الإيقاع وبلاغة الجمهور نشيد النادي الأهلي نموذجا
Rhythm And Audience Eloquence Al-ahly Club Anthem As a Model
د. أيمن أبو مصطفى
رئيس قسم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية ولاية منيسوتا أمريكا
Dr. Ayman Abu Mostafa
Head of the Arabic Language Department at the Islamic University of Minnesota, USA
بحث منشور بمجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول، العدد الأول أكتوبر 2020
لنسخة البحث pdf اضغط هنا
مقدمة
البلاغة غايتها الاتصال والتواصل، وفي
سبيل ذلك تكون الوسائل البلاغية ممكنات للغاية التواصلية، ولكل نص كما هو معلوم
بلاغته، فليست هناك قاعدة صارمة يمكن تطبيقها على كل نص، بل كل نص يفرض علينا
طريقة تكون مناسبة لسياقه وغايته، ولذا فإن البلاغة تحتاج إلى مراجعة دائمة لآليات
الدراسة والتحليل.
وهذه الدراسة تطمح إلى دراسة بلاغة
الجمهور، وهي بلاغة تتناول لغة الحياة اليومية، فيتجه التحليل إلى قيمة النص
تواصليا (تداوليا) وكيفية تأثيره في المتلقي.
فوقف الباحث على النشيد الرسمي للنادي
الأهلي، محاولا قراءته من خلال أثر البنية الإيقاعية في تهييج المشاعر وتوجيه
الفكر، فأحيانا يستطيع الخطاب أن يغيب العقل، فيكون التأثير للعاطفة، وهذا ما
يعتمد عليه بعض السياسيين والإعلاميين وغيرهم.
وقد وقفت على هذه القضية من خلال العناصر
التالية:
–
مشروع
بلاغة الجمهور.
–
الإيقاع
وموسيقى النص.
–
النشيد
الرسمي للنادي الاهلي.
–
دلالات
الصيغ في النشيد.
وأسأل الله
تعالى أن أكون قد أضفت جديدا إلى هذا المشروع، فنحن بحاجة إلى الانفكاك من قيود
القواعد الثابتة إلى رحابة التحليل والتعليل والتذوق.
1. مشروع بلاغة الجمهور:
يعد الأستاذ الدكتور عماد عبد اللطيف
رائد مشروع بلاغة الجمهور، فله كثير من الأبحاث والدراسات في هذا المجال الذي
افترعه، ومنها:
·
“بلاغة
الجمهور ودراسة الخطاب السياسي ملاحظات منهجية”، ضمن كتاب: البلاغة الثائرة خطاب
الربيع العربي.. عناصر التشكل ووسائل التأثير، إعداد وتقديم د. سعيد عوادي، دار
شهريار – العراق، ط1، 2017
·
“بلاغة
المخاطب البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته”ضمن (Power and the role of the Iintellectual)
ع 9، م 2005.
·
“بلاغة
جمهور كرة القدم، تأسيس نظري ومثال تطبيقي”، مجلة العمدة في اللسانيات وتحليل
الخطاب، ع6، يناير 2019، جامعة محمد بوضياف المسيلة، كلية الآداب والعلوم
الإنسانية
·
تحليل
الخطاب بين بلاغة الجمهور وسيميائية الأيقونات الاجتماعية”، مجلة فصول، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، مصر، ع 84/83 خريف / شتاء2013-2012
·
“كيف
ندرس التناص في الخطاب السياسي”، ص:281 ضمن “كتاب بلاغة الخطاب
الديني”، إعداد وتنسيق محمد مشبال، دار الأمان (الرباط) ومنشورات الاختلاف
(الجزائر) ومنشورات ضفاف، ط1، 2015
·
“ماذا
تقدم بلاغة الجمهور للدراسات العربية؟ الإسهام، الهوية المعرفية، النقد”،ضمن
كتب بلاغة الجمهور مفاهيم وتطبيقات، تحرير وتقديم: حاوي (صلاح الحين) وصديقي (عبد
الوهاب)، شهريار- العراق، ط1، 2017
·
“مناهج
الدرس البلاغي العربي المعاصر مقاربة نقدية”، كتاب المؤتمر، الندوة الدولية،
1، 2015
·
“منهجيات
دراسة الجمهور.. دراسة مقارنة”، ضمن كتاب بلاغة الجمهور مفاهيم وتطبيقات،
تحرير وتقديم: حاوي (ص لاح الدين) وصديقي (عبد صديقي (عبدالوهاب)، شهريار –
العراق، ط1، 2017
·
”
بلاغة الحرية، معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، دار التنوير، ط1،سنة 2013م.
·
لماذا
يصفق المصريون؟ بلاغة التلاعب بالجماهير في السياسة والفن، دار العين – القاهرة،
ط1، 2009م.
ظهر هذا المشروع سنة ٢٠٠٥ في مقال له
بعنوان (بلاغة المخاطب: البلاغة
العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته) وقد دعا خلال هذه الدراسة وما تبعها
إلى بناء معرفة بلاغية جديدة، تهتم بخطابات الحياة اليومية[1].
فبدأ الاقتراح ببلاغة المخاطب ثم تحول
بعد ذلك إلى بلاغة الجمهور، وهو في كتابه منهجيات دراسة الجمهور يشير إلى التحول
الذي ينشده ببلاغة الجمهور، حيث يتم التحول من المخاطب بكسر الطاء إلى المخاطب
بفتحها[2].
وفي (بلاغة جمهور كرة القدم، تأسيس نظري
ومثال تطبيقي) وسع مجال البحث البلاغي ليشمل كرة القدم، فالبلاغة عنده”العلم
الذي يدرس كيف تنجز النصوص، و الخطابات العامة والخاصة، وظائف الإقناع والتأثير،
والامتاع وغيرها”[3]
فكان د.عماد عبد اللطيف رائدا لهذه الفكرة.
2. الإيقاع وموسيقى النص:
وسنحاول في هذا البحث أن ندرس بلاغة
الجمهور وأثر الجانب الإيقاعي فيها، فالإيقاع الموسيقي الناتج عن السجع والازدواج
والتناسب والتضاد والجناس وغير ذلك من مظاهر الموسيقا في النص هو عماد بلاغة
الجمهور، إن جاز لنا هذا القول، وهو جائز لا محالة؛ لأن هذه الموسيقا تؤثر تأثيرا
فاعلا في بناء النص الذي ينبع من الجمهور أو يخاطبه، حيث تتضافر الدلالات مع الأصوات وفق
نظام لغوي يحدث إيقاعا موسيقيا محببا إلى النفوس، والنفوس بفطرتها تميل إلى
المتناغم المتناسب المتناسق.
ولذا كانت درجة الإيقاع هي أول درجات سلم
الدرجات الشعرية التي عرضها د.صلاح فضل في كتابه “أساليب الشعرية
المعاصرة”[4]
ففي بلاغة الجمهور تتفاعل الموسيقا
الداخلية مع الموسيقا الخارجية، مع ترابط الجمل وتتابعها، مما يثير النفس البشرية،
ويبعث فيها مشاعر يقصدها المبدع، فالإيقاع يعكس العواطف.
ونحن في هذا الصدد نحاول أن نقف على البنية اللغوية للنشيد “نشيد
النادي الأهلي” لنقف على دور بلاغة الإيقاع في التواصل والاتصال.
فالنص إنتاج لغوي لفظي له فعالية، ودراسته لا تقتصر على عناصره
وبنياته الداخلية، بل أيضا تمس الفاعلية والوظيفة، .. بل يدرس من جهة قدرته على
توفير الشروط التي تحوّله الى فعل لغوي مناسب للتاثير في سياق خاص.[5]
وهو ما يسمى اليوم بالتداولية النصية ” [6]
فالنص البليغ هو
الذي يستطيع التوصل إلى تبليغ الرسالة المرادة جامعا بين الغاية وطريقة صوغها
جماليا، فهو يستلزم أن تكون
معانيه مزخرفة مزينة بألفاظ قادرة على استمالة الأسماع والأذهان والنفوس
“وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين، بالألفاظ المستحسنة في الآذان،
المقبولة في الأذهان، رغبة في سرعة استجابتهم”[7].
ومن الاشارة إلى
فعالية التزيين والزخرفة، ينقل الجاحظ قول أحد الراسخين في العلم والأدب والبلاغة
يشبه تأثيرات الألفاظ المزخرفة والمزينة بالتأثيرات الخفية التي تمارسها زخارف
الجواري وزينتهن،فقوة اللفظ وفاعليته في الإغراء [8]
“والمعاني إذا كسيت الألفاظ الكريمة، وألبست الأوصاف الرفيعة، تحولت في
العيون عن مقادير صورها، وأربت على حقائق أقدارها،بقدر ما زيّنت، وحسب ما زخرفت
فقد صارت الألفاظ في معاني المعارض، وصارت المعاني في معنى الجواري، والقلب ضعيف،
وسلطان الهوى قوي، ومدخل خدع الشيطان خفي”.
فالبلاغة التي نسعى إلى التأصيل لها هنا
تحاول أن تبحث عن غايات البديع التي تتجاوز التزيين والتحسين للوقوف على أثر هذه
البنية الصوتية على المتلقي، ودورها في التمكين لغاية الخطاب.
فالبديع لاينفصل عن دلالة النص، بل هو من
مكونات الدلالة، أو من ممكنات الدلالة، فليس حلية لفظية تنفصل عن الدلالة أو تأتي
تالية لها.
كما أن البديع محسن لفظي، ولذا فإنّ
المعاني والمضامين لا تدخل في بابه. ولكن إذا نظرنا إليه من حيث ما يتركه في نفس
المتلقي من متعة وهو يتلقى نصا موشحا بالبديع، يكون قد أغراه لمواصلة القراءة
وأقنعه بما يتضمنه من دلالات…فالبديع مساعد على الاقناع وممكن له وإنْ لم يكن
موضوعا له.
فهذه الدراسة تحاول أن تسير وفق منهج
البحث في النص عن جماله، فيكون النص هو منبع ومصدر الجمال، حيث تنطلق الدراسة من
الظاهرة لا القاعدة.
وقد تنبه بيرلمان في تأصيله للبلاغة
الجديدة إلى خطورة التزيين في صرف الذهن من المعنى إلى المبنى، فالملاحظ أنه يفرق بين البينة أو الصورة التي تستخدم
للإقناع، وتلك التي تستخدم لتحسين وتزيين الخطاب، وهذا يعني أنه يهتم بالشكل عندما
يكون عنصرا داخلا في العملية الحجاجية، وليس عندما يكون عنصرا أسلوبيا جماليا فقط،
فهو يرى أن التزيين يجذب المتلقي ويصرفه عن معنى ودلالة النص.
وهذا ليس على
سبيل الإطلاق والتعميم، فالمظاهر الجمالية ليست فارغة بل مشحونة بطاقة وفعالية؛
تؤثر وتفعل فعل السحر، بحيث يكون هناك تفاعل وانجذاب واستمالة وإقناع، لا يصرف عن
الدلالة الحجاجية .
فإذا كانت
الغاية هي محرك المبدع وموجهه، فإن غاية بلاغة الجمهور هي كسب الجمهور، ولذا فهي تهتم
بما يتناسب مع المتلقي ويحرك حماسه، فهي لا تهتم بالحقائق قدر اهتمامها بالصياغة
الفاعلة المتناغمة،”بلاغة لاتهتم بحقيقة الأشياء،ولكنها تهتم بالإقناع، وضم
الجمهور إلى جانب دون أخر والجمهور ليسوا فلاسفة ولا أشباه فلاسفة، وإنما هم قوم
من عامة الناس،تؤثر فيهم الكلمة المنتقاة والأصوات الرنانة فلا يتعمقون في الأشياء
كما يفعل الفلاسفة “[9]
فلاشك أن بلاغة الجمهور تقوم على توصيل رسالة
أوعدة رسائل،فهي تبحث حول “الأثر الأدني الذي تتركه الرسالة أو ينبغي أن
تتركه، وكيف يكون الخطاب ناجعا، ومن ثم تصبح البلاغة سلطة أمام النص “. [10]
فبلاغة الجمهور هنا أشبه بالمنازعات والمناظرات
التي عُرفت عن العرب، حيث عُرفوا بالنزعة القبلية مما ولد المنازاعات والمخاصمات
والمناظرات، فكان الشاعر يدافع بعدته الشعرية متوجة بالأساليب الجمالية البلاغية
الساحرة والحجة الدامغة والبينة بغية التأثير والاقناع، فحينما نستخدم اللغة لغاية
الفخر والتحميس والتحفيز نكون في حاجة إلى رؤيتها بلاغيا حيث إنه “لا فخر إلا بالبلاغة”.[11]
وكان للأستاذ
الدكتور محمد العمري الفضل في كشف فاعلية الموزانات التي تتصل ببلاغة الشعر، في
الخطاب الإقناعي، حيث ذهب إلى أنها لا تلعب دورا ثانويا كما كان يعثقد، “ذلك
أنه يمكن توظيفها والاستفادة منها حجاجيا، وخاصة فيما يتعلق بثقافة الصورة وما
يصاحبها فالبديع و نقد الشعر وبلاغته تندرج في البيان وبلاغة الإقناع” [12]
فالنشيد هنا يتخطى حدود
الإمتاع إلى الانجاز[13]
3.
النشيد الرسمي للنادي الاهلي:
في الحقيقة وقفت
على عدة روايات لهذا النشيد، لكن أقواها هي الأنشودة المسجلة للنشيد وهي من تأليف فكرى
أباظة وهي:
قــوم يــا أهلـى شـوف ولادك والبنـود شوف
كتايبك،
شوف جنودك، والحشود
شـوف ايــات النصــر فى كل الجهــود
شــوف وسجــل بيـــن أمجــاد الخـلود
أنـت دايمـا، أنـت دايمـا، أنت دايمـافى
الأمــام
كل نعمــة فــى رحــابـك عنــدنـا دى
مشـيئـــــة وإرادة ربنــــــــــا
مـن شيـــوخــك اكتسبنـــا مجــدنـاوبشبــابـك
احتفظنـــــــا باسمـــــنا
أنـت دايمـا، أنـت دايمـا، أنت دايمـافى
الأمــام
الريــاضـة دى غـريــزة فـى طبعنـــا
مـن زمــان جـرتهـــا جـــرى فى دمنــا
والبطـــولـة منبتهــــــا فــى أرضنـــا
أهـدينـاهـا للجميــــع مـــن عنـــدنـا
أنـت دايمـا، أنـت دايمـا، أنت دايمـافى
الأمــام.
ويبدو أنها مرت بعدة مراحل من التغيير
بالحذف والإضافة، وسوف نقف على النص الأخير للنشيد مستأنسين بالنص الأول.
النص الثاني:
قوم يا أهلي شوف ولادك والجنود …شوف
كتايبك شوف جنودك والحشود شوف آيات النصر في كل العهود شوف و سجل بيها أمجـاد
الخلود أنت دايما أنت دايما انت دايما دايما دايما في الامام
لفينا معاه الكون…غنينا ستين مليون قلنا
دايمــــــا معاه…وانصرنـــــــا يا الله غنينا أربع حروف…خلينا العالم يشوف أبطال
وفكل حال…غنينا التالتة شمال قلنا ومش ناسيين…أولاد صالح سليم
فووووووق فووووووووق الأهلى طول عمره
فووووق فووووووق دايما معاه روحنا فداه وفأى مكان بنروح وراه من تالتة شمال بنهز
جبال وبأعلى صوت دايما بنشجع الأبطال فريق كبير فريق عظيم أديلوا عمرى و برضوا
قليل
اوووووووو جمهوره ده حماه ………. اوووووووو
عالحلوة والمرة معاه عمري ما أحب غير الاهلي ………. ولا في غيره يفرحني دايما
معاه ولآخر الكون ………. عمري عشان الأهلي يهون
ستين مليون من كل شكل ولون عشان الأهلي
كل شئ بيهوون لو روحت فييين دايما معاااك ومهما كاااان عمري ما هنساااك هاعيش وأموت
و مهما العمر يفوت وراك يا أهلي أقولها بأعلي صوت الاهلي فووووق فوووووق الجمييييع
أهلاوي وجاي اللية عشان أقول ……….
وراك يا أهلي مهما العمر يطول أولاد صالح سليم ………. عالفوز دايما ناويين
………. انصر فريقنا يارب العالمين
قالوا قد ايه بتهواه قلتلهم الأهلي دا مش نادي
دا حياة دايما في قلبي وعمري ما بنساه أديله حياتي روحي و عمري فداه
لااللالالالالالالالالالالالا خد عمري كله وانصره يا الله لااللالالالالالالالالالالالا
الأهلى فقلبى ودايما غالى علينا جمهور دايما
وراه دايما تلاقينا وفأى مكان معاه دايما بنروح وراه انصر فريقنا ياعالى يا الله
نــــــادى الاهلـــــى .. حبــــه فى قلبـــــى
.. لآخـــر عمـــــرى .. انصرنـــــــا ياربـــى .. اليـــــــــه اليـــــــه __
فريـــق أبطااااااااااااال .. جمهــــور جبااااااااااااااار .. تشجيعهـــم
ناااااااااار .. من تالتـــة شمـــــــال .. اليـــــــه اليـــــــه
4.
دلالات الصيغ في النشيد:
إن التراكيب
البلاغية صورة للمعاني في النفس، فالأدب تعبير عما في نفس مبدعه، ولذا فإن للوقوف
على دلالة تكرار تركيب ما في نص ما أهمية عظيمة، حيث تعكس هذه التراكيب اهتمام
المبدع وغايته من خطابه.
وقد لوحظ أن
لصيغة الأمر حضورا واضحا في هذا الخطاب، فصيغة الأمر تحمل دلالة الاستنهاض:(قوم..
شوف.. شوف..شوف.. شوف.. شوف.. سجل..انصرنا..)، فتتابع أفعال الأمر يشبه موج البحر
المتتابع، الذي يحدث أثرا في أشد الصخور صلابة، والملاحظ أن هناك فعل أمر تكرر في
مقطع واحد خمس مرات، لكنه في كل تكرار يحمل دلالة جديدة ترفد غاية الاستنهاض.
وقد تعاضدت صيغ
الأمر مع التراكيب الأخرى في تحقيق تلك الغاية، كما أنها جاءت في ثوب من الإيقاع
القائم على توافق القوافي، الذي أكسب الكلمات قدرة على الالتصاق بالأذهان،
والتكرار بالألسنة، كما أن الاستعارة هنا (يا أهلي) جعلتك تستحضر الاهلي شخصا
تخاطبه، فليس مؤسسة فحسب بل هو كيان مكتمل له قدره وقيمته.
وبالوقوف على
المفعول به الذي جاء بعد الأفعال المتكررة: (ولادك..الجنود..كتايبك..جنود..آيات..الحشود)
يُلاحظ أنها
جمع، وهذا الجمع فيه حجة بالقيمة، فهذا الجمع يحمل دلالة الكثرة، وهذه الكلمات
تحمل رسالة ضمنية تهديدية لخصوم الأهلي، حيث تتميز بعض السياقات الحجاجية بوجود
صنفين من الخصوم: جمهور رسمي أو “ثانوي” يوجّه إليه الخطاب، وآخر غير رسمي
لكنه “أولي” هو المستهدف إقناعه والتأثير فيه، وهو مناط الحكم على
عقلانية الحجاج.
وتأتي جملة ختام
المقطع الأول حجة تبريرية لكل المطالب السابقة، فكأن هناك سؤالا ضمنيا مفاده:
لماذا أنت جدير بتحقيق تلك المطالب فتأتي الإجابة: أنت دايما أنت دايما انت دايما
دايما دايما في الامام.
والملاحظ أنها
أيضا ااعتمدت على التكرار الذي يعطي موسيقا تحفيزية، هذه الموسيقا تدفع المتلقي
وترفع من روح المُنشد.
كما أن العدد
(ستين مليون) و (ستين مليون من كل شكل و لون ) يوحي بكثرة جماهير الأهلي، وهذا
العدد يشكل سلطة على المتلقي، بحيث يكون مصدر اطمئنان للجماهير المحبة، ومصدر
إزعاج وقلق للجماهير المنافسة.
وتزيد “ناء الفاعلين” هذه الدلالة
تركيزا “لفينا” “غنينا” “قلنا” “خلينا”
كما نجد “ناء المفعولين” التي جاءت في سياق الدعاء مقوية لحجة القيمة.
كما أن حجة الأشخاص قد اتضحت في بنية هذا النشيد،
فالشخص ذو المكانة العالية يشكل بموقفه ضغطا على الآخرين، حيث يميلون ميله،
وينتهجون نهجه، وقد اعتمد النشيد على ذكر”صالح سليم” وهو صاحب القيم
والأخلاق، وفي ذكره ضاغط على المتلقي، وهذا نظير قول الفرزدق:
أُولَئِكَ
آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ، إذا
جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ
كما أن في
استخدامه رسالة متعددة الغايات:
رسالة ذات بعد تاريخي تحمل دلالة الأصالة
والعراقة.
رسالة ذات بعد
قيمي أخلاقي تحمل دلالة السمو الإنساني.
رسالة ذات بعد
تحفيزي تحمل دلالة التشجيع والتحفيز.
رسالة ذات بعد
ترهيبي تخويفي تحمل دلالة التخويف والتهديد للأطراف المنافسة، ولأجل هذه الغاية
نجد تكراره مع العزم على الانتصار الدائم قد جاء حيق قيل” اولاد صالح سليم
………. عالفوز دايما ناويين”
لفينا معاه الكون…غنينا ستين مليون قلنا
دايمــــــا معاه…وانصرنـــــــا يا الله غنينا اربع حروف…خلينا العالم يشوف
ابطال وفكل حال…غنينا التالتة شمال قلنا ومش ناسيين…أولاد صالح سليم
ويبدأ المقطع
الثالث من النشيد بحكم بالقيمة أيضا “فوق فوق الأهلي طول عمره فوق”
فتكرار كلمة فوق أربع مرات، مع نطقها بصيغة امتدادية بإطالة صوت الواو يعطي دلالات
الاعتزاز بالنفس، ويرفع من روح الجماهير، ويبث الخوف في قلوب المنافسين.
وتأتي جملة
“طول عمره فوق” ممكنة لدلالة الثبوت، فليس الانتصار أمرا جديدا عليه،
وإنما هو أمر طبيعي بالنسبة له، وهذا أيضا يفسر تكرار كلمة”دايما” خلال
النص.
وتناسب هذه
الاستمرارية في العطاء استمرارية الحب والولاء، فتأتي عبارة “دايما
معاه” حاملة لدلالات الحب والوفاء، وتؤكد هذه الحالة الشعورية
جملة”روحنا فداه” وجملة” وفـ أي مكان بنروح وراه” والملاحظ
مجيء كلمة”وراه” وليس “وياه” برغم التقارب الصوتي، إلا أن
كلمة “وراه” تحمل معنى التعظيم والتتبع والتقسي، فاستعمال الألفاظ من أجل بلوغ الهدف يقتضي اختيارها
بحيث تؤدي وظائفها التي تتداخل فيها الشعري والتداولي، فاختيار اللفظ لا يخرج عن
استراتيجية الاقناع.
ونتفق كل الاتفاق مع د.حسن المودن الذي يذهب إلى أن النص الفصيح هو الذي يتوفر على قدر من الجمال الصوتي،
ويتحدد في تناغم أصوات اللفظ المفرد وانسجامها واعتدالها بالشكل الذي يؤثر في
المتلقي.فالأمر يقتضي استثمار الامكانات الشعرية الجمالية للالفاظ من دون التضحية
بوظائفها التداولية.[14]
وهنا تلعب
الاستعارة دورا واضحا في بيان الروح العالية” من تالثه شمال بنهز جبال”
وهذه الصورة أقرب للكناية منها للاستعارة، لأنها قد تكون حقيقة، فالصوت الهادر
يحرك الجبال، وفي ذلك كناية عن صفة ارتفاع الصوت، وارتفاع الصوت ناتج عن صدق الحب،
فبهذه الدوال المتتابعة، تستطيع أن تقيم سلسلة غير متناهية من الاستدلالات.
وتأتي جملة
“بأعلى صوت ديما بنشجع الأبطال” فقيمة العلو قيمة محببة إلى النفوس،
وهذه القيمة ارتبطت بالصوت في موقف التشجيع، مما يحملها دلالة الزهو والفخر
والاستنهاض.
وتستمر حجية
القيم باستخدام الكم ولاتجاه والحجم في تأدية دورها الاستنهاضي والترهيبي في الآن
نفسه، فنجد جملة”فريق كبير فريق عظيم أديلوا عمري وبرضه قليل” فنجد
كلمة”كبير” وعظيم” وقليل” هذه الكلمات التي تحمل دلالات
التعظيم، وبرغم أن كلمة قليل تستخدم في القلة والصغر، إلا أن السياق هنا أضفى
عليها معاني العطاء والوفاء والولاء.
ويتزايد هذا
الشعور بالفخر في النشيد حتى يصل إلى ذروته من خلال هذا الصوت الهادر ”
أقولها بأعلي صوت الأهلي فووووق فوووووق الجمييييع:” وهذه الكتابة التي تحاكي
الصوت تكشف لنا مدى قدرة الصوت على توصيل دلالة الكلمة.
فنبرات الصوت،
وحركة الجسد، خلال هذا الإنشاد تؤدي دورها البلاغي إلى جانب ترابط النص، وتدرج
الأفكار، والانتقال بمفردة الأهلي من حيز الدلالة الحرفية إلى الاتساع الدلالي
الذي جعلها شعارا لكل القيم والمبادئ.
وللبديع مكانة
عظيمة في بلاغة الجمهور، فليس حلية لفظية، ولا زينة متكلفة، فمنذ نشأثه يوظف
لأغراض تخدم غاية النصوص.
وهذا ما يعني أن مفهوم البديع يتجاوز فكرة انحصاره في الجانب التحسيني التزييني، ليضطلع بوظيفة حجاجية، تستقيم أركانها في ظل غياب التكلف، فبلاغيو العرب رفضوا اطراد المحسنات اللفظية ”
لما ينم عنه ذلك من تكلف يعوق الوظيفة الإبلاغية للخطاب”[15].
وقد لاحظ حازم
القرطاجنّي ( ت 684 ه)، مدى عناية العرب بعملية التحسين التي لم تتوفر لغيرهم
“ومن ذلك تماثل المقاطع في الأسجاع والقوافي؛ لما في ذلك من مناسبة زائدة على
عملية البيان الأصلية ومن الأمم ذلك نِياطتُهم حرف التَّرنُم بنهايات الصنّف
الكثير المواقع في الكلام منها؛ لأن ذلك تحسينًا للكلم بجريان الصوت في نهايتها، ثم
يعلل لذلك بأن للنّفْس في النقلة من بعض الكلمة المتنوِّعة المجاري إلى بعض على
قانون محدَّد راحة شديدة، واستجدادً ا لنشاط السمع بالنقلة من حال إلى حال، فكأن
تأثير المجاري المتنوعة، وما يتبعها من الحروف المصوّتة من أعظم الأعوان على تحسين
مواقع المسموعات من النفوس”[16]
فهذه القيمة
الصوتية التي تحاكي حماس الأنفس وصدق الانتماء، جعلت النشيد قائما على السجع،
فجاءت جمله متوازنة مسجوعة مكونة بانتظامها موجا متلاطما من الحماس والانفعال،
ونستطيع الوقوف على ذلك خلال الأمثلة التالية:
(دايما معاه ..روحنا فداه.. وفأى مكان بنروح
وراه.. من تالتة شمال.. بنهز جبال.. وباعلى صوت دايما بنشجع الابطال.. فريق كبير
فريق عظيم أديلوا عمرى و برضوا قليل ” و (اوووووووو جمهوره ده حماه..
اوووووووو عالحلوة والمرة معاه.. عمري ما أحب غير الأهلي.. ولا في غيره يفرحني..
دايما معاه ولاخر الكون.. عمري عشان الأهلي يهون ” و ” نــــــادى
الاهلـــــى .. حبــــه فى قلبـــــى .. لاخـــر عمـــــرى .. انصرنـــــــا
ياربـــى .. اليـــــــــه اليـــــــه __ فريـــق ابطااااااااااااال .. جمهــــور
جبااااااااااااااار ..”
وكذلك نجد في
بنية النص الأصلي “البنـود..الحشود ..الجهــود..الخـلود ..عنــدنـا..ربنــــــــــا..مجــدنـا..باسمـــــن..طبعنـــا..دمنــا..عنـــدنـا..أرضنـــا“
فإلى جانب اتفاق القوافي وجدنا توافقا في البنية
الصرفية، ووجدنا اهتماما بالصيغ المتقاربة المتشابهة، من خلال استخدام صيغة
المبالغة (فعيل) “كبير” عظيم” “قليل” و(فعول)
“حشود” و”بنود” و”جنود” فهذا التناغم بين توازن
اللفظة وتوازن الجملة يحقق بعدا امتاعيا يتوازى مع الأبعاد الإقناعية والتثويرية
والتحفيزية.
إلى جانب ذلك
تأني بنية التضاد وما بها من إثبات ونفي، لا تكتمل دلالتهما إلا عبر سسلة من التقدم
والتأخر، أوما يسمى بالقراءة الاستردادية، حيث يحتاج الذهن إلى الربط بين آخر
مفردة مع ما سبقها من مفردات، وهذه الحركة التي تتسم بالذهاب والعودة تشبه حركة
الموج، فيكون هذا الشعور الحماسي ممتدا عبر الدلالات وعبر الكلمات وعبر الجمل وعبر
النص كله.
ويأتي تكرار
كلمة “أوووووو” بهذا الصوت الممتد ليزيد من حدة الانفعال والحماسة، وهي
أشبه بمطلع الموشح الذي يتكرر للبدء في معاني جديدة.
وكذلك تكرار
كلمة “لا لا لا لا” وتكرار كلمة “إليه إليه” وإطالة الألف في
“أبطال” وجبار”، فهذه البنية الصوتية تمتزج أيضا ببنية الحوار أحيانا
منتجة حركة أخرى تتناغم مع الحركات المشار إليها آنفا، فهذا الحوار عبر
“قالوا وقلنا وقلت” يجعل النص ذا حركة مترابطة متتابعة، فحينما
نسمع” قالوا قد إيه بتهواه؟ قلتلهم الأهلي دا مش نادي دا حياه.. دايما في
قلبي وعمري ما بنساه.. أديله حياتي روحي و عمري فداه ..
لااللالالالالالالالالالالالا.. خد عمري كله وانصره يا الله” فالحوار ينتقل
من حوار أرضي إلى حوار سماوي، معتمدا على أسلوب الاستفهام، فالاستفهام المقترن
بجوابه يعرض حالة من العشق بين الأهلي وجماهيره، وهذا التوجه إلى الله تعالى
بالدعاء عبر أسلوب الأمر والنداء يوحي بصدق الحب وقوة العاطفة.
كما أن هذا
الحوار جاء في بنية موسيقية رائعة تشكل هي الأخرى حركة تتناغم مع حركة النص كله،
فيبدو النص وكأنه قطعة موسيقية واحدة.
خاتمة:
لم تعد البلاغة
دراسة قائمة على النصوص الأدبية فقط، بل تعدت ذلك إلى الحياة اليومية، فعالجت لغة
التواصل وما تحمله من دلالات، وهنا قد وقفنا على بلاغة جمهور كرة القدم، محاولين أن نحدد
أثر الإيقاع في مداعبة مشاعر وأحاسيس الجمهور، وبهذا نستطيع القول بأن الإيقاع لا
ينفك عن الدلالة، وأن غاية كل خطاب تفرض عليه إيقاعا معينا، وقد كان إيقاع النص
الذي نحن بصدد دراسته إيقاعا سريعا يتناسب مع غايته التحفيزية التشجيعية، وكذلك
يتناسب مع غايته الترهيبية، حيث إنه يحمل عدة رسائل في وقت واحد.
وهذه البنية الإيقاعية
تبدأ من اللفظة المفردة التي لايمكن أن تفارق سياقها، فجمالها جمال سياقي، مرورا
بالجملة، ثم الجمل، ثم النص كاملا، فإن حركية العبارة تناسبت مع حركية الإثارة،
فجاء النص حركيا تفاعليا.
المراجع:
حسن المودن، في بلاغة
الخطاب الإقناعي: نحو تصور نسقي لبلاغة الخطاب، دار كنوز
الأردن،2014
أبوحيان
التوحيدي،
الإمتاع والمؤانسة، تح: أحمد أمين و أحمد الزين، دار مكتبة الحياة، بيروت، (د ط)،
(د ت)، مج:1
الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت-ج1
صلاح فضل: أساليب الشعرية المعاصرة، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، 2016م
عماد عبد اللطيف: –“منهجيات
دراسة الجمهور.. دراسة مقارنة”، ضمن كتاب بلاغة الجمهور مفاهيم وتطبيقات،
تحرير وتقديم: حاوي (ص لاح الدين) وصديقي (عبد صديقي (عبدالوهاب)، شهريار –
العراق، ط1، 2017
–
“بلاغة جمهور كرة القدم، تأسيس نظري
ومثال تطبيقي”، مجلة العمدة في اللسانيات وتحليل الخطاب، ع6، يناير 2019،
جامعة محمد بوضياف المسيلة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
فان ديك، النص بنايته ووظائفه، مدخل اولي الى علم النص، ضمن نظرية الادب في القرن
العشرين، ترجمة وتقديم د. محمد العمري، دار إفريقيا الشرق، 1996
محمد العمري: البلاغة العربية اصولها وامتداداتها، افريقيا الشرق، ط1،1999
–
الموازنات الصوتية في الرؤية
البلاغية والممارسة الشعرية .. نحو كتابة تاريخ جديد للبلاغة والشعر،دار إفريقيا الشرق
–
في بلاغة الخطاب
الإقناعي، ط 1،
دار الثقافة، 1996م.
محمد عبد المطلب، البلاغة والاسلوبية،
الشركة المصرية العالمية للنشر، ط1، 1994،
محمد عبد الباسط، في حجاج
النص الشعري، إفريقيا الشرق، المغرب، (د ط)، 2013م
مصطفى ناصف، بين بلاغتين: د. مصطفى ناصف، ضمن أعمال ندوة “قراءة جديدة لتراثنا
النقدي”، كتاب النادي الأدبي الثقافي، جدة 1990.
[1] د.عماد عبد اللطيف: بلاغة
الجمهور ودراسة الخطاب السياسي ملاحظات منهجية ص ١٤.
[2]
د.عماد عبد اللطيف: منهجيات دراسة الجمهور ص ١٦
[3] د. عماد عبد اللطيف: بلاغة
جمهور كرة القدم، تأسيس نظري ومثال تطبيقي مجلة العمدة، ص١٢.
[4] د.صلاح
فضل:أساليب الشعرية المعاصرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2016م، صـ26.
[5] حسن
المودن، بلاغة الخطاب الاقناعي، ص: 147.
[6] فان
ديك، النص بنايته ووظائفه،مدخل اولي الى علم النص،ضمن نظرية الادب في القرن
العشرين،ص: 67.
[7]
الجاحظ، البيان
والتبيين،ج 1،ص: 114
[8]
حسن المودن، بلاغة الخطاب
الإقناعي، ص:17.
[9]
مصطفى ناصف: بين
بلاغتين: د.مصطفى ناصف، ضمن أعمال ندوة “قراءة جديدة لتراثنا النقدي”،
كتاب النادي الأدبي الثقافي، جدة 1990.ص: 3.
[10] محمد العمري: البلاغة العربية اصولها وامتداداتها،
افريقيا الشرق، ط1،1999، ص:293.
[11]
أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تح: أحمد أمين وأحمد الزين، دار مكتبة
الحياة، بيروت، (د ط)، (د ت)، مج:1، ص:85.
[12]
محمد العمري، الموازنات
الصوتية في الرؤية البلاغية والممارسة الشعرية .. نحو كتابة تاريخ جديد للبلاغة
والشعر،دار إفريقيا
الشرق، ص:52-53.
[14] حسن
المودن، بلاغة الخطاب الاقناعي، ص:157.
[15]
محمد
العمري، في
بلاغة الخطاب الإقناعي،
ط 1،
دار الثقافة، 1996، ص 104.
[16]
محمد عبد المطلب، البلاغة والاسلوبية، الشركة المصرية العالمية للنشر، ط1، 1994،
ص: 267.