سيميولوجيا الصورة الإشهارية ودينامية التأويل

The Semiology of the Advertising İmageand the Dynamics of Interpretation

Reklam Görselinin Semiyolojisi ve Yorumun Dinamikleri

د. مصطفى حفاظ

Dr. Mustapha Haffad

أستاذ باحث في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، المغرب

Assistant Professor, University Sidi Mouhamed Ben Abdellah, Morocco.

Sidi Mouhamed Ben Abdellah Üniversitesi, Fas

البريد الإلكتروني: haffad.mustapha@gmail.com

معرف (أوركيد): 0000-0002-2044-5379

 

بحث منشور بمجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول- العدد الثاني – ديسمبر 2020

PDF اضغط هنا لنسخة البحث

 

الملخص:

يحاول هذا المقال أن يرصد بعمق أهمية الصورة وما تعُج به من علامات لامتناهية تشتغل وفق كون من السيرورات الدلالية، يكون فيها الفعل التأويلي محكوما بمرجعيات تغني الفعل التدليلي، بصفته مظهرا مُهما لمفهوم السيميوزيس البيرسي، وهذا ما يُثبت أن الانتقال من مؤول إلى آخر يكسب الصورة أو العلامة معانٍ لا حصر لها فيمنحها بذلك سلطة هائلة تجعلها تقول ما لم تتعود قوله.

وإذا سَلَّمْنَا بانتماء الفعل الإشهاري لنظرية الاتصال، فإننا لا بد من عَقْدِ صِلَةٍ وطيدةٍ بينه وبين الأنساق اللسانية وغير اللسانية بمكوناتها البصرية الأيقونية، وباتخاذه من هذه الازدواجية أدَاةً إبلاغية يظل الخطاب الإشهاري ثمرة من ثمرات علوم الإعلام والاتصال ورافدا من روافد العلوم الإنسانية والحقول المعرفية، ومُخْتَصَرُ ثَوابت الإشهار هو إنجاز الرسائل بما يُماثِلُ إنجاز العبارات اللغوية، لخدمة أهداف اقتصادية وسياسية وأحيانا أيديولوجية، مستندا في ذلك إلى استراتيجيات محكمة في توصيل المعلومات على شكل إلحاحات مدعمة بوسائل وآليات إقناعية موسومة بخصائص ثقافية أنثروبولوجية.

الكلمات المفتاحية:

الصورة الإشهارية، الدلالة، التداول، السيميولوجيا، التأويل.

 

 :Abstract

This article attempts to analyze in depth the advertising image between interpretation and semiology.  It aims at unveiling different mental processes that trigger the performance act of the customer. Therefore, the focus of the study is on the image as an authority which contains colors, forms, language… since the contemporary advertising discourse has become a laboratory of various fields of knowledge, for instance, computer science, physics, infography and economics. Thus, the objectives of the research are the following: a). highlighting the significant role of cognitive science in clarifying the mental operations while receiving the message of the advertisement. b). identifying neural activities and various important human behaviors. c). exposing the areas which control and explain linguistic and non-linguistic operations in the brain. The research has resulted in unveiling the role of contemporary methods in apprehending the advertising discourses without overlooking the semantic method as a scientific theory for discourse analysis.

Keywords:

The advertising image, semantics, pragmatics, semiology, interpretation.

:Özet

Bu çalışma, görseli ve içerdiği anlamsal süreçlerdeki, bir evrene göre çalışan sonsuz işaretleri derinden gözlemlemeye çalışıyor. Bu anlamsal süreçlerin içinde yorum eylemi, semiyoloji kavramının önemli bir yönü olması itibariyle anlamsal eylemi zenginleştiren referanslara mahkum olur. Bu yorumlayıcıdan diğerine geçişte  görselin veya işaretin sınırı olmayan anlamlar kazandığını ispatlamaktadır. Böylece bu ona, söylemeye alışık olmadığı şeyleri söylemesi için muazzam bir güç verir.

Reklam eyleminin iletişim teorisine ait olduğunu kabul edersek, bu eylem ile dilbilimsel olan ve olmayan sistemler arasında ikonik görsel bileşenleri ile yakın bir bağlantı kurmamız gerekir. Bu birleşimi bir bilgilendirme aracı olarak alırsak, reklam hitabı, iletişim ve reklam bilimleri arasında bir meyve ve insan bilimleriyle bilişsel alanlar arasındaki kollardan biri olarak kalır. Reklam değerlerinin özeti, iktisadi, siyasi ve bazen ideoloik hedeflere hizmet etmek için dilbilimsel ifadelerin tamamlanmasına benzer bir şekilde mesajların elde edilmesidir. Buna dayanarak, antropolojik kültürel özelliklerle işaretlenmiş araçlarla ve ikna edici mekanizmalarla desteklenen baskılar şeklinde bilgi iletişiminde sağlam stratejiler vardır. 

:Anahtar Kelimeler

Reklam Görseli, Anlam, Edimbilim, Göstergebilim, Yorum.

تقديم:

تُمثِّل الصورة ضمن مجتمعنا الحديث؛ نظاما تمثيليا تلعب عبر سلطتها دور الوساطة، إذ يكاد النسق اللساني يقتصر على المخاطبات الإدارية وعلى الطباعة والنسخ، إلى درجة قلَّت فيها القراءة، بحيث يكفينا أن نتابع الكَسَادَ المهول لمبيعات الكتب، وارتفاع مبيعات المجلات والدوريات التي تحمل بين ثنياها الصورة وما تَسْتَنْجِد به من تسلية وترفيه.

يذهب كريستيان ميتز  (Christien Metz)إلى “أن الصورةَ امبراطورية مستقلة أو علما قد يستغني عن التواصل مع ما يحيط به”([1]). ويقصد بقوله؛ أن ما يميز نسقها الأيقوني هو تأسيسها لأنظمة دلائلية متعددة لا يمكن المسك بناصيتها دون الغوص مليا بجانبها الثقافي، والانتقال من دلالتها التضمينية إلى التقريرية.

 وحسب منظور كوتي : (Gautier) “فالصورة لعبة تمويهية اسْتيهَامية حاملة لبصمات قوية لأصولها الفردية والتاريخية”([2])، إذ إِنَّ الصورةَ على هذا المنحى قد تُضْمِرُ أكثر مما تُفصح.

إن الرأي الغالب؛ كون الصورة أداة لإثراء اللغة لا أن تحل محلها، لكن مع التطور التكنولوجي اللافت أصبحت الكلمات مصاحبة للصور في شكل عناوين فرعية تُعين متلقيها على فك شفرة معناها.

1.الصورة الإشهارية بين الإدراك والدلالة:

بما أن الصورة الإشهارية هي نص تتحكم فيه عدة محددات انطلاقا من قصديات توجد خارجه، فإن وظيفة الأساليب البلاغية المستعملة هي الإقناع وخلق الرغبة والإثارة لدى المتفرجين، ودفعهم للحلم بعوالم متخيله يخوض فيها المخاطب ليلبي أشياء يصعب الوصول إليها في العالم الحقيقي، فالإشهار يستند لبناء هويته الحجاجية إلى مجموعة من الصيغ والسبل الهادفة لإقناع المرسل إليه ودفعه لإنجاز فعل الشراء([3]). فالصورة الإشهارية إذن، هي مجموعة من التمثيلات الحاملة في خضمها تقنيات بلاغية ” فإذا كان للإشهار هدف ثقافي فهو يعود لصفاء وغنى بنيته البلاغية بما يجب، ليس لما يمكن أن يحمله معه من معلومات صحيحة لكن لجزئه المتخيل” ([4]).

يتبين على أن الصورة الإشهارية هي إبحار في عوالم متخيلة وليست حقيقية، وسبب تأثيرها على الآخر هو استعمالها لأساليب بالغة في الإقناع سواء كانت لغتها تقريرية أو مضمرة الدلالات، استنادا إلى ذلك فإن تنوع العلاقات بين ما هو مرئي وما هو مدرك، هو ما يغني الفعل التأويلي، ويفتح أفق انتظار المخاطب.

إن إدراك الصورة (الموضوع) حسب بيرس (Peirce) لا يستقيم إلا بوجود مؤول باعتباره خزانا للأفكار، كما أن الدلالة لا تتشكل إلا بتفاعلها بمؤول يثيرها، وبذلك فالوجوه البلاغية هي وجوه تستثمرها الجهة الباثة بأبعادها اللسانية من لغة وأيقونات من أجل الحجاج والإقناع.

2.المعنى والإدراك داخل الصورة:

تعد الصورة كيانا تمثيليا يتشكل من خلال تجميع وتوليف مقاطع وأجزاء فيما بينها، من أجل صياغة وتشكيل بنيات تعبيرية تامة لها ما يُعادلها على مستوى المحتوى. فالصورة نص –وككل نص- لا يدرك ولا يؤول إلا من خلال قابلية تمفصله إلى مقاطع ووحدات، يقود التركيب الخاص بينها إلى هذا الكون الدلالي أو ذاك، فقوة الإبلاغ البصري – من خلال الصورة – تكمن أساسا في القدرة على الجمع والتوليف بين أنساق وسجلات متباينة الخصائص والمرجعيات، داخل خطاب موحد منسجم ومتنوع المضامين والدلالات.

إن تحديد معاني الصورة وإعادة بناء قصديتها مرهون بالكشف -داخلها- عن أشكال التركيب والتنظيم الخاص الذي تخضع له مختلف وحداتها وعلاماتها التعبيرية. فالتمييز بين مختلف المستويات المشكلة لخطاب الصورة، سيشكل خطوة إجرائية أساسية ستمكننا من الوقوف على أشكال البناء الدلالي لمنطق الإحالة البصرية. كون الصورة سيميولوجيا هي تركيب خاص يعود لوحدات وعناصر التمثيل الأيقوني من جهة، ويعود لنمط البناء التشكيلي من جهة أخرى، علما أن ” الحدود الدقيقة بين التصويري وغير التصويري من الصعب تحديدها علميا”([5]) إنها تمثيل لموضوعات اعتمادا على مكوناتها المختلفة، ببعديها الإدراكي والجمالي، وذلك راجع لخطابها المركب الجامع بين اللغة البصرية واللغة الطبيعية، حيث تتراكب الأقوال اللغوية والبصرية.  الأمر الذي يضعنا أمام المستويات التالية:([6])

  • مستوى لغوي
  • مستوى تشكيلي
  • مستوى أيقوني يتشكل من موضوعات ذات بعد سوسيو ثقافي.

إن تشاكل هذه المستويات يساهم في بناء معنى الصورة ودلالتها، اعتمادا على اشتغال الأقوال والأيقونات محققة بذلك آلية في إقناع المتلقي بموضوع الصورة.

3.الصورة وبناء الدلالة:

لا يمكن الحديث عن الصورة الإشهارية بعيدا عن العلامة البصرية لأنها محدد من محددات التدليل المرتبط بالثقافة وبنوع الأنموذج الاجتماعي، وهذا ما يجعل مستويات الدلالة في الصورة الإشهارية تشوبها مجموعة من التداخلات الدلالية وذلك راجع لوظيفتها التعيينية لكونها مضمون بصري أيقوني ولغوي لساني، حامل لمعنى ولواقعة إبلاغية “تمت بلورتها داخل إطار تتداخل فيه أسنن متنوعة منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي، الخ”([7]) ومن هنا تظهر صعوبة حصر معنى الصورة لأنه يدخل في تحديد معناها مجموعة من العوامل والمحددات.

بناء على هذا التصور؛ فالصورة تشتغل كسنن مشكل من علامات ممتلئة، إذ إنه لا يمكن إدراك ما تحمله من دلالة، إلا ضمن نظام كلي، كونها لا ترتبط بما هو خارج عنها، لكن الأمر متعلق بربط وتحديد انتماء كل عنصر منها إلى النسق الذي يدل داخله، وهنا تظهر أهمية الدال والمدلول في تحديد المعنى.

فمحور الرسالة أو موضوعها هو: العالم الحقيقي أو الخيالي، ويتجلى ذلك في المسار الذي يسلكه المستقبل في الفهم وهو كما رسمه بويتنيbouitny([8]).

تأسيسا على هذا؛ تبقى الصورة الإشهارية أداة للتعبير والتواصل بنسقيها اللساني وغير اللساني، مادامت تنتج عدة إرساليات إبلاغية يستفيد منه المستقبل  ( المحتمل) وداخل مقام محدد؛ وهذا ما يرسم لذات التلقي انتظاراتها وآفاقها التأويلية. انطلاقا من السياق الحامل لخصائص ومحددات ثقافية، يمتلك الطرف المستقبل عدة تسنينات لولوج عالم الصورة، وتأويلها وفك تسنيناتها المتنوعة([9])”واللعب بالسياق يمكن أن يكون الطريقة المثلى لتكسير أفق انتظار المتلقي بمفاجأته بصدمه أوبالسخرية منه”([10]).

بهذا نجد أن للسياق أثر ا كبير ا على سلوك المستقبلين لأنه يستهوي مشاعرهم ويلهي أفكارهم، وقد يتنوع سياق الإشهار؛ وفي تنوعه قد يصاب المخاطب بصدمة قد تتعلق بثمن المنتوج أو بعواقبه، وقد يسخر منه ويستغل وقته لأنه كما يقول كورني(Cornu)  يمتلك السلطة بواسطة المال ووسائط التواصل وبذلك سيتم إثقال معسكر الباث بشكل واضح ( معلن + وسائط التواصل +إشهار) حيث تعود السلطة للمشهر ( المعلن)([11]).

يتبين هذا من خلال ذلك الفاصل الذي يفصل فلما ما؛ أو مقابلة رياضية؛ فتأتي الوصلة الإشهارية لتشد أنظار وأحاسيس الآخر بطريقة غير مباشرة.  وتماشيا مع هذا السياق اقترح إيكو) Eco  (Umbertoثلاثة مستويات من التسنين لفهم الدال الأيقوني أو العلامة البصرية داخل الصورة الإشهارية:

أ – التسنين الإيقوني: ويتعلق الأمر هنا بتلك الترجمة الذهنية بعد العملية الإدراكية للدال اللفظي وتحويله إلى دال بصري له شكله وبنيته في الواقع أو بعبارة أخرى إعطاء اللفظ مضمونه، أو كما يقول الجرجاني اللفظ كالجسد والمعنى كالروح([12]).

ب- التسنين الإيقونوغرافي: وهو مجموع التمثيلات البصرية التي تلبس للفظ مدلولا مُسننا بالتعاقد الاجتماعي، مثلا عند ذكر لفظة “السلام” يمثل للذهن فوريا “طائر الحمام”، وبهذا نلبس السلام بنية وشكل الحمام، “ويشتمل إما على تشكيل صوري ذي صبغة تاريخية” عصابة سوداء” على العين تعني قرصان، الشخص المصلوب الذي يحيل على المسيح، وإما على تشكيل بصري مرتبط بحقل الإشهار ذاته([13]).

ج – أما المستوى الثالث: يعود إلى حقل البلاغة “أي” إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ([14])؛ أي محاولة التعبير بطرق يستهويها العقل ويجدها سهلة من حيث الفهمُ والإدراك.

أو كما جاء في أسرار البلاغة للجرجاني، تأدية المعاني التي تقوم بالنفس تامة على وجه يكون أقرب إلى القبول وأدعى إلى التأثير في صورتها وأجراس كلمها بعذوبة النطق وسهولة اللفظ والإلقاء والخفة على السمع([15])، ويتجلى هنا دور البلاغة في الجمالية التي يلبسها اللفظ قصد التأثير في المستمعين.

4.الصورة وعمليات الإدراك:

تبقى بنية الصورة بنية مزدوجة مشكلة من وجهين:

  • الوجه المادي المرئي؛ وهو المحدد الرئيس من خلال الوحدات الطباعية وانطلاقا من تسنين سابق، باعتباره المنطلق الإدراكي وهو ما يشكل كذلك مستوى التعبير([16]).
  • الوجه الذهني المجرد؛ وهو تدعيم للمستوى الأول، ويشكل انطلاقا من مجموع الأحاسيس والقيم المجردة أو هي خَرْج للدال (المدلولات) وتتشكل انطلاقا من المستوى الأول الفيزيائي عندما يخرج الصوت من جهة المتكلم عبر الهواء مخترقا مدخلات (Input)المستمعين، -وهي المنطقة السمعية المدركة للأصوات- إلى منطقة فيرنيكي(Wernicke) وصولا إلى منطقة بروكا (Broca) المسؤولة عن الإنتاج ونمثل لها بالخطاطة التالية:

المثال (1): السيرورة الذهنية أثناء عمليتي الفهم والإنتاج

 استنادا إلى هذا القول؛ فالصورة ملفوظ بصري بالغ التركيب والتداخل، لذا فدلالتها ومعناها هو حصيلة اتساق واندماج مجموعة من المكونات والطبقات قصد الإمساك بناصيتها وإعادة بناء قصديتها على نحو مقبول.

 تبقى دراسة الصورة وفهمها فهما صحيحا مرتبطة بنوع المؤول؛ فقد يختلف تأويلها من شخص لآخر لأنها تحمل في خضمها مجموعة من الإيماءات والإيحاءات المتجلية في الألوان ونوعية الصورة، وقد يكون تأويلها أيضا مرتبط بثقافة معينة؛  لأن مدلوله نتاج تأليف لمجموعة من المدلولات، من حيث إن هناك فرقاً بين الجلوس على كرسي  والجلوس على أريكة؛ فالكرسي خاص في غالب الأوقات بالعمل، أما الأريكة فالراحة، والضوء الخافت على عكس الضوء الساطع يريح الأعصاب ويهدئها  والجريدة تختلف عن الكتاب، فالكتاب يوحي بالجدية أما الجريدة فهي لتزجية الوقت.([17])

من هذه الزاوية، فمعنى الصورة الإشهارية ليس موجودا في الواقع الخارجي، لكن تنظيمها وتشكيل أبنيتها هو الذي يولد المعنى.

لا يمكن للصورة أن تتحول إلى نص إلا من خلال عملية انتقاء مزدوجة؛ انتقاء العناصر التي يجب أن تظهر في الصورة، وانتقاء العناصر التي يجب أن تختفي منها([18])؛ أي اختيار ما يمكن أن يُسهم في تكوين النص، وكذلك ما يحضر داخل الصورة، بمعنى أن الصورة وليدة الإدراك البصري أو ما يسمى بـ”الذاكرة المرئية  (visual memory)فلا شيء موجود خارج دائرة النظرة، ولاشيء له دلالة خارج ميكانيزمات التفاعل بينها وبين ما هو موضوع للنظر. لذا فإن التفاعل بين “النظرة ” و”بين” معطيات التجربة الواقعية هو وحده الكفيل بتحويل الإدراك البصري إلى نموذج([19])، فالنظرة هي المحرك الأساس للمعنى، فبعد الإدراك يأتي الفهم لأنه هو المنتج لكل زوايا الرؤية. فكل شيء وكل وضعية تدخل إلى الصورة باعتبارها موقعا داخل نسقها الأصلي الذي يولد دلالتها. ويبقى المعنى نتيجة اختراق إنساني لعالم الأشياء.

فالاستعمالات الرمزية والإيحائية وربما الوظيفية أيضا هي التي تحدد العمق الدلالي للشيء([20])، فالشيء لا يحيل على كلمة وليس مساويا لها إنه من حجم الجملة أو ما هو أكبر منها([21]).

ورغم كل هذا تُطرح عدة مشاكل على مستوى تسنين الصورة وتَدْلِيلها، لأن مستوياتها الدلالية تبقى وليدة عدة انزياحات؛ إذ كيف تنشأ الدلالات المباشرة والدلالات الاحتمالية داخل الصورة؟ وكيف يمكن بناء عالم دلالي منسجم انطلاقا من الجمع بين عناصر مختلفة؛ أي ربط الدلالة بالتعاقد الاجتماعي.

لهذا يعتبر الإدراك والإنجاز اللغويان إجراءين معرفيين معقّدين؛ لأن اللغة لا يمكن أن تكون إلا قدرة خاصة بالإنسان مادامت هي الوسيلة الأمثل للتعبير عن الفكر، ومادام الإنسان المحقق لها جوهرا “مفكرا” قادرا على إدراك ما يجعل ذاته مختلفة ومتميزة عن موجودات العالم الخارجي، واعتبارا لذلك فإنها تدخل في علاقة تفاعلية مع النشاطات المعرفية لكل من الإدراك والتخزين في الذاكرة.

على هذا المنحى تبقى دراسة مسارات المعنى وإدراكه وإنجازه، داخل العملية التواصلية، تستلزم العديد من المقتضيات اللسانية والمعرفية وفق ما هو مبين في الخطاطة التالية:([22])

المثال (2): خطاطة توضيحية لمسارات المعنى و إدراكه

تحليلا لهذه الخطاطة؛ يتضح أنه انطلاقا من مجموعة من المعارف خاصة منها الصوتية والصرفية والدلالية والتداولية يتسنى للفرد أن يدرك وينجز خطابات ويفهم عدة رسائل من وجهة نظر مقتضيات لسانية، إلا أنه لا يمكننا أن نقتصر على ما هو نظري، لهذا نخضع لمقتضيات معرفية قصد فهم تلك التفاعلات الطارئة في أذهاننا، وفق مسارات بالغة التعقيد والضبط؛ وتؤكد معطيات علم التشريح والفيزيولوجيا وباثولوجيا اللغة؛ خصوصية الانتظام الحقيقي لكل مكونات الجهاز العصبي لهذا نقوم بتمثلات وفقها يتم فك التسنين ثم تخزين ما تم فهمه.

بناء على هذه السيرورات الذهنية؛ يمكن للفرد أن يطّلع على الحيثيات الكامنة وراء فهمه وإدراكه لمعنى الصورة أو الخطاب وفك تسنيناته.

إن الصورة إذن، بأنساقها وتشعبات معانيها تشِي بانتمائها لذلك الشكل الذي يتأسس وفق نظام لا يخضع لقواعد تركيبية صارمة، بحيث إن أي عنصر لا يفرض إدراكه قبل الآخر، إن الكل يتحرك ضمن شكل علاقات إدراكية متزامنة.

5- إيحائية الخطاب الإشهاري وبنية التماثل الأيقوني:

يعتمد الإشهار أيضا على الخطاب الايحائي مُوَلِّدًا بذلك مجموعة من الدلالات الإيحائية التي تمثل قراءتها من طرف المستهلك سبيلا من سبل الإقناع المرتبط باستراتيجية الخطاب الإشهاري. حيث يرى–رولان بارث (Roland Brath) أن الخطاب الإشهاري يتميز بازدواجيته التي يكون فيها الخطاب التقريري الأول، بكليته، على المستوى اللساني بمثابة الدال بالنسبة للخطاب الثاني الإيحائي الذي يحيل على مدلول: جودة البضاعة المعلن عنها، والذي يحفز المستهلك على الشراء. لكن لماذا لا يكتفي الخطاب بالأمر بالشراء ببساطة؟ تجد هذه الازدواجية تفسيرها في كون الخطاب الأول يعمل على تحييد الثاني، وذلك بأن ينزع عنه الغائية المادية ومجانية الدعوة التجارية.([23])

 يبدو أن الإيحاء في النص الإشهاري يتماشى مع ما يعرف بالإشهار الجمالي غير المباشر، محتفيا في ذلك بالمستهلك وبعالمه لخلق عوالم مثالية خيالية هدفها تسريع عملية البيع، وتماشيا مع الطرح البارثي القائم على الازدواجية التي تعتبر التقرير في الاشهار هو الدال اللساني، و الإيحاء هو مدلوله أي تلك الصورة الذهنية التي يتركها المشهر بفعله الفزيولوجي، مقدما بذلك توضيحا على هذه الأخيرة بإدراجه لمثالين من السياق السوسيوثقافي الفرنسي، ومَثَّلَ لذلك لأحد زيوت الطعام، والنص الثاني لنوع من المثلجات، فهو يرى: لو أن أحد ساكنة المريخ، أو إحدى القبائل البدائية كهنود أمريكا الشمالية مثلا، وهو على دراية باللسان الفرنسي معجما وتركيبا وأصواتا فإنه بالطبع سيفك سنن الرسالة الحرفي، أي بعدها التقريري، ولكن سيغيب عنه الجانب الثقافي بفضاء الرسالة، و يرى في هذا من خصوصيات لغة الإشهار.([24])

يتضح من مثال بارث؛ أنه إضافة إلى الجانب التقريري المتجلي في اللغة هناك جانب آخر إيحائي يتجلى في توظيف ما يعرف بمعنى المعنى بتوظيف الصور البيانية والمحسنات البديعية، كأن نقول مثلا “فلان طويل النجاد، كثير الرماد” فالمعنى الأول التقريري يلوح إلى طول القامة، أما المعنى الايحائي فيعبر على أنَّهُ وجيهٌ عظيمُ المَنْزِلَةِ مضياف والانتقالُ مِنْ كثرَةِ الرَّمادِ إِلَى كثرَةِ الإحراقِ، ومِنهَا إِلَى كثرةِ الطبخِ والخبزِ، ومِنهَا إِلَى كثرةِ الضيوفِ، ومِنهَا إِلَى المَطلوبِ وهُوَ المِضيافُ الكريمُ.. وبهذا ترتبط عتبة الإيحاء بعملية التأويل الدلالي الذي يحيل عليه الخطاب من كنايات واستعارات و توريات و مجازات…

 

المثال (3): خطاطة توضيحية لمسارات المعنى

 

يطرح التماثل الأيقوني وجهات نظر متعددة، فهذا إليسيوفيرون (Eliseo Veron) يتساءل عن ماهية التواصل التماثلي ويستشهد في هذا بعدة باحثين من بينهم جاكوبسون، بيفان واتسلاويك (Wtzlawick et Jakobson (Bevin  أنه “كل تواصل غير لساني” معتمدين في ذلك على معطى صعوبة التفريق بين المضمون في التواصل التماثلي والشكل المادي للرسالة، غير أن الباحث فيرون (Eliseo VERON) ([25])، ذهب إلى القول بأن مفهوم التماثلية الأيقونية من شأنه أن يقودنا إلى خلط مفاهيمي كبير لأن الخطاب اللساني اللفظي وغير اللفظي لهما قاسم مشترك يتجلى في عدم تجسيدهما للموضوع الذي يقدمانه، غير أن ايكو أمبيرطو Umberto Eco)  ) يرى أن
الأيقون يتشابه مع الموضوع الذي يحيل إليه مقتبسا هذا من شارل سندرس
بيرس(Charles Sanders Peirce ) ([26]).

ويمكن حصر هذا القول فيما يلي:  المثال (4):

غير أن هذا الحس الذي يبدو متفقا مع التحديد التماثلي للأيقون لا يغدو سوى تصور خادع، فسيميوطيقا بيرس ترى وجوب الصبغة التعينية denotative)  (على الدليل الإيقوني في مثاله للصورة الشخصيةportrait)  (، في حين لا تشكل بالنسبة لإيكو سوى تحصيل حاصل؛ لأن الصورة رغم درجة تشابهها مع الأصل إلا أنها لا تمتلك الأبعاد الثلاثة، وحتى و إن تم قبول تعيين الإيقون حسب درجات إيقونية لمماثلته للموضوع في بعض مظاهره، فإن ذلك لا يؤدي سوى إلى تدمير مفهوم الدليل الأيقوني.([27])

بناء على ما سبق، يوضح إيكو أن المنظور البيرسي الثلاثي في معالجة الدليل لا يمكن الأخذ به بمعزل عن سياقه الاجتماعي، وعليه فالدلائل الأيقونية لا تمتلك خصائص الموضوع بل تتيح بعض ظروف التلقي المشترك على أساس التسنينات الإدراكية العادية، ويضيف على أن هذا التحديد لا يجب أن يؤدي إلى خلط مفهوم الدليل الأيقوني أو صورة كشيء يماثل ما هو كائن بالقوة في الواقع.

فإذا كانت المماثلة الأصلية تعني عدم الاتفاق والاعتباط الدليلي، بل تحفيزيته تجعله يستقي معناه من الموضوع الممثل بالاقتضاء التمثيلي، فإنه في هذه الحالة تظل المماثلة الأصلية للدليل تخلق بعض ظروف الإدراك الجمالي. 

إن ما جاء به بيرس حسب أمبيرطو إيكو هو تحصيل حاصل، إذ لا يمكن اعتبار الصورة هي محاكاة للموضوع الموجود في العالم الخارجي، حتى وإن تشابه الماثول مع دليله، مؤكدا في طرحه أنه لا حديث عن الدليل خارج السياق، وبهذا فالصورة أو الماثول لا تدل على موضوعها إلا بالنظر إلى بعض ظروف التلقي وحيثياته.

وفي هذا الصدد نورد لأهم الانتقادات التي قدمها إيكو (ECO) في مسألة التماثلية:

  • قد لا تكون الإرسالية البصرية تماثلية بالمفهوم الشاسع على الأقل، إذ يتعلق الأمر بمسألة الصور ” غير التصويرية” ومسألة الأيقونات البصرية.
  • يمكن للتماثل البصري أن يقبل تغييرات توصف في الغالب بالتغييرات الكمية، أي ما يرتبط بدرجة الإيقونية عند مولز (Moles) التخطيطية (Schematisation) الأسلوبيةStylisation) ).
  • يقبل التماثل البصري التغييرات الكيفية، في حين يختلف باختلاف الثقافات.([28])
  • إذا كان للدال (Signifier) خاصية مشتركة بشيء ما، فإنها ليست مع الموضوع(signified) بل مع النموذج الإدراكي للموضوع الذي يؤسس ويعرف انطلاقا من السيرورات الذهنية التي تقوم بها لتأسيس المنظور في استقلال عن المادة التي تتحقق فيها هذه العلاقة ([29]).

إن في استطرادنا لوجهات النظر هاته، نكون قد بينا بلا تماثلية الدليل الإيقوني في الخطاب البصري لأن التماثل هو التشابه، و عندما نقول التشابه فقد اختفت القصدية و مبدأ التحفييز( motivation) الذي لا يخلو منه أي خطاب بصري إشهاري كيفما كان نوعه، وذلك لكونه خاضع لدراسات عميقة وإحصائيات إذ إنه موجه إلى جمهور مستهدف بغرض التأثير قصد الإنجاز، فلا قصد بدون تحفيز و لا تحفيز بدون استجابة، خاصة و نحن أمام خطاب يستهوي الناس عبر إستراتيجية ترافق إنتاج البضاعة حتى  استهلاكها  مستمدا قوته في ذلك من خلال مخاطبة اللاوعي الجمعي لعامة الناس.

 خلاصة:

استنادا إلى ما تم طرحه يمكن القول؛ إن الأيقون هو علامة بصرية يتشكل ضمن مجموع العلامات المشكلة للصورة الإشهارية التي تُبني من خلاله نصوصها وعوالمها وأكوانها المتخيلة، وترجمة هذه التشكلات يتم بواسطة الانتقال من المادي المحسوس إلى المدرك المجرد، عبر المرور بأنماط التسنين المختلفة، بالاعتماد على مجموع المعارف والثقافات التي تنفتح عليها الإرسالية الإشهارية. فكل علامة تقود إلى معنى لا نهائي قد يؤدي إلى معانٍ لا حصر لها، تحيل إليها تلك الدوال السيميائية المشكلة للصورة باعتبارها بناءً مزدوجا.

إن قراءة الصورة وتأويل معناها هي إعادة للإنتاج الخارج نصي وفك سننه وتفعيل جل السياقات الممكنة باختلاف قُرَّائها وتنوعهم، ومن ثم تنفتح الصورة على التأويل الذي يبقى ضابطه هو فهم معنى الصورة وانسجام النص وترابطه الداخلي الذي يُوجب على المؤول الاحتكام في تأويل عناصر الصورة الموزعة إلى بنية كبرى، والتي من وظائفها إرجاع الصورة وتَمفْصُلاتها إلى البنية الأصل، مع كشف دلالات متوارية خلف المكتوب المراد فهمه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

بن عياد، م. يناير/ يونيو (1994).من العلامة مطلقا الى الدليل اللغوي”. المجلة التونسية لعلوم الاتصال عدد 25. 

بنكراد، س. (2002)” السيرورة السيميائية والمقولات”(قراءة في فلسفة بيرس السيميائية)مجلة مدارات فلسفية المغرب، العدد 7.

بنكراد، س. (2007).” الصورة الإشهارية آليات الإقناع والدلالة”. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1

الرايص، ن.(2007).”نظرية التواصل واللسانيات الحديثة”، مطبعة سايس، فاس، المغرب،ط.1

السمرائي،م، (1984)، “تأثير الفكر الديني في البلاغة العربية”، الدار العربية للعلوم- ناشرون المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، ط1.

 الهجاني،م. (1994).” التصوير والخطاب البصري”، مطبعة الساحل الرباط، ط1.

 

Barthes, R. ( 1985). « L’Aventure,Sémiologique  » Editions du Seuil

Chamboredon, J.(Avril-Juin 1994).« Le parfum sémantique de l’image »: Note de marge, Ethnologie.

Durand.J. « Rhétorique et image publicitaire, l’analyse des images » Seuil .

Gouttier, G.( 1986). «  vingt leçons sur l’image et le sens », ÉDILIG. Paris 

Groupe Mu.( Seuil, 1992). « Traité du signe visuel pour une rhétorique de l’image »française, nouvelle série, T. 24, No. 2, Usages de l’image.

Metz.C.(1970). « Au-delà de l’analogie de l’image » communications Seuil,N15.

 

 

    
  
 
   

 

 

([1]) Metz.C.(1970). « Au-delà de l’analogie de l’image » communications Seuil, N15, P.1-7.

([2]) الهجاني، م. (1994)، ” التصوير والخطاب البصري”، مطبعة الساحل الرباط، ط1، ص67.

([3]) حدري م، مكونات الخطاب الإشهاري من التوليد الى التأويل، ص83.

 ([4]) Durand,J.« Rhétorique et image publicitaire, l’analyse des images » Seuil 70

([5]) Groupe ; Mu ; « Traité du signe visuelle » ;Editions, Seuil,1992 ;P :18

([6]) نوسي،ع،(2009)،” الخطاب الإشهاري بالمغرب استراتيجيات التواصل” منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة،مطبعة النجاح الدار البيضاء، ط1،ص:149 (بتصرف).

([7]) بنكراد، س “سيميائيات الصورة الإشهارية”، ص: 36، “بتصرف “

([8]) الرايص، ن، (2007)، “نظرية التواصل واللسانيات الحديثة”، مطبعة سايس، ص:137.

 ([9]) حدري م. ” مكونات الخطاب الإشهاري” ص: 67، بتصرف.

([10]) Geneviève C, (1990) « sémiologie de l’image dans la publicité » p35

([11]) المرجع نفسه، ص: 35

([12]) بنكراد،س.”سيميائيات الصورة الاشهارية”- الإشهار والتمثلات الثقافية- إفريقيا الشرق، الدار البيضاء “،ص:38.

([13]) المرجع نفسه.

([14]) السمرائي، م (1984)، “تأثير الفكر الديني في البلاغة العربية”، الدار العربية للعلوم- ناشرون المكتب الإسلامي للطباعة والنشر،ط1، ص:56.

([15]) الجرجاني، ع،(1991)، “أسرار البلاغة”، مكتبة الخانجي، ط،1 ص: 9.

([16]) حدري، م” مكونات الخطاب الاشهاري”، ص:39.

 

([17]) بنكراد، س، “سيميائيات الصورة الإشهارية ” ص: 32، نقلا عن:

 .Barthes ; (Seuil, 1985) L’Aventure,Sémiologique

([18]) St Gouttier, G.) 1986( « vingt leçons sur l’image et le sens »، Edilig; 1re édition, paris.

([19]) Groupe. Mu). Éd Seuil, 1992(. « Traité du signe visuel pour une rhétorique de l’image », p 89.

 ([20]) بنكراد، س،”سيميائيات الصورة الإشهارية، مرجع سابق”، ص: 34.

([21]) يرى بارث أن صورة المسدس أو وجوده العقلي لا يتحددان لسانيا كمعادل لكلمة :مسدس فأقل وحدة لسانية تكشف عنه هي،هذا المسدس ينظر سيميائيات الصورة الإشهارية” بن كراد، س، ص:34.

([22]) بوعناني، م ندوة الرشيدية تحت عنوان” التواصل اللغوي بين المقتضيات اللسانية والمعرفية”

 

([23]) نوسي،ع، مرجع سابق، ص: 27-28.

([24]) رولان بارث، “المغامرة السيميولوجية”، ت عبد الرحيم حزل، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش، المغرب، ط1، سنة1993، ص:29.

 

 

([25]) Eliseo VERON : « l’analogie et le continu », communications, Seuil, N15, 1970, PP.55-56.

 

([26]) Umberto Eco « sémiologie des messages visuels » op.cit P14.

([27]) المرجع نفسه.

 

([28]) Christian Metz, Au-delà de l’analogie de l’image » communications Seuil,P.8-9

([29]) Umberto ECO, « pour une représentation du concept de signe iconique » communication, Seuil, 1987, P142.