مصطلح العتبات في الدرس النقدي الحديث
The Term (Paratexts) In Modern Critical Studies
د. سهام حسن جواد السامرائي
الأستاذ المساعد بجامعة سامراء بالعراق
Assoc. Prof. Siham Hasan Gawad
Samara University, Iraq
E-mail: hassansiham37@gmail.com
بحث منشور في مجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول – العدد الأول أكتوبر 2020
لنسخة البحث pdf اضغط هنا
مقدمة:
لاشك أن لظهور
الدراسات اللسانية وتأثير المنهجيات النقدية الحديثة التي أفرزتها كشوفات جيرار
جينيت وبقية النقاد المحدثين الأثر الأبرز في تسليط الضوء على موضوعة العتبات، التي
لم تنل ولعهد قريب اهتماما من قبل النقاد والباحثين والدارسين الذين ظلوا يغلبون
المتن على ما يحيط به، فلا يعيرون اهتماما بوظائفها، ولا بطبيعة الصلة التي تنسجها
مع المتن النصي، لتصبح بعد ذلك بناء نصيًا متكاملاً له ميزاته وخصائصه الشكلية، ووظائفها
الدلالية التي لا تقل أهمية عن النص ذاته؛ إذ تم التركيز عليها بوصفها موجهات
خارجية تسهم مساهمة فاعلة في تشكيل وصناعة الخطاب الأدبي؛ ولما تحوز من أهمية
كبيرة كونها محطات تحقق مستويات من التفاعل، وإنتاج الدلالة في أثناء ممارسة الطقس
القرائي الجاد، لاسيما بعدما أصبح فعل القراءة والتلقي ممارسة أركيولوجية (حفرية)
في طبقات النص، وإعادة إنتاج له، من خلال استجابات فنية تحقق فعل التلقي في النص (حاتم
الصكر، 1993: 135).
فلم يعد بناء
المعنى (إسقاطًا للمفاهيم الذاتية التي يمتلكها المتلقي على بنية النص، كما هي
الحال في التأويل الانطباعي الكلاسيكي) (بشرى موسى صالح، 1999: 33)، بل باتت العلاقة
بين النص والقارئ علاقة تفاعلية، تهتم بالنص وما يحيط به من نصوص محاذية غير
ملتفته إلى خارج النص إلا من خلاله، وما يؤشره ويغذيه عند القارئ من تناصات، يكتشفها
فعل القراءة وحده ويعمل على رسم المنظومة الدلالية الجديدة للنص (ابراهيم مصطفى
الحمد، 2014:)، ومثلما حظيت العتبات بالقبول من النقاد حظيت بالقبول ذاته من
القراء؛ لأن وصفها يستوجب من الجانبين ((وعيًا مركبًا في استيعاب حجم الموجة
واشعاعاته الاعلامية، على النحو الذي يناسب مشروع النص الإبداعي وحمولاته الدلالية؛
لأنه بغير ذلك يتحول إلى زينة خارجية لا تضيف شيئًا، إن لم تنعكس سلبيًا على اقتراح
قراءتين، احدهما للموجه والأخرى للنص)) (محمد صابر عبيد، 2007: 68).
وأهمية العتبات
تتأتى على – ما يطلق عليه في فلسفة اللغة بـ ((القوة التأكيدية كأن ينقل معلومة (مثل
اسم المؤلف، تاريخ النشر)، أو غاية، أو شرحا (وظيفة التمهيد)، أو إقرار (مثل انتحال
لاسم أو عنوان)، أو التزاما (تحديد الجنس الأدبي مثل السيرة الذاتية التي تفرض
عقدًا من المصداقية). وكأنها تقوم بعملية تنظيم العلاقة بين النص والقارئ. بوصفها
خطابًا غير تابع بصورة أساسية، ومساعدًا مخصصًا لخدمة شيء آخر يشكل سبب وجوده الذي
هو النص، وتخصص هذه التبعية وظيفته بالتحديد)) (كرستين مونتالبيتي، 2001: 110-
111).
وقد أثبت
الاستقراء وجود هذه المكونات التي لا يخلوا منها اي عمل أدبي من هذه المكونات: اسم
مؤلف النص الذي غالبًا ما اقترن – في الثقافة العربية – اسمه بنصه بصيغة تعمل على
تجنيسهما معًا فيقال – على سبيل المثال – معلقة زهير، أو خطب هانئ بن قبيصة، أو
مقامات الحريري، ومن المكونات، عنوان النص سواء أكان مأخوذًا من مستهل النص –
الأمر الذي شاع في الشعر قديمًا – أم كان عنوانًا مستقلًا ببنيته وموضعه ووظيفته، ومنها:
بداية النص وخاتمته اللتان غالبًا ما قرنتهما القراءة العربية التراثية إلى بعضهما
وهذه المكونات لا يخفى أنها تحيط بالنص الأدبي وتشكل مراقي منتظمة يتم دخول النص
من خلالها مما شرعن تسميتها بـ (العتبات) (وداد هاتف وتوت، 2015: 5).
المصطلح الغربي
للعتبات:
ما قبل جينيت: الحقيقة
أن مصطلح العتبات قد تمت ملامسته من نقاد كثر في الحقل النقدي الغربي، بحثوا في
تمظهراته المفاهيمية وتجلياته المصطلحية، وإن لم يخصصوا له كتاباً كاملاً، ولم
يعنوا بتقسيماته، أو فهم مبادئه ووظائفه قبل أن تتوج في كتاب عتيات لجيرار جينيت.
وقد تمثلت
الإرهاصات السابقة في وجود بعض الملاحظات والاشارات السريعة للموضوع أكدت أهمية
وضرورة الاهتمام به كما في كتاب (المقدمات) لبورخيس؛إذ لاحظ أن الدراسات الأدبية
ما زالت تشتكي من نقص يتمثل في عدم ظهور قاعدة تقنية لدراسة المقدمات . (عبد الرزاق بلال، 2000: 24).
كما أن ميشيل
فوكو في كتابه حفريات المعرفة من الأوائل الذين أثاروا قضية العتبات يقول في معرض
حديثه عن حدود الكتاب ((حدود كتاب من الكتب ليست أبداً واضحة بما فيه الكفاية، وغير
متميزة بدقة. فخلف العنوان، والأسطر الأولى، والكلمات الأخيرة، وخلف بنيته الداخلية
وشكله الذي يضفي عليه نوعاً من الاستقلالية والتميز، ثمة منظومة من الإحالات إلى
كتب ونصوص وجمل أخرى…)). (ميشيل فوكوه، 1986: 23).
وتعرض ك. دوشي
في مقالته (من أجل سوسيو- نقد) التي نشرتها مجلة الأدب سنة 1971 لمصطلح المناص كونه
((منطقة مترددة… أي تجمع مجموعتين من السنن: سنن اجتماعي، في مظهرها الاشهاري، والسنن
المنتجة أو المنظمة للنص)) (عبد الحق بالعابد، 2008: 29)
كذلك نجد صدى
العتبات يتردد في كتاب compagnon A)))) حول الاقتباس(المسرحي)1979.
وهو بصدد تحديد مصطلح الكتابة المحيطة perigraphie)) كمنطقة
تواسط بين خارج النص والنص.(عبد الفتاح الحجمري: 1996، 47).
ومن الذين دعوا
إلى الاهتمام بالعتبات النصية أيضاً(لوسيان كولدمان) إذ دعا الدارسين والباحثين
الغربين إلى إيلائها أهمية بالغة في عملية دراسة النصوص، وأكد على العنوان بصفة
خاصة، ومدى تعالقه مع المتن النصي للرواية. (عبد الفتاح الحجمري: 1996، 47).
ولم يغب النص المحاذي
عن فكر جاك دريدا jacGqucs
Derrda ففي مقدمة كتابه Disseminanation la المعنونة: Hors-live hkwv انصرف للحديث عن
المقدمة الفلسفية، فهو يشير إلى أن البناء الفني والفكري والوظيفي والاهتمام
بالملفوظات والمستوى الأيديولوجي في المقدمة ووظائفها، (إذ يجدها وسيلة لتنبيه
المتلقي وتحفيزه للدخول إلى عالم النص.
كما اهتم ليو
هويك بالعتبات في طروحاته فهي (مجموعة من الدلائل اللسانية (…) يمكنها أن تثبت
في بداية النص، من أجل تعيينه والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور
المقصود)) (جميل حمداوي، 2008: صورة العنوان).
واتخذت مجموعة
من الباحثين في المجال الأدبي من العتبات النصية موضوعا لانشغالهم، حيث تشير
المصادر إلى أن جماعة مجلة (أدب) الفرنسية أصدرت عدداً خاصا محوره الرئيس كيفية
تحليل البيانات بوصفها خطاباً فقاربتها مقاربة لسانية وأيديولوجية، وكذلك فعلت جماعة
(الشعرية) في ثمانيات القرن الماضي، (عبد الرزاق بلال، 2000: 24- 25).
ما بعد جينيت:
بعد أن أصدر
جيرار جينيت كتابه عتبات الذي عد فيه العتبات جزء من التعالي النصي (عبد الحق
بالعابد، 2000: 24-25)، الذي بحثه في أنماط التلفظ والأجناس الأدبية إذ صنف التعالي
النصي إلى خمسة أصناف وهي (التناص، المناص، الميتناص، النص اللاحق، النص الجامع) (عبدالحق
بالعابد، 2008: 26)، والمناص هو ما نعني به العتبات والذي يرتبط بالنص الموازي، أي
ما يحيط بالنص paratext)) ويريد به فضاء النص من عنوان رئيسي وعنوان فرعي – أي
عنوان شارح – ولوحة غلاف ولوحات داخلية، ومقدمة وتصدير واستهلال وكل ما يتضمنه الكتاب
في جانبه الشكلي بما يجعل منه كتاباً (جيرار جينيت، نت أطراس)، أما القسم الأخر
فأطلق عليه جينيت(النص الفوقي) ويريد به كل ما يتعلق بالنص / الكتاب من الخارج
كالنقود التي تناولته بعد صدوره أو الاستجواب والشهادات والمراسلات مع المؤلف ول
التعليقات التي لا يرتبط زمن كتابها بزمن كتابة النص بل هي غالبا رديفة له وبينهما
فجوة زمنية على نحو ما (جيرار جينيت نت أطراس 10). ويتفرع بدوره النص الفوقي إلى
قسمين هما:
أ- النص الفوقي
النشري: Epitexte Edioriai وينضوي تحته (الاشهار، وقائمة المنشورات، والملحق الصحفي
لدار النشر…)
ب- النص الفوقي
التأليفي: E pitexte auctorial ويقسمه بدوره على قسمين هما:
النص الفوقي
العام (Epitexte public) ويتمثل في: اللقاءات الصحافية والاذاعية والتلفازية
التي تقام مع الكاتب، المناقشات والندوات التي تعقد على أعماله، إلى جانب
التعليقات الذاتية التي تكون من طرف الكاتب نفسه على كتبه.
النص الفوقي
الخاص: Epitexe prive وينضوي تحته: المراسلات، المسارات (confidances)، المذكرات الحميمة والنص القبلي (avant-texte)
فالنص الموازي
وفق رؤيا جيرار جينيت هو مزيج من النص المحيط + النص الفوقي. (عبد الحق بالعابد، 2008:
49- 50)
ويمكن تحديد سمات
النص المحيط حسبما هي عليه عند(جينيت) بما يأتي: (جاسم محمد جاسم خلف، 2007: 16).
1- أنه ضرورة
طباعية تتناول النص بوصفه كتاب مطبوعًا، أي أنه سمة المدون لا الشفاهي.
2- أنه مساعد
قرائي غايته فتح الأفق لدى المتلقي لكيفية الولوج إلى أغوار النص واستنطاقه قصد
الشروع في تأويله تأويلا فاعلًا.
أنه بلورة
مخصوصة وسعة لمفهوم التناص بالمعنى الكرستيفي ولابد أن تتم عملية تلقي النص، وموازية
على أساس معطيات نظرية التناص عن العلاقات الأربع الأخرى التي تبلورت حولها شعرية
جيرار جينيت في تفسيرها للواقعة النصية.
4- لا تقتصر هذه
العلاقة على العلامات اللغوية. بل تنشأ هذه العلاقة بين علامات لغوية وأخرى بصرية
أو غيرها (رسم – فوتغراف).
الحقيقة أن
دراسة جيرار جينيت لهذا المصطلح دفعت الكثير من النقاد والباحثين والدارسين لتناوله
بشكل موسع في أبحاثهم ودراساتهم وقد خصصت مجلة الشعريات / poetique له عددًا خاصًا(العدد
69، لشهر جانفي، 1987، فدرسته في مجالات عدة فلسفية وثقافية وبصرية… (عبد الحق
بالعابد، 2008، 35).
و من الكتاب
الذين تناولوا هذا المصطلح بتركيز عالٍ متناولين فيه الجانب التطبيقي ومركزين على
المناص النشر35ي أو مناص الناشر الذي لم يركز عليه جينيت كثيرا خاصة في بعده
التداولي (فيليب لان) في كتابه la
peripheie dut texe 1992
ومن الكتاب الذين
درسوا فيه حواشي النص من عناوين رئيسية وفرعية واستهلالات وبدايات عبد الحق رقام في
كتابه les marges du texe 1992 (عبد الحق بالعابد، 2008: 35)
المصطلح العربي
للعتبات:
تكشف القراءة
التاريخية على أن العتبات النصية لم تكن غائبة عن محور اهتمام أغلب الكتاب العرب، إذ
انتبه النقاد العرب القدامى أكثر من انتباهة لها لاسيما عتبة العنوان، إذ حظيت
بالصدارة منذ العصر الجاهلي، ففي كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (328هـ)
يورد إشارة تاريخية إلى أولية تدوين العنوان على المادة المدونة، فيقول: (وأما ختم
الكتاب وعنوانه فإن الكتب لم تزل مشهورة، غير معنونة، ولا مختومة، حتى كتبت صحيفة
المتلمس، فلما قرأها ختمت الكتب وعنونت، وكان يؤتى بالكتاب فيقول: من عنى به فسمى
عنوانا)) (ابن عبد ربه الأندلسي، 1962: 158). وهذا النص يشير إلى أن المدونات قبل
– صحيفة المتلمس – لم تكن تحمل عنوانات مباشرة أو حتى شفهية؛ وربما كانت بعض العنوانات
مدونة لكن العناية بالعنوان لم تكن أكثر من وضع المدونات في الإطار التصنيفي
لمضمونها (محمد عويس، 1998: 74).
ومن العتبات التي
اهتم بها الكتاب قديمًا التوقيعات والتي تعني ((اقتباس أو شعار قصير في صدر كتاب
أو فصل منه له صلة بموضوعه)) (مجدي وهبة وكامل المهندس، 1984). وقد جعلوها أنواعًا
متعددة فمن ذلك التوقيعات التي تكون عبارة عن جملة كما ورد في خبر عن أحدهم ((رفع
إلى الصاحب رقعة يذكر أن بعض اعدائه يدخل داره فيسترق السمع، فوقع الصاحب فيها: دارنا
هذه خان، يدخلها من وفى ومن خان)) (عبد الرزاق بلال، 2000: 30) ومن التوقيعات ما
يكون بالآية القرآنية أو البيت الشعري. (ومن التوقيعات ما يوجد منقوشا على مبنى
معماري أو متحف أثري أو معلمة حضارية (عبد الرزاق بلال، 2000: 3). ومن العتبات
التي اهتم بها العرب قديما ما ذكره الجاحظ من أن العرب قديمًا كانوا لا يرضون
بالكتاب إلا إذا كان مختومًا يقول: ((وقد يكتب بعض من له مرتبة في سلطان أو ديانة
إلى بعض من يشاكله، أو يجري مجراه، فلا يرضى بالكتاب حتى يخزمه ويختمه، وربما لم
يرض بذلك حتى يعنونه ويعظمه)) (الجاحظ، 1/78) يثبت هذا النص عن وجود مكونين من
مكونات العتبات وهما الختم والعنوان. (عبد الرزاق بلال، 20000: 3)، للتوسع ينظر: (سهام
حسن جواد السامرائي، 1913: 20-26).
مقولات المحدثين عن العتبات:
إن المتتبع
للدرس النقدي العربي يجد اختلافا وتباينًا واضحًا في ترجمة المصطلح (paratexte). وذلك متأت –ربما- من سببين-: (جاسم
محمد جاسم، 2008: 11-12).
الأول: ضيق
المصطلح في التعبير عن الفكرة التي يريدها (جينيت) نفسه مما ألجأه إلى نحت المصطلح
من مقطعين (para) وهي بادئة تعني موازة الشيء ومرافقته و (texte) وتعني النص،
وقد أبدى (جينيت) تبرمه من أزمة المصطلح التي يعيشها الواقع النقدي بعامه إذ يقول
– جامعا بين الجد والسخرية – لقد حان الوقت لوجود مفوض (commissaire) لجمهورية
الأدب حتى يفرض علينا مصطلحات متماسكة ومن هذا السبب ينشأ السبب الثاني.
الثاني: التفاوت
في الأفق الترجمي عند المترجمين العرب في التعامل مع المصطلح الأمر الذي أوجد عدة
ترجمات أدت إلى التفاوت في استخدامه فنجد المصطلحات (النص الموازي، المناص، المناصة،
مرافقات النص،..الخ) كلها قابلة لأن تعني ما أراده واضع المصطلح.
فعبد المالك
أشهبون يطلق على مصطلح (paratext) لفظة النص المحاذي محاولة منه
لإعادة تعريفه، إذ يجد أن ما هو سائد في المعطى النقدي مع مصطلح (paratext) هو عدم الدقة في تحديد هذا المفهوم، بمعنى آخر أن بعض الباحثين
لا يحددون المقصود من النص المحاذي: أهو النص المحيط (paritexte) أم النص
اللاحق (Epitxte)؟ فثمة فرق جوهري بين المصطلحين إذ يشير الأول ((إلى مجموع
المعطيات التي تسيج النص وتحميه وتدافع عنه وتميزه عن غيره وتعين موقعه في جنسه، وتحث
القارئ على اقتنائه، وهي العناوين، والمقتبسات والاهداء والايقونات وأسماء
المؤلفين والناشرين…)) (جيرار جينيت خطاب الحكاية، 1997:، 15)، فيما يشير الثاني
إلى ((كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب فتكون متعلقة في فلكه، كالاستجوابات، والمراسلات
الخاصة، والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات…الخ) (عبد الحق بالعابد، 2008: 50)، ثم
يذكر بعد ذلك قسمًا من الترجمات الرائجة في السوق النقدي منها (مرفقات النص)، (النص
الملحق)، (النص المصاحب)… ويذكر أن أغلب هذه الترجمات يحاول الناقد منها تقريب
مفهوم هذا المصطلح إلى القارئ بوصفه نصًا محيطًا فوقيًا وهو ما يوقع الكثير في آفة
الخلط وعدم الدقة في الفصل بين العتبة / المحيط وبين النص اللاحق على الرغم من أن
لكل منهما موقعه الخاص به، ووظائفه وسياقاته التداولية.(عبد المالك أشهبون، 2009: 39).
ويقترح ترجم
الملفوظات الاصطلاحية إلى: (Paratexte، وPeritexte، وEpitexte) (عبد المالك أشهبون، 2009: 36)، وممن وقع في هذا الخلط (عبد الرزاق
بلال) إذ آثر استخدامه بلفظه الأجنبي في مقدمة كتابه وأنه كان يفهم أنه يميل إلى
مصطلح (العتبات) أكثر من ميله إلى مصطلح النص الموازي خاصة وأنه عنون كتابه بـ(مدخل
إلى عتبات النص) وهذا ما جعله لا يفرق بين النص المحيط الذي هو (العتبات النصية) وبين
النص الموازي الذي هو أعم منه على اعتبار أن الأول جزء من الثاني. (جاسم محمد جاسم،
2008: 14)
فيما يقف (بلقاسم
خالد) وقفة متأنية مع ترجمة المصطلح ينبه فيها إلى ضرورة توخي الدقة في التعامل
معه، يقول ((تبدو لنا ترجمة مصطلح paratexte بالنص الموازي
غير مقنعة لان التوازي لا يتضمن التداخل أو التعارض. ثم أن تناول (جينيت) للمفهوم
ضمن قرأته للعتبات يرجح هذا الزعم، فالعتبة seuiles واصل بين الداخل والخارج فيما هي فاصل بينهما [ في ذات
الوقت ] ومن هنا قد يكون مصطلح البرزخ – بمعنى ابن عربي – مسعفًا في اعادة بناء ترجمة
المصطلح)) (بالقاسم خالد، 1997: 765).
ويضيف موضحًا ((هذا
الوعي ببرزخية النص الموازي هو ما يجنبنا منزلق ادعاء الاتحاد بينه وبين الممارسة
النصية نسترشد بذلك مما نص عليه (ج – هيلس ميلر) في تحديده لمعنى البادئة para)) إذ يرى
أنها متعارضة تعني في الوقت ذاته القرب والبعد، والبرانية والجوانية والتشابه
والاختلاف)) (بالقاسم خالد، 1997: 14).
أما(غسان السيد
ووائل بركات) فيترجمون المصطلح (paratexte) بـ (مرافقات
النص) ويرى الكاتب جاسم محمد جاسم أن ترجمته بـ (مرافقات النص) تظهر تركيزهما على
الجانب الطباعي / المكاني لما يعنيه المصطلح وهذا جانب مهم من جوانب ما يصبوا إليه
(جينيت) من المصطلح إلا أنه يمكن أن يفهم من (مرافقات النص) بوصفها مصطلحًا يحمل
دلالة الالزام بحيث يراد أن لكل نص مرافقاته التي لا يستوي بدونها نصًا، وهذا
يتعارض مع الواقع النصوصي الذي لا يشترط وجود هذه المرافقات دائمًا. (جاسم محمد
جاسم، 2017: 13)
ويطلق جميل
حمداوي على مصطلح paratxit)) مصطلح النص الموازي ويقسمه
على قسمين:
–
النص الموازي الداخلي (pfharatext) ويعرفه بأنه: عبارة عن ملحقات
نصية، وعتبات تتصل بالنص مباشرة، ويشمل ما ورد محيطًا بالكتاب كله من الغلاف، والمؤلف،
والعنوان والاهداء والمقتبسات، والمقدمات، والهوامش وغير ذلك.
2- النص
الموازي الخارجي Epitexe)) أو الرديف أو النص العمومي
المصاحب ويعرفه بأنه: كل نص من غير النوع الأول مما يكون بينه وبين الكتاب بعد
فضائي وفي أحيان كثيرة زماني أيضًا، ويحمل صبغة اعلامية مثل الاستجوابات والمذكرات
والشهادات والاعلانات.. كأن يكون منشورًا بالجرائد والمجلات وبرامج اذاعية ولقاءات
وندوات (جميل حمداوي، لماذا النص الموازي نت).
ويعطي بعد ذلك
تعريفًا شاملًا له قائًلا إن النص الموازي ((عبارة عن عتبات مباشرة، وملحقات
وعناصر تحيط بالنص سواء من الداخل أم من الخارج، وهي تتحدث مباشرة أو غير مباشرة
عن النص، إذ تفسره وتضيء جوانبه الغامضة، وتبعد عنه التباساته وما أشكل على القارئ.
وتشكل العناصر الموازية في الحقيقة نصوصًا مستقلة فالخطاب المقدماتي ما هو في
الحقيقة إلا نص مستقل بذاته له بنيته الخاصة ودلالات متعددة ووظائف كما يرد
العنوان في شكل صغير، ويختزل نصًا كبيرًا عبرا التكثيف والايحاء والترميز والتلخيص.
وهكذا تشكل الملحقات المجاورة للنص، المؤلف، الجنس، المقدمات العناوين، الحوارات..الخ
نصوصًا مستقلة مجاورة وموازية للنص)) (جميل حمداوي، نت).
على الرغم من
اختلاف وتباين وجهات النظر في ترجمة المصطلح عند النقاد العرب إلا أن مصطلح (النص
الموازي) قد حظي بشبه اجماع ليدل على عالم النصوص والخطابات التي يتعالق معها
العمل الأدبي (النص الفوقي) وكذلك على (النص المحيط) أي العنوان الرئيسي والعناوين
الداخلية ولوحة الغلاف والاهداءات والمقدمات النقدية وكل ما يتآزر مع بعضه في
اضفاء الكينونة المادية على العمل الأدبي بحيث يتمظهر على شكل كتاب تتآزر مكوناته
في تجسيد شعريته (جاسم محمد جاسم، 2007: 14-15).
تأسيسًا على ما
ذكر فالنص الموازي بقسميه (المحيط واللاحق) تشكل نقاط تماس أساسيه للتأثير على
الجمهور الجاهز لتأمين استقبال (Accueil) لائق بالنص،
والعمل على توجيهه نحو قراءة أكثر ملاءمة. إلا أن ما هو متفق عليه، هو أن هذه
العتبات والنصوص تحيط بالنص وتصاحبه، وتعطيه مداه وشكله الحضوري؛ لأنها تؤكد حضوره
في العالم، وتدعم تلقيه واستهلاكه في شكل ما يُعرف الآن باسم الكتاب (عبد المالك
أشهبون، 2009: 41).
الخاتمة
–
تبين أن أول من أثار قضية النص المحيط (العتبات) هو
ميشيل فوكو في كتابه حفريات المعرفة، إلا أن دراسة جيرار جينيت أهم الدراسات
العلمية الممنهجة في مقاربتها للعتبات فهو أول من أرسى دعائمها، وأدرجها ضمن ما
أصُطلح عليه بالمناص.
–
مفهوم العتبات الاصطلاحي مفهوم مفتوح لا يمكن التوقف عند
عتبات معينة أو محددة. لأن أنساقها تحتمل التعدد والتنوع.
–
كشف البحث عن أن مصطلح العتبات لم يكن غائبا عن محور
اهتمام النقاد العرب القدامى والمحدثين؛ بل كان موضع احتفاء وعناية كبيرة منهم، فالتطورات
النقدية المتسارعة في المؤسسة النقدية العالمية دفعت الناقد العربي إلى محاولة
اللحاق بعجلة التطور النقدي.
–
أغلب مواقف النقاد العرب كانت مؤيدة بشدة للعتبات
وموافقة لآراء جيرار جينيت، إذ عدوها نصوصًا قادرة على انتاج دلالة خاصة بها، من
خلال تفاعلها مع المتن النصي.
–
العتبات النصية أو(النص المحيط) أصبح موضع عناية وتركيز على
المستوى الانشائي والمستوى النقدي إذ لم يعده العمل فيه مجرد هيكلية اطارية مفرغة من
اي محتوى؛ بل أصبح يشكل أهمية لا تقل عن أهمية المتن ذاته.
–
أثبت البحث أن العتبات تسهم مساهمة فاعلة في صناعة
الخطاب بوصفها موجهات خارجية.
المصادر والمراجع:
1-
ابن عبد ربه الأندلسي (328هـ)، العقد الفريد تحقيق أحمد أمين
وصحبه، (د. ط) مصر، 1962.
2-
إبراهيم مصطفى الحمد، قضايا الفن الروائي عند صبحي فحماوي،
ط1، 2014.
3-
بلقاسم خالد، أدونيس والخطاب الصوفي، مجلة فصول ع2، مج16،
سنة 1997.
4-
بشرى موسى صالح،
نظرية التلقي – أصول وتطبيقات، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1999.
5-
جيرار جينيت، أطراس، الأدب في الدرجة الثانية –، ترجمة
المختار حسني، نت.
6-
الجاحظ، عمرو بن بحر، بن محبوب الكناني، الحيوان، دار الكتب
العلمية، بيروت، 1424ه، ط2.
7-
جيرار جينيت، خطاب الحكاية – بحث في المنهج، ترجمة، محمد
معتصم وآخرون، المجلس الأعلى للثقافة، 1997.
8-
جاسم محمد جاسم، العتبات النصية في شعر عبد الوهاب البياتي
ونزار قباني، اطروحة دكتوراه، جامعة الموصل، كلية التربية 20007.
9-
جميل حمداوي صورة العنوان في الرواية العربية، مجلة أقلام
الثقافية، عدد شهر يوليو 2008.
10-
حاتم الصكر، ما لا تؤديه الصدفة، لبنان، ط1، 1993.
11-
عبد الرزاق بلال، دراسة في مقدمات النقد العربي القديم، ط1،
بيروت – لبنان، 2000م.
12-
عبد الفتاح الحجمري،
عتبات النص – البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996.
13-
عبد المالك أشهبون عتبات الكتابة في الرواية العربية، ط1،
دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سوريا، 2009م.
14-
عبد الفتاح الحجمري عتبات النص – البنية والدلالة، منشورات
الرابطة، الدار البيضاء، 1996، 47
15-
العتبات النصية في رواية الأجيال العربي، د. سهام حسن جواد
السامرائي، ط1، دار شرفات، الموصل، 2013.
16-
كرستين مونتالبيتي، جيرار جينيت – نحو شعرية منفتحة، ترجمة
غسان السيد ووائل بركات، الجمعية التعاونية للطباعة، توزيع دار الرحاب، ط1، 2001م.
17-
محمد عويس العنوان في الأدب العربي النشأة والتطور، ط1، مكتبة
الانجلو مصرية، القاهرة، 1998.
18-
مجدي وهبة وكامل المهندس معجم المصطلحات العربية في
اللغة والأدب، المهندس. ط2، مكتبة لبنان، بيروت، 1984.
19-
محمد صابر عبيد،
المغامرة الجمالية للنص الشعري، د، دار الكتب الحديث، اربد، دار جدار للكتاب العالمي،
عمان ط1، 2007.
20-
ميشيل فوكوه، حفريات
المعرفة، ترجمة، سالم يفوت، ط1، الدار البيضاء، 198.
21-
محمد عويس، العنوان في الأدب العربي النشأة والتطور، ط1،
مكتبة الانجلو مص 2015 رية، القاهرة، 1998.
22-
وداد هاتف وتوت، العتبات النصية المحيطة في أعمال صنع الله
إبراهيم الروائية وتوت، ط1، الشؤون الثقافية العامة، بغداد.