق، والظروف، والملابسات الخطابية، وذلك لكونها علما يؤمن بالواقع الاستعمالي من أجل تفسير الظواهر اللغوية.
وهذا التحليل إنْ دلّ على شيء إنّما يدلّ على محاولة الباحث تتبّع سيرورة الدّرس اللّساني عند الغربيين وتطوّره عبر مراحله التّاريخية، وصولا إلى الدّرس التداولي حتى يتبيّن الجوانب والمراحل التي تمخّضت عنها النظرة التّداولية في التحليل اللّغوي، والاهتمام باللّغة اليومية يعني في حقيقة الأمر الاهتمام بالكلام الذي يمارسه الأشخاص بشكل فردي، وهو الكلام الذي كان يُعتقد أنّه مقصى من الدّروس السوسيرية، فالسؤال المطروح ههنا هو: هل أعادت التّداولية الاعتبار للكلام أم أنّها أكّدت على وجوده وأهمية مكانته في الدّرس اللّساني المعاصر؟
في كتاب ” في اللسانيات التداولية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم“([2]) وجدنا الباحث خليفة بوجادي يشير إلى أنّ التّفكير اللّساني قد عرف في مطلع القرن العشرين تغيّرا كبيرا وتطوّرا أدّى إلى تحوّل الدّرس اللّساني من الدّراسة التّاريخية والمقارنة إلى الدّراسة الآنية والوصفية، مع ظهور سوسير وما جاء به في محاضراته أو ما يكون من المفترض قد جاء به. ولم يتجاهل خليفة بوجادي الحديث عن مجهودات سوسير في التّرتيب لظهور الدّرس التّداولي الحديث، وكان ذلك دون تفصيل أو استشهاد، إلا أنّ الباحث ومثل أغلب الباحثين عاد إلى التّمييز الشّهير بين الجانب الاجتماعي للّغة، والجانب الفردي لها، ويعدّه منطلقا أساسا لتتبّع مسار ظهور المنحى التّداولي عند سوسير، ذلك أنّ تفرقته بين الجانبين وتوضيح حدود كلّ منهما قد حصر المفاهيم المشتركة بين أفراد جماعة لغوية واحدة، وهو ما يتجسّد في ضبط القوانين التي يتحقّق فيها التّواصل وينتج عنه خطابا ناجحا أو فاشلا حسب درجة احترام المخاطب لهذه القوانين، لأنّ هذه الأخيرة تتحكّم في الجانب الاجتماعي للّغة ولا تسمح للفرد أن يخلقه لوحده، يقول خليفة بوجادي:”… بتمييزه الجانب الاجتماعيّ عن الجانب الفرديّ، وحدود كل منهما يكون قد حصر المفاهيم المشتركة بين أفراد المجموعة اللّغوية الواحدة، وهي القوانين العامة (النظام) التي يؤدى فيها التّواصل؛ فيكون الخطاب ناجحًا ما احترمها، ومخفقًا ما خالفها؛ ذلك أن اللّغة في جانبها الاجتماعيّ تحكمها قوانين الظواهر الاجتماعية جميعا فلا يبدعها الأفراد، ولا يخالفونها أو يحوّرونها، كما أنّها تظهر بالتّدريج، وتتغيّر أو تختفي بالتّدريج”([3]).
وفي اللّسانيات التّداولية قام الباحث بتحديد مرجعية التفكير التداولي إلى عدّة مصادر، ذكرها الباحثون، وهي موزعة بين الفلسفة والمنطق، وبعض نظريات اللسانيات الحديثة؛ نذكر منها:
– الفلسفة اللغوية: تشمل بحوث رواد فلسفة اللغة الطبيعية والفلسفة التحليلية، مقابل مدرسة اللغة الشكلية، وتقوم على دراسة كيفية توصيل معنى اللغة الإنسانية الطبيعية من خلال الإبداع، ومن الذين اشتهرت بحوثهم في هذا الموضوع:
1-فيجنشتاين: يعدّ فيجنشتاين من الفلاسفة الأوائل الذين نظروا في الجانب الاستعمالي للّغة، وعرض فكرة ألعاب اللّغة التي قال في مفهومها إنّها الأفعال التي نتلفّظ بها، وترتبط بأشكال الحياة والممارسات التي نحياها، أي أنّها تنحصر فيما يباح للمتكلّمين في إطار العلاقة بينهم وبين عباراتهم.
2-أوستين: عُرف أوستين من خلال محاضراته التي قدّمها بجامعة هارفارد في 1955م في فلسفة اللغة، ونشرت في 1962 بعد وفاته، بعنوان ” كيف ننجز أفعالا بالكلمات”([4])، واللّغة في نظره تتجاوز وظيفة الاتّصال إلى وظيفة التّأثير وتغيير السلوك الإنساني من خلال مواقف كليّة.
3-بيرس: يعدّ من الأوائل الذين اهتموا بدراسة العلامة انطلاقا من مفاهيمها الفلسفية، ويعدها أساس النشاط السيميائي. وهو يربط فهم اللغة بالمواقف التّواصلية، ويجعل المعنى مقترنا بظروف الاستعمال على نحو ما مرّ مع فيتغنشاين وأوستين.
4-موريس: أسهم في تأسيس الدّرس السيميائي إلى جانب بيرس، ونظر إلى بنية اللّغة على أنّها نظام من السلوك؛ ذلك أنها تجعل المتلقي مستعدا لردّ الفعل وفقا للبنى التي يستقبلها، وقد جعل التداولية جزءًا من البحث السيميائي؛ وتناول اللّغة من حيث العلاقة بين العلامات ومستعمليها.
وفي كتاب “دوسوسير من جديد، مدخل إلى اللسانيات” للباحث مختار زواوي نجده أكثر دقّة في تحليله للوضع اللّساني الرّاهن، إذ يقوم بقراءة مزدوجة للّسانيات من خلال الدّروس والمخطوط، وحاول إثبات عدم صحة الانتقادات الموجهة من التّداولية للّسانيات وأجملها في المسائل التالية:
– إزاحة الكلام من الدّرس اللّساني.
– عدم العناية بالفرد المتكلّم.
– إقصاء الحال والسياق والاستعمال من حقل اللّسانيات.
1. إزاحة الكلام: لقد ذهب مختار زواوي إلى أنّ سوسير ميّز من خلال كتاب محاضرات في اللسانيات العامة بين الكلام واللسان، فاللّسانيات تشتمل على قسمين: أحدهما أساسي موضوعه اللّسان والآخر ثانوي موضوعه الكلام، فاللّغة بوصفها ملكة إنسانية وميزة كلية مشتركة بين البشر تختلف عن الألسن التي تبقى جزئية ومتغيرة؛ بمعنى أن اللّسان قسم معلوم وأساسي من اللّغة “إنه نتاج لملكة اللّغة، ومجموعة من المواضعات الضرورية التي يتبناها الكيان الاجتماعي كي يمكن أفراده من ممارسة هذه الملكة”([5]).
يرى مختار زواوي أن في هذا التّقسيم والتّرتيب التّفاضلي تناقضا إذا قارنّا فقرات الكتاب بعضها ببعض، فمبدأ الفصل بين اللّسان والكلام وإخراج الكلام من دائرة اللّسانيات ثابت في بعض الأحيان، ونجده مبدأ نسبيا في مواضع أخرى كما هو الحال عند الحديث عن التّغير اللّساني، أدّى فصل اللّغة عن اللّسان إلى فصل الكلام عن اللّسان ليصبح هذا الأخير في نظر واضعي كتاب محاضرات في اللّسانيات العامّة هو الموضوع العلمي الوحيد الذي يمكن للّسانيات أن تصفه وفق قواعد خاصة بها، أما الكلام فلا يمكن أن يكون موضوعا علميا خاصا باللّسانيات.
يذهب مختار زواوي إلى أنّ سوسير ميّز بين اللّسان والكلام وافترض لكلّ منها نظريّة خاصّة لكنّه لم يتخذ اللّسان الموضوع الرّئيس للّسانيات العامّة ولم يُخرج منها البحث في الكلام، وقد أسهمت مخطوطات سوسير المنشورة في رفع اللّبس عن إقصاء سوسير للكلام من مجال اللّسانيات، ويعتقد الباحث أنّ سوسير لو أراد إقصاء الكلام لأفصح عن ذلك، ولا يكتفي بالإشارة إلى وجود لسانيتين دون أي ترتيب بينهما([6]).
ويشير مختار زواوي إلى أنه لم يجد الحجج والغايات والظّروف التي دفعت شارل بالي وألبير سشهاي إلى اتخاذ قرار إقصاء الكلام من حقل اللّسانيات، يقول مختار زواوي:” إنّنا لم نتمكن على الرّغم من تجوالنا الدّؤوب في أدبيات اللّسانيات السوسيرية من الوقوف عند الحجج والظروف والغايات التي دفعت بشارل بالي وألبير سشهاي إلى اتّخاذ قرار إقصاء الكلام من اللّسانيات”([7])، ورغم ذلك نجد إقرارهما بوجود لسانيات غير لسانيات كتاب المحاضرات في اللّسانيات العامّة تعنى بالكلام، لكنّها في نظرهما لسانيات بحدود فاصلة مع لسانيات اللّسان.
2. الفرد المتكلم: إنّ إقصاء الكلام من مجال اللّسانيات في رأي مختار زواوي يمثّل في حقيقة الأمر ثلاث إقصاءات هي: إقصاء للأفراد المتكلمين، وإقصاء للحال، وإقصاء للاستعمالات اليوميّة للّغة([8])، ويعدّ الإقرار بإقصاء لسانيات سوسير للفرد المتكلّم إقرارا يفتقد لقاعدة علمية تسنده، وقد مكّنت مخطوطات سوسير المنشورة ضمن كتاباته في اللّسانيات العامّة من الكشف عن كثرة ورود الفرد المتكلم في تصوراته اللّسانية مثل: التّمييز بين الصّور الصّوتية والأشكال اللّسانية، إنّه تمييز قائم في وعي الفرد المتكلّم “إن الشّكل صورة صوتية محدّدة في وعي الأفراد المتكلمين؛ أي أن لها وجودا معلوما وحدودا معلومة “([9]). وقد كثُر الحديث عن الفرد المتكلّم وعدّه عنصرا أساسا في التّصوّر السوسيري اللّساني إلى درجة عدم الفصل بين مفهومه ومفهوم اللّغة.
3. إقصاء الحال والسياق: والحال عادة تشمل السياق النصي؛ أي المحيط الكلامي أو الكتابي للملفوظ، والسياق الموقفي الذي يشمل كل ما يحيط بالأفراد المتكلمين، بما في ذلك الزمن والمكان والغرض الذي تواصلوا من أجله، فضلا عن السياق العالمي([10])، وقد أصبح السياق المعيار الذي يتخذه كثير من الباحثين في الدّراسات التّداولية، بحيث يحيل مفهوم السّياق النّصي إلى الدّراسات التي نتجت عن اللّسانيات النّصية وتحليل الخطاب، بينما يحيل مفهوم السّياق المرجعي إلى تداوليات الفلاسفة والمناطقة الذين أنتجوا تداوليات الإشارة …([11]) وأخيرا نشأ كثير من الأبحاث التّداولية على مفهوم السياق التّفاعلي، ومن الملاحظ أنّ الباحث لم يفسّر كيف تعامل سوسير مع مفهوم السّياق أيضا.
3- البلاغة والتّداولية: مراجعة في الحدود والإجراءات:
إنّ البحث في البلاغة والتّداولية عن نقاط التّقاطع والاشتراك في آلياتهما وما عرفتاه من مباحث ومفاهيم يجعلنا نتوقّف عند بعض العناصر منها:
– السيّاق: يستعين كلّ من البلاغة والتّداولية به.
– الاستعمال: في البلاغة والتّداولية تمّ التّركيز على مفهوم الاستعمال، وهو في الحقيقة إعادة الاعتبار للإنية التّلفّظية، التي تعني توظيف اللّغة أثناء التّلفّظ بمعنى الوقوف عند عملية إنتاج اللّغة في مسيرتها من الذّهن إلى الممارسة الفعلية أي عن طريق الفعل بمفهوم التّداوليين، الذين يولون الاهتمام للمنجز من اللّغة أو القول في ظلّ توفّر شروط معيّنة وفي ظلّ التّواصل الفعلي الذي يفرض مع بنفنيست (1902-1976) ما يدعى بالجهاز الصوري للتّلفّظ المحدّد بــــ: أنا، أنت، هنا، والآن …
لقد جاءت التّداولية حديثا لتحديد شروط إنجاح التّواصل انطلاقا ممّا يوظّف من أقوال غايتها الإنجاز، أي الكشف عن شروط نجاح ما يتلفّظ به المرء من أقوال والبحث عن الصّيغ الملائمة لتحقيق النّجاح في القول، وإلى أي حدّ يتناسب بناء اللّغة ونظامها المقيّد صرفيا، وصوتيا، وتركيبيا، ودلاليا في إطار تحوّلها إلى خطاب، وفي هذا المنحى يكون السّياق مطلبا أساسيا، وهو العنصر الذي ركّز عليه الكثير من الباحثين العرب القدامى في حديثهم عن الكلام ومقتضياته، وأسهب في الحديث عنه البعض مثلما نجد ذلك عند الجاحظ والسّكاكي … وفي الحقيقة يعدّ ذلك بحثا في ما يعلق في اللّغة من عناصر ضرورية تسهم في نجاح تداولها، وتجسيد المقاصد في القول، وإيصال الرّسالة في أفضل حال ليتحّقق الفهم والإفهام، فالمنهج التداولي في تحليله للنصوص، مرتبط بالمقامات التي أنتجت فيها هذه الأخيرة، إذ يُعنى: ” بالشروط والقواعد اللازمة للملائمة بين أفعال القول ومقتضيات المواقف الخاصة به أي لا يشمل السياق في هذه الحالة إلا العناصر التي تحدد بنية النص وتؤدي إلى تفسيره، وهذا ما يجعل التداولية علما يُعنى بالعلاقة بين النص وعناصر الموقف التواصلي المرتبطة به بشكل منظم، أو ما يطلق عليه بـ”سياق النص”، أو ما سمته فرنسواز أرمنكو في تقسيمها للسياق بــ”السياق المقامي” حيث تقول إنّنا: “نعبر هنا من شيء مادي خالص، إلى شيء وسيط ثقافيا ويتميّز المقام بالاعتراف به اجتماعيا بصفته متضمّنا لغاية أو غايات، وعلى معنى ملازم تتقاسمه الشخصيات المنتمية إلى الثّقافة نفسها”([12])، ومثال ذلك الحديث الذي يدور بين طبيبين حول حالة مرضية، إذ إنّ مقامها العلم هو الذي يحكم تلك المحادثة.
ولتوضيح بعض لعناصر المشاركة بين البلاغة والتّداولية آثرنا العودة إلى بعض المصطلحات الأساسية المتداولة، مثل: مقام الخطاب، التّلفّظ، نظرا لما يندرج تحتهما من مفاهيم ساهمت في تحديد التّواصل، والتّداول، والتّفاعل.
– مقام الخطاب:
يعد المقام أحد أهم المرتكزات التي استندت إليها الدّراسات اللّغوية والبلاغية القديمة في دراستهم للّغة أثناء الاستعمال أو أثناء الكلام، بحيث يؤدي دورا مهمّا في كشف مقاصد المتكلم وتوضيح نواياه الظاهرة والخفيّة ثم إن للسيّاق مجالات معرفية متعددة تتوزّع “عبر فضاءات معرفية كثيرة منها ما هو مرتبط بالمتكلم والمتلقي وشروط الإنتاج اللّغوي والزّمان والمكان وغيرها”([13]).
وما إن نذكر مصطلح المقام عند القدامى إلا وتبادر إلى الذّهن مقوله الجاحظ المشهورة: “لكل مقام مقال”، التي تطرق لها ليس في حديثه عن المقام بصفة خاصة وإنما عند تطرقه للبلاغة والبيان والفصاحة في كتابه “البيان والتبيين”، ففي سياق حديثه عن التّحاور بين المتكلم والسّامع وكيف يتم جريان وبقاء هذا الحوار بينهما، يقول: “ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما، حتى يقسم أقدار الحالات على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات”([14]). ومن هذا القول يرى أنّ بلوغ المعنى يتم بمراعاة أحوال المستمع، وذلك باختيار الألفاظ المناسبة السهلة والمعاني الواضحة والقريبة إلى ذهنه، ويقول في موضع أخر: “أن يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا، إمّا عند الخاصّة إن كنت للخاصّة أردت، أو عند العامّة إذا كنت للعامّة أردت، والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصّة، وكذلك ليس يتضح بأن يكون من معاني العامّة، وإنّما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام مقال”([15]). ويضيف في المعنى نفسه أنه “لا ينبغي أن يكون اللّفظ عاميا سوقيا، وكذلك لا ينبغي أن يكون غريبا وحشيا إلا أن يكون المتكلم بدويا أو غربيا، فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس، كما يفهم السوقي رطانة السوقي”([16]). وهنا ربط الجاحظ الألفاظ بأحوال الناس، فلكل طبقة ألفاظها الخاصّة المتداولة وأساليبها والمعطيات التي تسهم في إنتاج لغتها وتفسّر سبل تأويلها، وهذا الأمر يستدعي الإحالة على العملية التّواصلية المجسّدة في التّلفّظ وما يفرضه من عناصر لابد منها لإنجاح الخطاب والتّخاطب.
– التلفظ:
جاء مصطلح التّلفّظ في النظرية التي –كما قلنا-طوّرها إميل بنفنيست عن اللّسانيين الأوائل، وهو عنده “فعل الاستعمال الفردي للّغة” أي ذلك الفعل الصّادر عن المتّكلم قصد إجراء غرض معين، وهو ليس تلك العملية الفيزيولوجية للكلام التي تتمثل في طريقة إصدار الأصوات، وإنما يتمثّل التّلفظ في تناسق دلالة الألفاظ ومناسبتها لمعانيها بشكل منطقي متماشية مع ما يقتضيه العقل. أمّا المصطلح الذي يقابل هذا المفهوم عند العرب هو مصطلح الكلام أو الحديث، وذلك ما ورد التّعريف السّابق لابن منظور. وما ينتج عنه أيضا يسمى كلاما أو قولا كما سنرى ذلك في العنصرين التّاليين:
1. الملفوظ: يرى بنفنيست أن الملفوظ هو نتاج عملية التلفّظ، أو هو ما يتلفّظ به أو الرّسالة الموجّهة للمتلقي (الحاضر أو الغائب)، وحسب غريماس هو: “تتابع من الجمل المحققة أي كل ما يُتلفّظ به الإنسان منطوقا أو مكتوبا، يتحدّد ضمن إنّية من التّلفّظ عن طريق ضمائر الشخص وضمائر الملكية، الصفات والظروف، والمبهمات الزمانية والمكانية”([17]) وهو ما يعبّر عنه في تحليل الخطاب ﺑ“الخطاب”. أما عند العرب، فنجد هذا المفهوم بمصطلحات أخرى، كما قلنا سابقا، مثل: الكلام، القول، اللّفظ والحديث. وفيه يقول سيبويه: “اعلم، أنّ “قلْت إنما وَقَعَتْ في الكلام على أن يحكى بها ما كان كلاماً لا قولا، ومن أدلِ الدّليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع النّاس على أن يقولوا القرآن الكريم كلام الله، وألا يقولوا القرآن قول الله، وذلك أن هذا موضعٌ ضيق متحجّر لا يمكن تحريفهُ ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه فعُبِّر لذلك عنه بالكلام، الذي لا يكون إلا أصواتاً تامةً مفيدة، قال أبو الحسن: ثم إنَّهم قد يتوسّعون فيضعون كل واحد منهما موضع الأخر، ومما يدل على أنَّ الكلام هو الجُمَل المُتَركَّبة في الحقيقة قول كُثَير: “لو يسمعون كما سمعتُ كلام***خرُّوا لغزَّةَ رُكَّعاً وسُجودا”([18]).
ويقول ابن جني في كتابه الخصائص: “أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه، مفيد لمعناه، وهو الذي يسميه النحويين الجمل، نحو زيد أخوك… فكل لفظ استقل بنفسه، وجنيت ثمار معناه فهو الكلام”([19]). ويفهم من هذا التّعريف أن الكلام ذو ثلاث خصائص وهي: أن يكون لفظا، وأن يكون مركّبا وأن يكون مفيدا ويحسن السّكوت عليه.
وقد يطلق على الكلام أيضا “كلمة”، وهي “اللفظة… جمعها كلم قال أبو منصور: والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء. وتقع على لفظةٍ مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى، وتقع على قصيدة بكاملها وخطبة بأسرها. يقالُ: قال الشاعر في كلمته، أي في قصيدته…كالمه: ناطقه…ويكلمُك: الذي يكلمك…كالمتُه: إذا حادثتهُ”([20]). وقد وصف الكلام ببعض الشّروط البيانية التي تجعله واضحا بيّنا، وتتمثّل هذه الشّروط حسب البلاغيين العرب في الفصل والوصل، العطف والحذف والتّكرار… وغيرها. وكلّ ذلك بمراعاة أحوال السامع من حيث الصّدق في المنطق وترك مالا يحتاج إليه، والدّقة في التّعبير وعدم التّناقض والإشارة أحيانا إلى المعنى دون التّصريح به.
كما لقي التّلفظ اهتماما كبيرا في الدّرس النّحوي العربي أيضا، ومن المباحث التي تناولته فيه مبحث التقديم والتأخير فتناولوا دواعي هذه الظّاهرة، من المسند والمسند إليه، مثلما اهتمّ النّحويون أيضا بإشكالية تغيّر المعنى وفقا للتّغيير الحاصل بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية، حيث يكون الأقل عندما يتلقى السّامع الخبر لأوّل مرّة والثّاني عندما يكون له أدنى معرفة بموضوع الحديث. وأهّم ما تطرق إليه النّحويون أيضا حديثهم عن الوحدات اللّغوية ودورها في تأدية المعنى وتسييره، فتحدّثوا عن أسماء الإشارة، والظروف الزمنية والمكانية، ونواسخ المبتدأ والخبر، وهي تدخل ضمن عناصر الجهاز التّلفّظي الذي نادى به إميل بنفنيست في تحديد نظرية مفهوم للتّلفّظ.
2.أقسام الكلام/ الملفوظ:
شهدت التّداولية بروز ظاهرة جدّ مهمّة، وهي الأفعال الكلامية التي تعدّ في الأساس محور نشوئها، وهي مرتبطة بما هو قول وفعل، وإن قسّمها أوستن إلى جمل وصفية وأخرى إنجازية، معوّلا في ذلك على الصدق والكذب، فإنّ الظّاهرة ذاتها كانت محور البلاغة العربية، التي تأسّست على الخبر والإنشاء، فقد قسم العلماء العرب الكلام إلى قسمين:
أ- الخبر: من المعروف لدينا أن الكلام يتألف من جملة مفيدة أو أكثر، وهذه الجملة تنقسم إلى قسمين: إسمية وفعلية، ففي نظر الجاحظ الخبر نوعان: مطابق للواقع (مع الاعتقاد أنه مطابق-ومع الاعتقاد أنه غير مطابق-ودون اعتقاد) وغير مطابق للواقع (مع الاعتقاد أنه مطابق-ومع الاعتقاد أنه غير مطابق-ودون اعتقاد)، لكنه يرى أن الخبر الذي يحتمل الصّدق هو الخبر المطابق للواقع، والذي يوصف بالكاذب إذا كان غير مطابق للواقع، أما الأنواع الباقية فلا تدخل في أي تقسيم. أمّا في نظر أبي العباس فإنّ الخبر ينقسم إلى ثلاثة أضرب: ابتدائي، طلبي، وانكاري، ففي حادثة، قال الكندي لأبي العباس إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ قال أجد العرب يقولون:
– عبد الله قائم
– إنّ عبد الله قائم كلها لها معنى واحد
– إنّ عبد الله لقائم
فقال له أبو العباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم – “عبد الله قائم” إخبار عن قيامه، وقولهم ” إنّ عبد الله قائم ” جواب عن سؤال سائل، وقولهم ” إن عبد الله لقائم ” جواب عن إنكار منكر قيامه. فسمى الأول خبرا ابتدائيا، والثاني خبرا طلبيا والثالث خبرا إنكاريا. وفي المنحى ذاته، يرى مسعود صحراوي في كتابه “التّداولية عند العلماء العرب” أن البلاغيين العرب أوردوا تقسيما للكلام نسبوه لإبراهيم النّظام، الذي قسّم الكلام إلى خبر وطلب، وذلك على أساس معياري الصدق والكذب، والخبر الصادق عنده هو ما طابق اعتقاد المخبر سواء طابق الواقع أم لم يطابقه، وبهذا يخالف الجاحظ الذي يرى أنّ الخبر الصّادق هو ما طابق الواقع مع الاعتقاد في المطابقة.
ب- الإنشاء: إذا كان الخبر يميّز تلك الجملة التي تحتمل الصّدق أو الكذب، فإنّ هذا ما لا يصح مع الإنشاء، الذي عدّه البلاغيون العرب في قسمين: الإنشاء الطلبي والإنشاء غير الطلبي. ينقسم الإنشاء الطلبي إلى: جملة الأمر، وجملة النهي، وجملة الاستفهام، وجملة النداء، وجملة التمني. والإنشاء غير الطلبي إلى: التّرجي، التّعجّب المدح والذمّ، القسم والتّكثير.
3.عناصر الكلام/ التّلفّظ:
– المتكلّم عند اللّغويين هو الفاعل بفعل الكلام (أي فاعل الكلام)، أي هو من يستعمل اللّغة فتصبح كلاما، وتجاوز ابن جني ذلك إلى حد أنه أرجع “أمر الرّفع والنّصب والجرّ للمتكلّم نفسه”([21]) في حديثه عن موقع المتكلّم في الإعراب لأنه “هو من يملك المعنى الحقيقي للعبارة، وهو الأعلم بمقاصده وأغراض الكلام”([22])، وإضافة إلى استقلال اللفظ بمعناه وإفادته بمعناه أضاف السيوطي شرطا آخر للمتكلم كي يبلغ أغراضه وهو “القصد”([23])، حيث لا يعتدّ بالكلام الصّادر عن السّاهي والنّائم لعدم توفّر هذا الشّرط، فكلّ هذه الشروط من بداية الكلام إلى ختامه…. القصد فيها متعلق بالمتكلم لا بغيره، وحسب السيوطي فإن المتكلّم هو المفيد وليس الكلام، فهو في نظره “آلة موضوعة لذلك”([24]) أي للإفهام.
لقد احتلّ المتكلّم عند البلاغيين دورا بارزا في العملية التّواصلية بصفة منتج الكلام ومحددا لمقاصده ودلالاته. يرى البلاغيون كذلك أن الحال التي يكون عليها المتكلّم أثناء أداء الكلام جزء من تشكيل الدّلالة العامّة لخطابه، وأنه عليه أن يكون عارفا بأحوال الكلام وظروف التخاطب وأن يراعي مقام وطبقة من يوجّه كلامه إليه. ومن بين الشّروط التي يراها البلاغيون أيضا في المتكلّم –ويشددون عليها-هي في الفصاحة والبلاغة، كي يتمكّن من شدّ انتباه المستمع إليه.
– المخاطب / السامع عند اللّغويين (النّحويين) حسب ما يقوله خليفة بوجادي في كتابه في اللّسانيات التّداولية أن “تتضح قيمة السّامع في الدّرس النّحوي من خلال جملة من الشّواهد أهمها مفهوم الكلام وأقسامه، حيث قُسم اعتداء بالسامع([25])، ويقول ابن فارس في (باب مراتب الكلام في وضوحه وإشكاله):”أما واضع الكلام فالذي يفهمه كلّ سامع عرف ظاهر كلام العرب”([26]) أي أن الكلام يكون واضحا إذا وصل إلى ذهن السّامع وفهمه استنادا إلى ما يعرفه من أساليب لغويّة، لذلك وجب على المتكلّم مراعاة مستواه وطبقته. ولا يقل السامع أهميّة عن المتكلّم في البلاغة العربية القديمة، فإن كان المتكلّم هو منتج الخطاب وموجهه إلا أنه يبقى مقيّد بالسّامع وظروفه، وبهذه الطريقة يغدو مشاركا في العملية التواصلية، وفي تحديد الكلام. ويرى البلاغيون العرب أيضا أن الخطاب في ذاته يكون في أغلب الحالات حسب ما يريده السّامع لا المتكلّم رغم أنه خاضع له، وعادة ما يعدل المتكلّم عن كلام معين تأدّبا مع مخاطبه، مثلما ربط اللّغويون المستمع بتعريف الكلام، فقد فعل البلاغيون ذلك أيضا.
خاتمة:
إذا نظرنا إلى مفهوم التّداولية المتبلور في استخدام الكلمات أثناء توظيف اللّغة لغايات محدّدة، فإنّ مثل هذا الصّنيع لا ينضب، وبذلك يمكن الحديث عن تداوليات أخرى أو تطوّر للتّداولية، ومن أولاها نجد ما يتعلّق بالتّلفّظ أو لسانيات التّلفّظ التي عُرف بها إميل بنفنيست في كتابه “مشاكل اللّسانيات العامّة”([27])، واللّسانيات التي عاد إليها شارل موريس، ومن مهامها وصف العلاقات الموجودة بين مكوّنات الملفوظ الدّاخلية وخصائص الجهاز التّلفّظي، والملاحظ أنّ هذه اللّسانيات حاولت الرّبط بين ما هو داخلي أي العناصر الدّاخلية، وما يفرض على هذه العناصر من الخارج كالمتكلّم والمخاطَب وملابسات مختلفة للعملية التّخاطبية، ويمكن أن نبلور هذه المعادلة في ما ينتج من علائق بين التّلفّظ والملفوظ، وفي هذا التّصوّر يبدو المنحى اللّساني الذي يفرض على مبدأ المحايثة الانفتاح على عناصر أخرى، وهو بحث عن إدماج لعناصر كانت مستبعدة مع التّصوّر البنيوي للّغة، الأمر الذي سيعيدنا إلى ما كانت تفرضه البلاغة من شروط لنجاح العملية التّخاطبية من: متكلّم، وسامع، وزمان ومكان، وملابسات أخرى، وفي الحقيقة هي عناصر لا تختلف كثيرا عمّا نادى به إميل بنفنيست فيما دعاه بالجهاز الصوري للتّلفّظ (أنا، أنت، هنا والآن…) التي تضمن نجاح التّواصل، والتي سبق وأن حدّدها القدماء في حديثهم عن الخطابة ومعالمها في أوساط العرب خاصتهم قبل عامّتهم.
والمنحى ذاته نجده في مسألة الأفعال الكلامية والاهتمام بها في العصر الحديث أي بما نصنعه بالكلمات من أشياء، وأقوال، وأفعال قد تميّز وجهة النّظر تجاه دراسة اللّغة، إذ حاول الباحثون والفلاسفة بالخصوص البحث داخل اللّغة وخارجها وعند الذّوات المتخاطبة، وما يحيط بها من ملابسات، وبذلك ننتقل من تداولية اللّغة إلى تداولية المخاطِب أو ما يسمى بالتّداولية التّخاطبية، التي تكمن مهمتها في تحديد مآل الأقوال ووظيفتها في التّواصل، وذلك ممّا يقتضي الاهتمام بالمقاصد المعلنة والخفيّة من وراء استعمال اللّغة (اللّغة، النّصوص…) في مقامات خطابية معيّنة. وعندما يكتمل العمل حول الذّات المتحدّثة، وما أسّسه أوستين حولها من أحكام مرتبطة بالأفعال المنوطة بها، فإنّه يأتي دور ما يسمّى بالتّداولية الحوارية، التي أخذت منحى الاهتمام بجانب التّلقي أي بالمخاطَب، الذي يتحمّل مهمّة فكّ شفرات اللّغة ومحاولة الكشف عن مقاصد المخاطِب الخفية قبل الظاهرة، والبلاغة العربية لم تتجاهل هذا العنصر الهام في التّخاطب وكانت معالمه واضحة عند الجاحظ بخاصّة مثلما أسلفنا الذّكر.
يمكن القول إنّ الدّرس اللّغوي العربي الحديث شهد تطوّرا في المفاهيم المرتبطة بالتّداولية، التي نُقلت من الغرب بمصطلحاتها الفلسفية واللّسانية، والحديث عن التّطوير يحيل إلى وجود تلك المفاهيم في التّفكير اللّغوي العربي وفي مدّونات متعدّدة مثل البيان والتبيين، ومفتاح العلوم، وأسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، وفي مدوّنات الأصوليين والفقهاء، الأمر الذي ساعد الباحثين العرب المحدثين على مدّ جسر المعرفة بين المكتشفات الاصطلاحية الغربية اللّسانية والفلسفية والاجتهادات العربية البلاغية، فنتج نوع من البحث بين مظاهر التّأصيل وآفاق التّطوير في المفاهيم ومنهجية الاشتغال على المدوّنات العربية التّراثية والمعاصرة بآليات حديثة وقديمة في الآن ذاته، ممّا خلق الامتداد المعرفي بين المعطيات البلاغية القديمة والتّداولية الحديثة في نقاط مشتركة متعدّدة مادامت مؤسّسة على التّواصل وممارسة اللّغة في سياق معيّن.
المراجع
– ابن منظور، لسان العرب: تح: عبد الله على الكبير وآخرين، طبعة جديدة محققة ومشكولة شكلا كاملا ومذيلة بفهارس مفصلة، دار المعارف، القاهرة، 1986.
– أبو الفتح عثمان ابن جني، الخصائص، تح: محمد على النجار، دار الكتب المصرية، مصر.
– أبو بشر عمرو (سيبويه)، الكتاب، المطبعة الكبرى الآمرية، ط1، مصر 1316هـ.
– أحمد بن فارس، متخير الألفاظ، تح: هلال ناجي، مطبعة المعارف، ط1، العراق، 1970.
– خليفة بوجادي، في اللسانيات التّداولية مع محاولة تأصيلية في الدّرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنّشر والتّوزيع، الجزائر 2009.
– خليفة بوجادي، في اللسانيات التداولية: مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة، الجزائر، 2008.
– دومنيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح في تحليل الخطاب، ط1، الدّار العربية للعلوم، ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر 2008.
– ذهبية حمو الحاج، لسانيات التلفظ وتداولية الخطاب، دار الأمل، الجزائر، 2005
– شيتر رحيمة، التداولية وآفاق التحليل، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ع2و3، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جوان 2008.
– مختار زواوي، دو سوسير من جديد، مدخل إلى اللّسانيات، ط1، ابن النديم للنّشر والتوزيع، وهران 2017.
– مسعود صحراوي، التّداولية عند العلماء العرب، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان 2005.
– ملاوي صلاح الدين، نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية، مجلّة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ع4، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جانفي 2009.
– Austin. J, Quand dire c’est faire, Traduction et introduction de Gille Lanes, Editions de Minuit, Paris 1970.
– Eluard. R, La pragmatique linguistique, Nathan Editeurs, Paris 1985.
– De Saussure. F, Ecris de linguistique générale .
– De Saussure. F, Cours de Linguistique générale, Editions Talantikit, Bejaia 2002.
([1])– مسعود صحراوي، التّداولية عند العلماء العرب، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان 2005.
([2]) خليفة بوجادي، في اللسانيات التّداولية مع محاولة تأصيلية في الدّرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنّشر والتّوزيع، الجزائر 2009.
([4]) Austin. J, Quand dire c’est faire, Traduction et introduction de Gille Lanes, Editions de Minuit, Paris 1970.
([6]) مختار زواوي، دو سوسير من جديد، مدخل إلى اللّسانيات، ط1، ابن النديم للنّشر والتوزيع، وهران 2017، ص 202.
([12]) – شيتر رحيمة، التداولية وآفاق التحليل، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ع2و3، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جوان 2008، ص5.
([13]) – دومنيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح في تحليل الخطاب، ط1، الدّار العربية للعلوم، ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر 2008، ص42.
([23]) ملاوي صلاح الدين، نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية، مجلّة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ع4، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جانفي 2009.
Arap Dilbilimde Edimbilim Köklerini Arama Tezahürleriyle Metodolojik ve Kavramsal Geliştirme Ufukları Arasında
Mouloud Mammeri Üniversitesi, Tizi-Ouzou – Algeria.
E-posta: hamoulhadj_d@yahoo.fr
Orcid ID: 0000-0002-2586-2227
بحث منشور بمجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول- العدد الثاني – ديسمبر 2020
اضغط هنا pdf لنسخة البحث
Bu araştırma, dil-kimlik problemini, temeli iki kavram arasında çeşitli boyutlarda ve kültürel, medeni, sosyolojik ve terihsel düzeylerde var olan sıkı diyalektik ilişkiyi vurgulayan bir kanaatten hareketle incelemeyi amaçlamaktadır. Sonrasında, esas olarak biçimsel/mantıksal felsefelerin ve başında dili diğer herhangi bir sosyal, kültürel, bilişsel veya bunlar dışındaki düşüncelerden bağımsız olarak kendi içinde ve kendisi için incelemeye çağıran Yapısalcılığın geldiği kapalı dilbilimsel yönelimlerin somutlaştırdığı geleneksel kapalı dil algısı çürütülmeye çalışılacaktır. Yapısalcılık, bu çalışmada dil ile ilgili benimsenen ve onun çevresinde olanlardan etkilenen ve onu etkileyen açık bir sistem olması bakımından ele alan açık algının tersidir. Burada, dili sadece bir iletişim aracı olarak görmenin ötesine geçilir ve daha önce zikredildiği gibi onun kültür ve medeniyet üreticisi, kimliğin ve onunla ilgili değerlerin, sembollerin, adetlerin, davranışların ve canlı beşerî bir toplum dışında gerçek anlamda var olması mümkün olmayan diğer olguların yaratıcısı olduğu görüşüne yükselinir.
Anahtar Kelimeler:
Arap Dili, Kimlik, Medeniyet, Toplum, Kültür, Sosyolinguistik, Dil Güvenliği.
تقديم:
لقد توجّه كثير من الباحثين الجزائريين في أقسام اللّغة العربية وآدابها إلى ما يُعرف بالمنهج التّداولي، فقاموا بدراسات كثيرة وناقشوا قضايا متعدّدة مرتبطة بما تقترحه التّداولية من مباحث، مثل: التّلفّظ، الحجاج، وأفعال الكلام، والتّصريح والتّلميح… وحاول فيها الطلبة الباحثون أن يدلوا بدلوهم اقتداء بما ورد في الكتب الأجنبية، وفي الحقيقة هي عودة إلى ما ورد عند العرب من قضيّة أساسية تتمثّل في الوضع والاستعمال، ونقصد بذلك وضع اللّغة من حيث البنية في مستوياتها المتعدّدة (الصّوتية، الصّرفية، التّركيبية، المعجمية والدّلالية) والاستعمال فيما يقتضي الممارسة وتداول اللّغة، وهنا يتوقّف الباحثون الأجانب عند المصطلح أي التّداولية المرتبطة في نظرهم بتوظيف اللّغة واشتغالها لأداء مهمّة التّواصل.
تحدّد مصطلح التّداولية في البحث اللّساني ليتجاوز الدّراسة المحايثة المنغلقة على البنية الدّاخلية، بحثا عن مكوّناتها ورفضا لمنتجها ومؤوليها، والبحث عن الإنسان وفي الإنسان في إنتاجه للّغة وتأويلها. وكيفية الاشتغال بها في أرض الواقع كان من مهام الفلسفة التّحليلية ومداخلها، التي أدرجت ضمن فروعها فلسفة فتحت الأبواب على ما ذكرناه سلفا، وهي فلسفة اللّغة العادية، فلسفة اللّغة التي يتحدّثها الإنسان العادي في يومه. والعودة إلى الإنسان وإلى مكوّنات العملية التّواصلية وآلياتها جعلت النصّوص والخطابات منفتحة على إمكانات القراءة والتّأويل، بعدما كان التّحليل منحصرا في البنية الدّاخلية. وفي الحقيقة، تعدّ الحاجة إلى اكتشاف عناصر أخرى مثل: من تكلّم؟ ولمن تكلّم؟ ولماذا تكلّم؟ ولماذا يقول شيئا ويقصد شيئا آخر؟ … من الأمور التي جعلت المجال أوسع للدّراسة. والطّالب بشغفه للاطّلاع والبحث وعدم وجود القيود الصّارمة التي تفرضها الدّراسة المحايثة توجّه نحو آفاق أخرى لاستنطاق ما يعرض له من مدّونة بأدوات تساعده لا محالة على التأويل والتّفسير، ذلك أن العناصر المذكورة سلفا تعدّ مفاتيح جدّ هامّة للولوج إلى المقاصد وبلوغ الغايات التّكلمية الظّاهرة منها والخفيّة.
فلا غرو الآن أن يبحث الطلبة في مثل هذا المجال، بحيث تقدّم لهم الأدوات المساعدة على الفهم والتّأويل، وكأنّ في الأمر سهولة لتحليل اللّغة البشرية، إلا أنّ الانتقال من لسانيات الجملة إلى لسانيات الخطاب وما أحدثه من تغيّر في المعطيات المنهجية قد حرّر الطّالب الباحث من قيود الدّراسة المحايثة التي استنزفت النصوص دراسة في مستويات التحليل اللّساني المعروفة، وأصبحت الدّراسات تتشابه في محتوياتها وتركيباتها الصّوتية، والصّرفية، والدّلالية، ونظرا لإدراك الباحث للفروق الجوهرية التي يمكن أن تحدثها الأدوات التّداولية للتّعرّف على الذّات البشرية وما يكونها ويحيط بها.
1- البحث اللّساني التّداولي:
لا يخفى على أحد من الباحثين اليوم أن الدّراسات اللّغوية الحديثة مثلما يعرفها العالم العربي هي وليدة الاكتشاف الغربي من ناحية المصطلح والمعطيات المنهجية، ومصطلح التّداولية من بين هذه المصطلحات التي أثارت جدلا كبيرا، وقد حدث ذلك في أحد المؤتمرات العلمية التي عُقدت في جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية سنة 1984، حين أُثير موضوع حول الدّلاليات والتّداوليات “أشكال الحدود” بين لغويين وفلاسفة حاولوا تحديد ما يربط العلامة بالعالم وبالذّات الإنسانية وتبرير العلاقة بمعطيات علمية ومنطقية، وفلسفية، وهو ما يدخل في البحث عن الحدود الفاصلة بين ما هو دلالي وما هو تداولي نظرا لاشتراك المجالين في عنصر العلامة، التي ترتبط بالموضوعات الخارجية والذّات المتلفّظة، إضافة إلى ما يثيره عنصر التّركيب من إشكالات في علاقته هو الآخر بعنصري الدّلالية والتّداول. ولقد تناقش الفلاسفة واللّغويون من أمثال أحمد المتوكّل، وأحمد الإدريسي، والأخضر بوجمعة، وعبد القادر الفاسي الفهري، وطه عبد الرحمن في عدّة مصطلحات أهمّها: التّركيب، والدّلالة، والتّداول والتّداولية وما يرتبط بها من مفاهيم مهمّة في تحديد كيفية إنتاج العلامة وأسبابها وأغراضها.
إنّ دراسة الجانب الاستعمالي في اللّغة هو الذي يسميه الأوروبيون حاليا بالتّداولية أو Pragmatics، وأصبح كثير من هؤلاء اللّسانيين ومقلديهم من العرب لا يعرفون إلا التّداولية بل حصروا كل اللّسانيات في هذا الجانب الاستعمالي، وفي هذا المقام من الضّروري العودة إلى المراحل التي قطعتها التّداولية في رحلتها نحو الشّيوع والانتشار.
– تطوّر التّداولية عند الغربيين:
تطوّرت التّداولية من ثلاثينيات القرن الماضي إلى تسعينياته في ثلاثة مستويات:
- بين الثلاثينيات والأربعينيات: يرى التّقليد السيميائي والمنطقي الأنجلوساكسوني (بيرس، وموريس) أنّ كلّ نظام من العلامات يتكوّن –سواء تحدثنا عن الكلام اليومي أو الاصطناعي-من:
– التّركيب الذي يدرس علاقة الرّموز أو العلامات فيما بينها.
– علم الدّلالة الذي يدرس علاقة العلامات بمراجعها في العالم.
– التّداولية التي تدرس علاقة العلامات بمستعمليها.
وفي هذا التّصوّر ليست التّداولية تخصّصا كاملا وشاملا، ولا توجد إلا في وضعية مصطلحات في نظام اللّغة، ومن المصطلحات التي تطرح مشكلة بالنسبة للّسانيات، نجد المبهمات بشتى أنواعها: المبهمات الشّخصية، والمبهمات الزمانية والمكانية، فيبدو أن العلوم المذكورة تتدخّل في دراسة علاقة العلامة بمجالات مختلفة التّرتيب من حيث الظّهور والشّيوع (علم التراكيب، وعلم الدّلالة، والتّداولية) وهي في الآن ذاته مستقلة بعضها عن بعض، ومن ثمّ فهي وحداتية Modulaire.
- بين الخمسينيات والسبعينيات:
إنّ التّطوّر الملحوظ في هذه الفترة كان على يدّ فلاسفة اللّغة الأنجلوساكسونيين مثل ج.ل.أوستين (1911-1960)، وج. بول جرايس (1913-1988) والفلاسفة البريطانيين من مدرسة أوكسفورد ستراوسن (1872-1970) والأمريكان سورل (1932)، الذين سيهتمون باللّغات الطبيعية بدل اللّغات الاصطناعية، وبذلك فهم فتحوا الطّريق لما يدعى بالتّداولية، بملاحظة أنّ دور اللّغة لا يتوقّف عند وصف الواقع، إنّما يدخل دورها في الفعل (إنّها نظرية أفعال الكلام)، وهذا يعني أنّه مقارنة بوجهة نظر سميائييي المرحلة الأولى (1930-1940)، فإنّ مجال التّداولية تغيّر وأصبح مجالا تامّا وكاملا، ومن ثمّ فجدّتها وطبيعتها باعتبارها ملتقى تعدّد الاختصاصات (لسانية، سميائية، سميولوجية، اجتماعية، ونفسية…) يفسّر أنّ مجال اشتغالها كثيرا ما تحدّد سلبيا، ولم يكن ذلك من قبل التّداوليين أنفسهم، وإنّما من قبل باحثين من علماء التّركيب والدّلالة الذين يمارسون التّداولية، ولكنّهم يكتفون بإعادة الأسئلة التي تزعجهم، ومن ثمّ فإنّ التّداولية ليست علما معترفا به دائما.
- ما بين الثمانينيات والتسعينيات:
بعد أن تقدّمت التّداولية خطوات إلى الأمام في البحث التّداولي بفضل فلاسفة اللّغة ودون أن يتحدّد بشكل دقيق، فتطوّرها كان في تيارين مختلفين: الأوّل يمارس في الميدان الأنجلوساكسوني ويجعل من التّداولية علما كاملا وتامّا وتخصّصا مستقلا وهو ما يدعى بالتّداولية المعرفية أو العرفنية. والآخر المحدّد نسبيا يرى في التّداولية تخصّصا منحدرا من اللّسانيات وهو نتاج فرنسي وهي ما يدعى بالتّداولية المدمجة.
2- راهن التّداولية والبحث اللّساني:
يبدو السؤال متوجّها نحو الحديث عن تطوّر المناهج اللّسانية والأدبية، إذ لم تتوقّف اللّغة البشرية عن الخضوع لكلّ هذه المناهج، التي حاولت أن تضيء زاوية من زوايا البحث اللّغوي، وقد حدث نوع من التّراكم المعرفي والمنهجي حاليا في معالجة اللّغة العربية، فبعدما كانت اللّغة العربية تدرس اجتماعيا، ونفسيا، وثقافيا، وتاريخيا، واستند فيها العلماء إلى ما يوفرّه المجال الخارجي للّغة أو ما يعرف بالسيّاق الخارجي بكلّ ملابساته، يحلّ المنهج الوصفي المحايث أو ما يُعرف بالبنيوية التي أسّسها فرديناند دو سوسير في نهاية القرن الثّامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر، وتترك اللّغة عارية كالشّجرة من أوراقها وجذورها، ولا يبدو منها إلا الظّاهر الميّت، الذي ينتظر الإزهار، حتّى اعتبر بعض الباحثين في ظهور اللّسانيات وما جلبته من اهتمام بالبنية الدّاخلية عملا بالموضوعية والعلمية التي أرادها سوسير نوعا من الاستعمار، وتشكّل الامبريالية العالمية، التي تستهدف القضاء على تاريخ الشّعوب ومقوّماتها، والاكتفاء بدراسة اللّغة بمعزل عن أصحابها ومحيطها وما يسهم في بنائها يعني عزل اللّغة عن الإنسان والذّات بكلّ ما تحمله من خصوصيات، ويبدو أنّ المهمّة قد نجحت، نظرا لتبني أغلب لغات العالم المنهج البنيوي بحذافيره، وهذا دون الحديث عن الخصوصيات والاختلافات اللّغوية.
إنّ المنحى الذي اتّخذته اللّسانيات برفضها لما يدعى بالسياق الخارجي يعتبر تعثّرا منهجيا، وهو الأمر الذي دفع بالتّداولية أي ما يعرف بعلم استعمال اللّغة أو علاقة العلامات بمستعمليها، إلى ولوج مستوى التّحديد الدّلالي، ومحاولة فهم تغيّر الدّلالة وتحوّلاتها، وهو ما يقتضي الاهتمام بالعلاقة القائمة بين المتخاطبين والتّعرّف على أشكال تواصلهم وتفاعلهم، ما يستدعي ضرورة الاهتمام بجميع المعطيات اللّغوية وغير اللّغوية المرتبطة بالخطاب أوالتّلفّظ، حيث تنشأ الدّلالات والمحتويات الخطابية إثر التّعامل مع اللّغة أو مع كلّ السيّاق، فلم يخطئ العرب عندما تحدّثوا عن مقتضى الحال، الذي يفرض شروطا على التّخاطب وتوجيه المتخاطبين نحو فكرة الفهم والإفهام، التي ترتبط بالمقاصد والتّأويل، وتؤطّر المظاهر القولية، التي تُدعى مهما كانت طبيعتها في التّداولية بالأفعال الكلامية، مادام أوستين فشل في تصنيفها إلى تقريرية وإنجازية، واكتشف أنّه من الصّعب وضع حدود فاصلة بينها، إذ ما هو تقريري قد يكون إنجازيًّا، وما هو إنجازي قد يكون تقريريا، وذلك بتطويرها وتوسيعها وانتقادها ابتداء من سورل، وجرايس…
ومثل هذه القضايا وأخرى من المجال التّداولي اللّساني كانت محل اهتمام عدد من الباحثين الجزائريين، الذين حاولوا الكشف عن التّداولية اللّسانية والاشتغال بها في العديد من البحوث العلمية، التي تبرز أهمّية العودة إلى العناصر المرفوضة في البحث اللّساني المحايث وإعادة الاعتبار لها قصد البحث في علاقة الانسان باللّغة وبما يحيط به من ملابسات، فكانت الجهود الرائدة متمثلّة في بحوث كلّ من مسعود صحراوي، وخليفة بوجادي، ومختار الزواوي.
3- قراءة في بعض المنجزات اللّسانية التّداولية الجزائرية:
لقد آثرنا العودة إلى بعض المراجع اللّسانية التّي كانت الأولى في البحث التّداولي على مستوى الجامعة الجزائرية، وأصبحت لأهميتها تدرج في كثير من الدّراسات والبحوث اللّسانية والتّداولية أيضا، وجاءت مرتّبة حسب صدورها.
في كتاب “التّداولية عند العلماء العرب”([1]) يتحدّث مسعود صحراوي عن التّيار التّداولي الذي يعالج علاقة العلامات بمستعمليها-عملا بمفاهيم بيرس وموريس-وطرائق توظيف اللّغة وممارستها، وباعتبار بحثه الهادف إلى رصد ملامح التّداولية الغربية في الدّرس البلاغي العربي القديم، فإنّ اهتمامه منصب على نظرية الأفعال الكلامية، التي تعدّ مبحثا مهمّا في التيّار التّداولي الحديث، والتّنقيب في التّراث العربي عن تجليات النّظرية والكشف عن علاقة العرب بمثل هذه الظّواهر اللّغوية ومدى اجتهادهم فيها.
والأمر الذي يهمنا إشارة الباحث في مطلع كتابه إلى الحديث عن نقطة الانعطاف في مسار الدّرس اللّساني، حيث إنّ إدراك قصور المنطق الصوري في وصف الظواهر المعرفية وتحليلها، أدى إلى إدراك عجزه أيضا في تحليل الظواهر اللّغوية، فظهر في المسار اللّساني توجّهان متنافسان: توجّه شكلي صوري بزعامة البنيوية، وتوجّه وظيفي بزعامة التّداولية التي كانت السّبب الرئيس في تعميق هوّة الخلاف بين هذين التّوجّهين، بما قدّمته من مفاهيم ورؤى تطوّر بها التّيار الوظيفي المعاصر، حيث شهدت الدّراسات اللّغوية، وخاصّة مع فلاسفة المدرسة التّحليلية انقلابا مفاهيميا مهمّا، فأصبح الاهتمام بالموضوعات التّجريدية من الاهتمامات الأساسية للّسانيات، ولم يعد الدّارسون المعاصرون يؤمنون بما جاءت به البنيوية التّقليدية، وإنّما فتحوا أبواب الدّراسة على معارف أخرى كالفلسفة، والمنطق، وعلم الاجتماع، وعلم النّفس، فتجاوزوا بذلك النّظرة البنيوية، التي أبعدت البحث عن التّركيز على الكلام وعناصره الأساسية كـ: غرض المتكلّم وحال المخاطب وسياق الحال.
كما وضّح الباحث في هذا المقام قصور النّظرة البنيويّة في تحليل الظّاهرة اللّغوية، بإقصائها لأحوال التّخاطب المرتبطة بظاهرة الكلام السوسيرية، وأبقى في الآن ذاته على البنية والنّظام والوظيفة والعلاقة، التي يمكن الأخذ بها بين التّحليل التّوليدي والتّحليل التّداولي، ومن ثمّ لا يمكن تجاوز مفاهيم البنيويّة في الفكر اللّساني الّذي تأسّست عليه بقية النّظريات اللّسانية المعاصرة.
بالنسبة للباحث، تظهر التّداولية في مفهومها العام باعتبارها منهجا سياقيا، موضوعه بيان فاعلية اللّغة بربطها بالأغراض والمقاصد، ومراعاة الأحوال، والاهتمام بملابسات الوضع والإنتاج والتّأويل، فالتداولية تتعامل مع اللّغة باعتبارها نشاطا كلاميا يمارس من كلا الطّرفين المتخاطبين، ولا تكتفي بوصف البُنى في صيغتها الصّوريّة، فهي نظريّة تزاوج بين الإنتاج اللّغوي وشروطه الخارجية، وتدرس اللّغة الحيّة لغة مستعملة من قبل شخص معين، في مقام معين، موجّها إلى مخاطب معين لأداء غرض معين. والاهتمام بكلّ هذه العناصر سيقودنا إلى اعتبار التّداولية علما يهتمّ بالعناصر اللّغوية وغير اللّغوية التي يُنجز فيها الحدث الكلامي، والاهتمام بالسّياق، والظروف، والملابسات الخطابية، وذلك لكونها علما يؤمن بالواقع الاستعمالي من أجل تفسير الظواهر اللغوية.
وهذا التحليل إنْ دلّ على شيء إنّما يدلّ على محاولة الباحث تتبّع سيرورة الدّرس اللّساني عند الغربيين وتطوّره عبر مراحله التّاريخية، وصولا إلى الدّرس التداولي حتى يتبيّن الجوانب والمراحل التي تمخّضت عنها النظرة التّداولية في التحليل اللّغوي، والاهتمام باللّغة اليومية يعني في حقيقة الأمر الاهتمام بالكلام الذي يمارسه الأشخاص بشكل فردي، وهو الكلام الذي كان يُعتقد أنّه مقصى من الدّروس السوسيرية، فالسؤال المطروح ههنا هو: هل أعادت التّداولية الاعتبار للكلام أم أنّها أكّدت على وجوده وأهمية مكانته في الدّرس اللّساني المعاصر؟
في كتاب ” في اللسانيات التداولية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم“([2]) وجدنا الباحث خليفة بوجادي يشير إلى أنّ التّفكير اللّساني قد عرف في مطلع القرن العشرين تغيّرا كبيرا وتطوّرا أدّى إلى تحوّل الدّرس اللّساني من الدّراسة التّاريخية والمقارنة إلى الدّراسة الآنية والوصفية، مع ظهور سوسير وما جاء به في محاضراته أو ما يكون من المفترض قد جاء به. ولم يتجاهل خليفة بوجادي الحديث عن مجهودات سوسير في التّرتيب لظهور الدّرس التّداولي الحديث، وكان ذلك دون تفصيل أو استشهاد، إلا أنّ الباحث ومثل أغلب الباحثين عاد إلى التّمييز الشّهير بين الجانب الاجتماعي للّغة، والجانب الفردي لها، ويعدّه منطلقا أساسا لتتبّع مسار ظهور المنحى التّداولي عند سوسير، ذلك أنّ تفرقته بين الجانبين وتوضيح حدود كلّ منهما قد حصر المفاهيم المشتركة بين أفراد جماعة لغوية واحدة، وهو ما يتجسّد في ضبط القوانين التي يتحقّق فيها التّواصل وينتج عنه خطابا ناجحا أو فاشلا حسب درجة احترام المخاطب لهذه القوانين، لأنّ هذه الأخيرة تتحكّم في الجانب الاجتماعي للّغة ولا تسمح للفرد أن يخلقه لوحده، يقول خليفة بوجادي:”… بتمييزه الجانب الاجتماعيّ عن الجانب الفرديّ، وحدود كل منهما يكون قد حصر المفاهيم المشتركة بين أفراد المجموعة اللّغوية الواحدة، وهي القوانين العامة (النظام) التي يؤدى فيها التّواصل؛ فيكون الخطاب ناجحًا ما احترمها، ومخفقًا ما خالفها؛ ذلك أن اللّغة في جانبها الاجتماعيّ تحكمها قوانين الظواهر الاجتماعية جميعا فلا يبدعها الأفراد، ولا يخالفونها أو يحوّرونها، كما أنّها تظهر بالتّدريج، وتتغيّر أو تختفي بالتّدريج”([3]).
وفي اللّسانيات التّداولية قام الباحث بتحديد مرجعية التفكير التداولي إلى عدّة مصادر، ذكرها الباحثون، وهي موزعة بين الفلسفة والمنطق، وبعض نظريات اللسانيات الحديثة؛ نذكر منها:
– الفلسفة اللغوية: تشمل بحوث رواد فلسفة اللغة الطبيعية والفلسفة التحليلية، مقابل مدرسة اللغة الشكلية، وتقوم على دراسة كيفية توصيل معنى اللغة الإنسانية الطبيعية من خلال الإبداع، ومن الذين اشتهرت بحوثهم في هذا الموضوع:
1-فيجنشتاين: يعدّ فيجنشتاين من الفلاسفة الأوائل الذين نظروا في الجانب الاستعمالي للّغة، وعرض فكرة ألعاب اللّغة التي قال في مفهومها إنّها الأفعال التي نتلفّظ بها، وترتبط بأشكال الحياة والممارسات التي نحياها، أي أنّها تنحصر فيما يباح للمتكلّمين في إطار العلاقة بينهم وبين عباراتهم.
2-أوستين: عُرف أوستين من خلال محاضراته التي قدّمها بجامعة هارفارد في 1955م في فلسفة اللغة، ونشرت في 1962 بعد وفاته، بعنوان ” كيف ننجز أفعالا بالكلمات”([4])، واللّغة في نظره تتجاوز وظيفة الاتّصال إلى وظيفة التّأثير وتغيير السلوك الإنساني من خلال مواقف كليّة.
3-بيرس: يعدّ من الأوائل الذين اهتموا بدراسة العلامة انطلاقا من مفاهيمها الفلسفية، ويعدها أساس النشاط السيميائي. وهو يربط فهم اللغة بالمواقف التّواصلية، ويجعل المعنى مقترنا بظروف الاستعمال على نحو ما مرّ مع فيتغنشاين وأوستين.
4-موريس: أسهم في تأسيس الدّرس السيميائي إلى جانب بيرس، ونظر إلى بنية اللّغة على أنّها نظام من السلوك؛ ذلك أنها تجعل المتلقي مستعدا لردّ الفعل وفقا للبنى التي يستقبلها، وقد جعل التداولية جزءًا من البحث السيميائي؛ وتناول اللّغة من حيث العلاقة بين العلامات ومستعمليها.
وفي كتاب “دوسوسير من جديد، مدخل إلى اللسانيات” للباحث مختار زواوي نجده أكثر دقّة في تحليله للوضع اللّساني الرّاهن، إذ يقوم بقراءة مزدوجة للّسانيات من خلال الدّروس والمخطوط، وحاول إثبات عدم صحة الانتقادات الموجهة من التّداولية للّسانيات وأجملها في المسائل التالية:
– إزاحة الكلام من الدّرس اللّساني.
– عدم العناية بالفرد المتكلّم.
– إقصاء الحال والسياق والاستعمال من حقل اللّسانيات.
1. إزاحة الكلام: لقد ذهب مختار زواوي إلى أنّ سوسير ميّز من خلال كتاب محاضرات في اللسانيات العامة بين الكلام واللسان، فاللّسانيات تشتمل على قسمين: أحدهما أساسي موضوعه اللّسان والآخر ثانوي موضوعه الكلام، فاللّغة بوصفها ملكة إنسانية وميزة كلية مشتركة بين البشر تختلف عن الألسن التي تبقى جزئية ومتغيرة؛ بمعنى أن اللّسان قسم معلوم وأساسي من اللّغة “إنه نتاج لملكة اللّغة، ومجموعة من المواضعات الضرورية التي يتبناها الكيان الاجتماعي كي يمكن أفراده من ممارسة هذه الملكة”([5]).
يرى مختار زواوي أن في هذا التّقسيم والتّرتيب التّفاضلي تناقضا إذا قارنّا فقرات الكتاب بعضها ببعض، فمبدأ الفصل بين اللّسان والكلام وإخراج الكلام من دائرة اللّسانيات ثابت في بعض الأحيان، ونجده مبدأ نسبيا في مواضع أخرى كما هو الحال عند الحديث عن التّغير اللّساني، أدّى فصل اللّغة عن اللّسان إلى فصل الكلام عن اللّسان ليصبح هذا الأخير في نظر واضعي كتاب محاضرات في اللّسانيات العامّة هو الموضوع العلمي الوحيد الذي يمكن للّسانيات أن تصفه وفق قواعد خاصة بها، أما الكلام فلا يمكن أن يكون موضوعا علميا خاصا باللّسانيات.
يذهب مختار زواوي إلى أنّ سوسير ميّز بين اللّسان والكلام وافترض لكلّ منها نظريّة خاصّة لكنّه لم يتخذ اللّسان الموضوع الرّئيس للّسانيات العامّة ولم يُخرج منها البحث في الكلام، وقد أسهمت مخطوطات سوسير المنشورة في رفع اللّبس عن إقصاء سوسير للكلام من مجال اللّسانيات، ويعتقد الباحث أنّ سوسير لو أراد إقصاء الكلام لأفصح عن ذلك، ولا يكتفي بالإشارة إلى وجود لسانيتين دون أي ترتيب بينهما([6]).
ويشير مختار زواوي إلى أنه لم يجد الحجج والغايات والظّروف التي دفعت شارل بالي وألبير سشهاي إلى اتخاذ قرار إقصاء الكلام من حقل اللّسانيات، يقول مختار زواوي:” إنّنا لم نتمكن على الرّغم من تجوالنا الدّؤوب في أدبيات اللّسانيات السوسيرية من الوقوف عند الحجج والظروف والغايات التي دفعت بشارل بالي وألبير سشهاي إلى اتّخاذ قرار إقصاء الكلام من اللّسانيات”([7])، ورغم ذلك نجد إقرارهما بوجود لسانيات غير لسانيات كتاب المحاضرات في اللّسانيات العامّة تعنى بالكلام، لكنّها في نظرهما لسانيات بحدود فاصلة مع لسانيات اللّسان.
2. الفرد المتكلم: إنّ إقصاء الكلام من مجال اللّسانيات في رأي مختار زواوي يمثّل في حقيقة الأمر ثلاث إقصاءات هي: إقصاء للأفراد المتكلمين، وإقصاء للحال، وإقصاء للاستعمالات اليوميّة للّغة([8])، ويعدّ الإقرار بإقصاء لسانيات سوسير للفرد المتكلّم إقرارا يفتقد لقاعدة علمية تسنده، وقد مكّنت مخطوطات سوسير المنشورة ضمن كتاباته في اللّسانيات العامّة من الكشف عن كثرة ورود الفرد المتكلم في تصوراته اللّسانية مثل: التّمييز بين الصّور الصّوتية والأشكال اللّسانية، إنّه تمييز قائم في وعي الفرد المتكلّم “إن الشّكل صورة صوتية محدّدة في وعي الأفراد المتكلمين؛ أي أن لها وجودا معلوما وحدودا معلومة “([9]). وقد كثُر الحديث عن الفرد المتكلّم وعدّه عنصرا أساسا في التّصوّر السوسيري اللّساني إلى درجة عدم الفصل بين مفهومه ومفهوم اللّغة.
3. إقصاء الحال والسياق: والحال عادة تشمل السياق النصي؛ أي المحيط الكلامي أو الكتابي للملفوظ، والسياق الموقفي الذي يشمل كل ما يحيط بالأفراد المتكلمين، بما في ذلك الزمن والمكان والغرض الذي تواصلوا من أجله، فضلا عن السياق العالمي([10])، وقد أصبح السياق المعيار الذي يتخذه كثير من الباحثين في الدّراسات التّداولية، بحيث يحيل مفهوم السّياق النّصي إلى الدّراسات التي نتجت عن اللّسانيات النّصية وتحليل الخطاب، بينما يحيل مفهوم السّياق المرجعي إلى تداوليات الفلاسفة والمناطقة الذين أنتجوا تداوليات الإشارة …([11]) وأخيرا نشأ كثير من الأبحاث التّداولية على مفهوم السياق التّفاعلي، ومن الملاحظ أنّ الباحث لم يفسّر كيف تعامل سوسير مع مفهوم السّياق أيضا.
3- البلاغة والتّداولية: مراجعة في الحدود والإجراءات:
إنّ البحث في البلاغة والتّداولية عن نقاط التّقاطع والاشتراك في آلياتهما وما عرفتاه من مباحث ومفاهيم يجعلنا نتوقّف عند بعض العناصر منها:
– السيّاق: يستعين كلّ من البلاغة والتّداولية به.
– الاستعمال: في البلاغة والتّداولية تمّ التّركيز على مفهوم الاستعمال، وهو في الحقيقة إعادة الاعتبار للإنية التّلفّظية، التي تعني توظيف اللّغة أثناء التّلفّظ بمعنى الوقوف عند عملية إنتاج اللّغة في مسيرتها من الذّهن إلى الممارسة الفعلية أي عن طريق الفعل بمفهوم التّداوليين، الذين يولون الاهتمام للمنجز من اللّغة أو القول في ظلّ توفّر شروط معيّنة وفي ظلّ التّواصل الفعلي الذي يفرض مع بنفنيست (1902-1976) ما يدعى بالجهاز الصوري للتّلفّظ المحدّد بــــ: أنا، أنت، هنا، والآن …
لقد جاءت التّداولية حديثا لتحديد شروط إنجاح التّواصل انطلاقا ممّا يوظّف من أقوال غايتها الإنجاز، أي الكشف عن شروط نجاح ما يتلفّظ به المرء من أقوال والبحث عن الصّيغ الملائمة لتحقيق النّجاح في القول، وإلى أي حدّ يتناسب بناء اللّغة ونظامها المقيّد صرفيا، وصوتيا، وتركيبيا، ودلاليا في إطار تحوّلها إلى خطاب، وفي هذا المنحى يكون السّياق مطلبا أساسيا، وهو العنصر الذي ركّز عليه الكثير من الباحثين العرب القدامى في حديثهم عن الكلام ومقتضياته، وأسهب في الحديث عنه البعض مثلما نجد ذلك عند الجاحظ والسّكاكي … وفي الحقيقة يعدّ ذلك بحثا في ما يعلق في اللّغة من عناصر ضرورية تسهم في نجاح تداولها، وتجسيد المقاصد في القول، وإيصال الرّسالة في أفضل حال ليتحّقق الفهم والإفهام، فالمنهج التداولي في تحليله للنصوص، مرتبط بالمقامات التي أنتجت فيها هذه الأخيرة، إذ يُعنى: ” بالشروط والقواعد اللازمة للملائمة بين أفعال القول ومقتضيات المواقف الخاصة به أي لا يشمل السياق في هذه الحالة إلا العناصر التي تحدد بنية النص وتؤدي إلى تفسيره، وهذا ما يجعل التداولية علما يُعنى بالعلاقة بين النص وعناصر الموقف التواصلي المرتبطة به بشكل منظم، أو ما يطلق عليه بـ”سياق النص”، أو ما سمته فرنسواز أرمنكو في تقسيمها للسياق بــ”السياق المقامي” حيث تقول إنّنا: “نعبر هنا من شيء مادي خالص، إلى شيء وسيط ثقافيا ويتميّز المقام بالاعتراف به اجتماعيا بصفته متضمّنا لغاية أو غايات، وعلى معنى ملازم تتقاسمه الشخصيات المنتمية إلى الثّقافة نفسها”([12])، ومثال ذلك الحديث الذي يدور بين طبيبين حول حالة مرضية، إذ إنّ مقامها العلم هو الذي يحكم تلك المحادثة.
ولتوضيح بعض لعناصر المشاركة بين البلاغة والتّداولية آثرنا العودة إلى بعض المصطلحات الأساسية المتداولة، مثل: مقام الخطاب، التّلفّظ، نظرا لما يندرج تحتهما من مفاهيم ساهمت في تحديد التّواصل، والتّداول، والتّفاعل.
– مقام الخطاب:
يعد المقام أحد أهم المرتكزات التي استندت إليها الدّراسات اللّغوية والبلاغية القديمة في دراستهم للّغة أثناء الاستعمال أو أثناء الكلام، بحيث يؤدي دورا مهمّا في كشف مقاصد المتكلم وتوضيح نواياه الظاهرة والخفيّة ثم إن للسيّاق مجالات معرفية متعددة تتوزّع “عبر فضاءات معرفية كثيرة منها ما هو مرتبط بالمتكلم والمتلقي وشروط الإنتاج اللّغوي والزّمان والمكان وغيرها”([13]).
وما إن نذكر مصطلح المقام عند القدامى إلا وتبادر إلى الذّهن مقوله الجاحظ المشهورة: “لكل مقام مقال”، التي تطرق لها ليس في حديثه عن المقام بصفة خاصة وإنما عند تطرقه للبلاغة والبيان والفصاحة في كتابه “البيان والتبيين”، ففي سياق حديثه عن التّحاور بين المتكلم والسّامع وكيف يتم جريان وبقاء هذا الحوار بينهما، يقول: “ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما، حتى يقسم أقدار الحالات على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات”([14]). ومن هذا القول يرى أنّ بلوغ المعنى يتم بمراعاة أحوال المستمع، وذلك باختيار الألفاظ المناسبة السهلة والمعاني الواضحة والقريبة إلى ذهنه، ويقول في موضع أخر: “أن يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا، إمّا عند الخاصّة إن كنت للخاصّة أردت، أو عند العامّة إذا كنت للعامّة أردت، والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصّة، وكذلك ليس يتضح بأن يكون من معاني العامّة، وإنّما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام مقال”([15]). ويضيف في المعنى نفسه أنه “لا ينبغي أن يكون اللّفظ عاميا سوقيا، وكذلك لا ينبغي أن يكون غريبا وحشيا إلا أن يكون المتكلم بدويا أو غربيا، فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس، كما يفهم السوقي رطانة السوقي”([16]). وهنا ربط الجاحظ الألفاظ بأحوال الناس، فلكل طبقة ألفاظها الخاصّة المتداولة وأساليبها والمعطيات التي تسهم في إنتاج لغتها وتفسّر سبل تأويلها، وهذا الأمر يستدعي الإحالة على العملية التّواصلية المجسّدة في التّلفّظ وما يفرضه من عناصر لابد منها لإنجاح الخطاب والتّخاطب.
– التلفظ:
جاء مصطلح التّلفّظ في النظرية التي –كما قلنا-طوّرها إميل بنفنيست عن اللّسانيين الأوائل، وهو عنده “فعل الاستعمال الفردي للّغة” أي ذلك الفعل الصّادر عن المتّكلم قصد إجراء غرض معين، وهو ليس تلك العملية الفيزيولوجية للكلام التي تتمثل في طريقة إصدار الأصوات، وإنما يتمثّل التّلفظ في تناسق دلالة الألفاظ ومناسبتها لمعانيها بشكل منطقي متماشية مع ما يقتضيه العقل. أمّا المصطلح الذي يقابل هذا المفهوم عند العرب هو مصطلح الكلام أو الحديث، وذلك ما ورد التّعريف السّابق لابن منظور. وما ينتج عنه أيضا يسمى كلاما أو قولا كما سنرى ذلك في العنصرين التّاليين:
1. الملفوظ: يرى بنفنيست أن الملفوظ هو نتاج عملية التلفّظ، أو هو ما يتلفّظ به أو الرّسالة الموجّهة للمتلقي (الحاضر أو الغائب)، وحسب غريماس هو: “تتابع من الجمل المحققة أي كل ما يُتلفّظ به الإنسان منطوقا أو مكتوبا، يتحدّد ضمن إنّية من التّلفّظ عن طريق ضمائر الشخص وضمائر الملكية، الصفات والظروف، والمبهمات الزمانية والمكانية”([17]) وهو ما يعبّر عنه في تحليل الخطاب ﺑ“الخطاب”. أما عند العرب، فنجد هذا المفهوم بمصطلحات أخرى، كما قلنا سابقا، مثل: الكلام، القول، اللّفظ والحديث. وفيه يقول سيبويه: “اعلم، أنّ “قلْت إنما وَقَعَتْ في الكلام على أن يحكى بها ما كان كلاماً لا قولا، ومن أدلِ الدّليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع النّاس على أن يقولوا القرآن الكريم كلام الله، وألا يقولوا القرآن قول الله، وذلك أن هذا موضعٌ ضيق متحجّر لا يمكن تحريفهُ ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه فعُبِّر لذلك عنه بالكلام، الذي لا يكون إلا أصواتاً تامةً مفيدة، قال أبو الحسن: ثم إنَّهم قد يتوسّعون فيضعون كل واحد منهما موضع الأخر، ومما يدل على أنَّ الكلام هو الجُمَل المُتَركَّبة في الحقيقة قول كُثَير: “لو يسمعون كما سمعتُ كلام***خرُّوا لغزَّةَ رُكَّعاً وسُجودا”([18]).
ويقول ابن جني في كتابه الخصائص: “أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه، مفيد لمعناه، وهو الذي يسميه النحويين الجمل، نحو زيد أخوك… فكل لفظ استقل بنفسه، وجنيت ثمار معناه فهو الكلام”([19]). ويفهم من هذا التّعريف أن الكلام ذو ثلاث خصائص وهي: أن يكون لفظا، وأن يكون مركّبا وأن يكون مفيدا ويحسن السّكوت عليه.
وقد يطلق على الكلام أيضا “كلمة”، وهي “اللفظة… جمعها كلم قال أبو منصور: والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء. وتقع على لفظةٍ مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى، وتقع على قصيدة بكاملها وخطبة بأسرها. يقالُ: قال الشاعر في كلمته، أي في قصيدته…كالمه: ناطقه…ويكلمُك: الذي يكلمك…كالمتُه: إذا حادثتهُ”([20]). وقد وصف الكلام ببعض الشّروط البيانية التي تجعله واضحا بيّنا، وتتمثّل هذه الشّروط حسب البلاغيين العرب في الفصل والوصل، العطف والحذف والتّكرار… وغيرها. وكلّ ذلك بمراعاة أحوال السامع من حيث الصّدق في المنطق وترك مالا يحتاج إليه، والدّقة في التّعبير وعدم التّناقض والإشارة أحيانا إلى المعنى دون التّصريح به.
كما لقي التّلفظ اهتماما كبيرا في الدّرس النّحوي العربي أيضا، ومن المباحث التي تناولته فيه مبحث التقديم والتأخير فتناولوا دواعي هذه الظّاهرة، من المسند والمسند إليه، مثلما اهتمّ النّحويون أيضا بإشكالية تغيّر المعنى وفقا للتّغيير الحاصل بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية، حيث يكون الأقل عندما يتلقى السّامع الخبر لأوّل مرّة والثّاني عندما يكون له أدنى معرفة بموضوع الحديث. وأهّم ما تطرق إليه النّحويون أيضا حديثهم عن الوحدات اللّغوية ودورها في تأدية المعنى وتسييره، فتحدّثوا عن أسماء الإشارة، والظروف الزمنية والمكانية، ونواسخ المبتدأ والخبر، وهي تدخل ضمن عناصر الجهاز التّلفّظي الذي نادى به إميل بنفنيست في تحديد نظرية مفهوم للتّلفّظ.
2.أقسام الكلام/ الملفوظ:
شهدت التّداولية بروز ظاهرة جدّ مهمّة، وهي الأفعال الكلامية التي تعدّ في الأساس محور نشوئها، وهي مرتبطة بما هو قول وفعل، وإن قسّمها أوستن إلى جمل وصفية وأخرى إنجازية، معوّلا في ذلك على الصدق والكذب، فإنّ الظّاهرة ذاتها كانت محور البلاغة العربية، التي تأسّست على الخبر والإنشاء، فقد قسم العلماء العرب الكلام إلى قسمين:
أ- الخبر: من المعروف لدينا أن الكلام يتألف من جملة مفيدة أو أكثر، وهذه الجملة تنقسم إلى قسمين: إسمية وفعلية، ففي نظر الجاحظ الخبر نوعان: مطابق للواقع (مع الاعتقاد أنه مطابق-ومع الاعتقاد أنه غير مطابق-ودون اعتقاد) وغير مطابق للواقع (مع الاعتقاد أنه مطابق-ومع الاعتقاد أنه غير مطابق-ودون اعتقاد)، لكنه يرى أن الخبر الذي يحتمل الصّدق هو الخبر المطابق للواقع، والذي يوصف بالكاذب إذا كان غير مطابق للواقع، أما الأنواع الباقية فلا تدخل في أي تقسيم. أمّا في نظر أبي العباس فإنّ الخبر ينقسم إلى ثلاثة أضرب: ابتدائي، طلبي، وانكاري، ففي حادثة، قال الكندي لأبي العباس إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ قال أجد العرب يقولون:
– عبد الله قائم
– إنّ عبد الله قائم كلها لها معنى واحد
– إنّ عبد الله لقائم
فقال له أبو العباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم – “عبد الله قائم” إخبار عن قيامه، وقولهم ” إنّ عبد الله قائم ” جواب عن سؤال سائل، وقولهم ” إن عبد الله لقائم ” جواب عن إنكار منكر قيامه. فسمى الأول خبرا ابتدائيا، والثاني خبرا طلبيا والثالث خبرا إنكاريا. وفي المنحى ذاته، يرى مسعود صحراوي في كتابه “التّداولية عند العلماء العرب” أن البلاغيين العرب أوردوا تقسيما للكلام نسبوه لإبراهيم النّظام، الذي قسّم الكلام إلى خبر وطلب، وذلك على أساس معياري الصدق والكذب، والخبر الصادق عنده هو ما طابق اعتقاد المخبر سواء طابق الواقع أم لم يطابقه، وبهذا يخالف الجاحظ الذي يرى أنّ الخبر الصّادق هو ما طابق الواقع مع الاعتقاد في المطابقة.
ب- الإنشاء: إذا كان الخبر يميّز تلك الجملة التي تحتمل الصّدق أو الكذب، فإنّ هذا ما لا يصح مع الإنشاء، الذي عدّه البلاغيون العرب في قسمين: الإنشاء الطلبي والإنشاء غير الطلبي. ينقسم الإنشاء الطلبي إلى: جملة الأمر، وجملة النهي، وجملة الاستفهام، وجملة النداء، وجملة التمني. والإنشاء غير الطلبي إلى: التّرجي، التّعجّب المدح والذمّ، القسم والتّكثير.
3.عناصر الكلام/ التّلفّظ:
– المتكلّم عند اللّغويين هو الفاعل بفعل الكلام (أي فاعل الكلام)، أي هو من يستعمل اللّغة فتصبح كلاما، وتجاوز ابن جني ذلك إلى حد أنه أرجع “أمر الرّفع والنّصب والجرّ للمتكلّم نفسه”([21]) في حديثه عن موقع المتكلّم في الإعراب لأنه “هو من يملك المعنى الحقيقي للعبارة، وهو الأعلم بمقاصده وأغراض الكلام”([22])، وإضافة إلى استقلال اللفظ بمعناه وإفادته بمعناه أضاف السيوطي شرطا آخر للمتكلم كي يبلغ أغراضه وهو “القصد”([23])، حيث لا يعتدّ بالكلام الصّادر عن السّاهي والنّائم لعدم توفّر هذا الشّرط، فكلّ هذه الشروط من بداية الكلام إلى ختامه…. القصد فيها متعلق بالمتكلم لا بغيره، وحسب السيوطي فإن المتكلّم هو المفيد وليس الكلام، فهو في نظره “آلة موضوعة لذلك”([24]) أي للإفهام.
لقد احتلّ المتكلّم عند البلاغيين دورا بارزا في العملية التّواصلية بصفة منتج الكلام ومحددا لمقاصده ودلالاته. يرى البلاغيون كذلك أن الحال التي يكون عليها المتكلّم أثناء أداء الكلام جزء من تشكيل الدّلالة العامّة لخطابه، وأنه عليه أن يكون عارفا بأحوال الكلام وظروف التخاطب وأن يراعي مقام وطبقة من يوجّه كلامه إليه. ومن بين الشّروط التي يراها البلاغيون أيضا في المتكلّم –ويشددون عليها-هي في الفصاحة والبلاغة، كي يتمكّن من شدّ انتباه المستمع إليه.
– المخاطب / السامع عند اللّغويين (النّحويين) حسب ما يقوله خليفة بوجادي في كتابه في اللّسانيات التّداولية أن “تتضح قيمة السّامع في الدّرس النّحوي من خلال جملة من الشّواهد أهمها مفهوم الكلام وأقسامه، حيث قُسم اعتداء بالسامع([25])، ويقول ابن فارس في (باب مراتب الكلام في وضوحه وإشكاله):”أما واضع الكلام فالذي يفهمه كلّ سامع عرف ظاهر كلام العرب”([26]) أي أن الكلام يكون واضحا إذا وصل إلى ذهن السّامع وفهمه استنادا إلى ما يعرفه من أساليب لغويّة، لذلك وجب على المتكلّم مراعاة مستواه وطبقته. ولا يقل السامع أهميّة عن المتكلّم في البلاغة العربية القديمة، فإن كان المتكلّم هو منتج الخطاب وموجهه إلا أنه يبقى مقيّد بالسّامع وظروفه، وبهذه الطريقة يغدو مشاركا في العملية التواصلية، وفي تحديد الكلام. ويرى البلاغيون العرب أيضا أن الخطاب في ذاته يكون في أغلب الحالات حسب ما يريده السّامع لا المتكلّم رغم أنه خاضع له، وعادة ما يعدل المتكلّم عن كلام معين تأدّبا مع مخاطبه، مثلما ربط اللّغويون المستمع بتعريف الكلام، فقد فعل البلاغيون ذلك أيضا.
خاتمة:
إذا نظرنا إلى مفهوم التّداولية المتبلور في استخدام الكلمات أثناء توظيف اللّغة لغايات محدّدة، فإنّ مثل هذا الصّنيع لا ينضب، وبذلك يمكن الحديث عن تداوليات أخرى أو تطوّر للتّداولية، ومن أولاها نجد ما يتعلّق بالتّلفّظ أو لسانيات التّلفّظ التي عُرف بها إميل بنفنيست في كتابه “مشاكل اللّسانيات العامّة”([27])، واللّسانيات التي عاد إليها شارل موريس، ومن مهامها وصف العلاقات الموجودة بين مكوّنات الملفوظ الدّاخلية وخصائص الجهاز التّلفّظي، والملاحظ أنّ هذه اللّسانيات حاولت الرّبط بين ما هو داخلي أي العناصر الدّاخلية، وما يفرض على هذه العناصر من الخارج كالمتكلّم والمخاطَب وملابسات مختلفة للعملية التّخاطبية، ويمكن أن نبلور هذه المعادلة في ما ينتج من علائق بين التّلفّظ والملفوظ، وفي هذا التّصوّر يبدو المنحى اللّساني الذي يفرض على مبدأ المحايثة الانفتاح على عناصر أخرى، وهو بحث عن إدماج لعناصر كانت مستبعدة مع التّصوّر البنيوي للّغة، الأمر الذي سيعيدنا إلى ما كانت تفرضه البلاغة من شروط لنجاح العملية التّخاطبية من: متكلّم، وسامع، وزمان ومكان، وملابسات أخرى، وفي الحقيقة هي عناصر لا تختلف كثيرا عمّا نادى به إميل بنفنيست فيما دعاه بالجهاز الصوري للتّلفّظ (أنا، أنت، هنا والآن…) التي تضمن نجاح التّواصل، والتي سبق وأن حدّدها القدماء في حديثهم عن الخطابة ومعالمها في أوساط العرب خاصتهم قبل عامّتهم.
والمنحى ذاته نجده في مسألة الأفعال الكلامية والاهتمام بها في العصر الحديث أي بما نصنعه بالكلمات من أشياء، وأقوال، وأفعال قد تميّز وجهة النّظر تجاه دراسة اللّغة، إذ حاول الباحثون والفلاسفة بالخصوص البحث داخل اللّغة وخارجها وعند الذّوات المتخاطبة، وما يحيط بها من ملابسات، وبذلك ننتقل من تداولية اللّغة إلى تداولية المخاطِب أو ما يسمى بالتّداولية التّخاطبية، التي تكمن مهمتها في تحديد مآل الأقوال ووظيفتها في التّواصل، وذلك ممّا يقتضي الاهتمام بالمقاصد المعلنة والخفيّة من وراء استعمال اللّغة (اللّغة، النّصوص…) في مقامات خطابية معيّنة. وعندما يكتمل العمل حول الذّات المتحدّثة، وما أسّسه أوستين حولها من أحكام مرتبطة بالأفعال المنوطة بها، فإنّه يأتي دور ما يسمّى بالتّداولية الحوارية، التي أخذت منحى الاهتمام بجانب التّلقي أي بالمخاطَب، الذي يتحمّل مهمّة فكّ شفرات اللّغة ومحاولة الكشف عن مقاصد المخاطِب الخفية قبل الظاهرة، والبلاغة العربية لم تتجاهل هذا العنصر الهام في التّخاطب وكانت معالمه واضحة عند الجاحظ بخاصّة مثلما أسلفنا الذّكر.
يمكن القول إنّ الدّرس اللّغوي العربي الحديث شهد تطوّرا في المفاهيم المرتبطة بالتّداولية، التي نُقلت من الغرب بمصطلحاتها الفلسفية واللّسانية، والحديث عن التّطوير يحيل إلى وجود تلك المفاهيم في التّفكير اللّغوي العربي وفي مدّونات متعدّدة مثل البيان والتبيين، ومفتاح العلوم، وأسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، وفي مدوّنات الأصوليين والفقهاء، الأمر الذي ساعد الباحثين العرب المحدثين على مدّ جسر المعرفة بين المكتشفات الاصطلاحية الغربية اللّسانية والفلسفية والاجتهادات العربية البلاغية، فنتج نوع من البحث بين مظاهر التّأصيل وآفاق التّطوير في المفاهيم ومنهجية الاشتغال على المدوّنات العربية التّراثية والمعاصرة بآليات حديثة وقديمة في الآن ذاته، ممّا خلق الامتداد المعرفي بين المعطيات البلاغية القديمة والتّداولية الحديثة في نقاط مشتركة متعدّدة مادامت مؤسّسة على التّواصل وممارسة اللّغة في سياق معيّن.
المراجع
– ابن منظور، لسان العرب: تح: عبد الله على الكبير وآخرين، طبعة جديدة محققة ومشكولة شكلا كاملا ومذيلة بفهارس مفصلة، دار المعارف، القاهرة، 1986.
– أبو الفتح عثمان ابن جني، الخصائص، تح: محمد على النجار، دار الكتب المصرية، مصر.
– أبو بشر عمرو (سيبويه)، الكتاب، المطبعة الكبرى الآمرية، ط1، مصر 1316هـ.
– أحمد بن فارس، متخير الألفاظ، تح: هلال ناجي، مطبعة المعارف، ط1، العراق، 1970.
– خليفة بوجادي، في اللسانيات التّداولية مع محاولة تأصيلية في الدّرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنّشر والتّوزيع، الجزائر 2009.
– خليفة بوجادي، في اللسانيات التداولية: مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة، الجزائر، 2008.
– دومنيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح في تحليل الخطاب، ط1، الدّار العربية للعلوم، ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر 2008.
– ذهبية حمو الحاج، لسانيات التلفظ وتداولية الخطاب، دار الأمل، الجزائر، 2005
– شيتر رحيمة، التداولية وآفاق التحليل، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ع2و3، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جوان 2008.
– مختار زواوي، دو سوسير من جديد، مدخل إلى اللّسانيات، ط1، ابن النديم للنّشر والتوزيع، وهران 2017.
– مسعود صحراوي، التّداولية عند العلماء العرب، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان 2005.
– ملاوي صلاح الدين، نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية، مجلّة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ع4، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جانفي 2009.
– Austin. J, Quand dire c’est faire, Traduction et introduction de Gille Lanes, Editions de Minuit, Paris 1970.
– Eluard. R, La pragmatique linguistique, Nathan Editeurs, Paris 1985.
– De Saussure. F, Ecris de linguistique générale .
– De Saussure. F, Cours de Linguistique générale, Editions Talantikit, Bejaia 2002.
([1])– مسعود صحراوي، التّداولية عند العلماء العرب، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان 2005.
([2]) خليفة بوجادي، في اللسانيات التّداولية مع محاولة تأصيلية في الدّرس العربي القديم، ط1، بيت الحكمة للنّشر والتّوزيع، الجزائر 2009.
([4]) Austin. J, Quand dire c’est faire, Traduction et introduction de Gille Lanes, Editions de Minuit, Paris 1970.
([6]) مختار زواوي، دو سوسير من جديد، مدخل إلى اللّسانيات، ط1، ابن النديم للنّشر والتوزيع، وهران 2017، ص 202.
([12]) – شيتر رحيمة، التداولية وآفاق التحليل، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ع2و3، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جوان 2008، ص5.
([13]) – دومنيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح في تحليل الخطاب، ط1، الدّار العربية للعلوم، ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت والجزائر 2008، ص42.
([23]) ملاوي صلاح الدين، نظرية الأفعال الكلامية في البلاغة العربية، مجلّة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ع4، جامعة محمد خيضر، بسكرة، جانفي 2009.