أبعاد العلاقة بين اللغة العربية والهوية الحضارية
مقاربة لسانية اجتماعية
د. العياشي ادراوي
أستاذ التعليم العالي جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب
البريد الإلكتروني: ayachidra69@gmail.com
معرف (أوركيد): 0000-0003-1885-6846
بحث منشور بمجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول- العدد الثاني – ديسمبر 2020
تقديم:
إذا عُلم أن اللغة هي البؤرة التي يتمركز عليها نسيج أية أمة، كائنة ما كانت، وينبني عليها، وأنَّ بين اللغات والمجتمعات تفاعلًا بنيويًا عميقًا، بحيث إن تكوين الإنسان ثقافيا لا يحصل في استقلال عن اكتمال اللغة نَسقِيًا (والعكس صحيح)، وما يترتب عن هذا من وجود تفاعل مستديم بين نظاميْن؛ أحدهما ثقافي اجتماعي والآخر رمزي لغوي، إذا عُلم ذلك تأكد معه أن اللغة – أية لغة- تصح بالاستعمال السليم وتتقوى حتى تسود على غيرها، كما أنها تضعف بالإهمال إلى درجة الانقراض وفسح المجال لغيرها؛ فتضعف الهوية الموصولة بها والجماعة (أو الأمة) الحاملة لها مهيّئةً الظروف لشتى ضُروب الاختراق، وصنوف الغزو؛ المعنوي والمادي، الفكري والحضاري.
على هذا الأساس فإن ما يطرأ على اللغة من تغيرات وتحولات سلبًا أو إيجابًا، ينعكس بشكل مباشر على هوية الناطقين بتلك اللغة، مثلما أن ما يعتري هوية جماعة ما من تشوهات واختلالات يظهر على مرآة هذه الجماعة ويصرَّف فكرا وثقافة وحضارة. لذا فإن أي نزوع لحفظ الهوية وصيانتها، أو إثرائها وإغنائها على غير أساس لغوي لن يكون إلا القصور حليفه. وعليه فإن من أهم الأمور التي تتوجّب على الإنسان العربي اليوم تعزيز حضوره الفعال وتثبيت هويته الخاصة به في ساحة المعترك الفكري الحقيقي الذي يعيشه العالم، وبالتحديد معترك الصراع بين الثقافات والحضارات والتدافع بين اللغات والهويات.
ضمن هذا الإطار العام يروم هذا البحث – استنادًا إلى منهج تفكيكي تحليلي- معالجة إشكال اللغة والهوية انطلاقا من اقتناع أساس قوامه التأكيد على العلاقة الوثيقة الجدلية الموجودة بين المفهومين (اللغة/ الهوية) في مختلف الأبعاد وعلى صعيد كافة المستويات؛ ثقافيا وحضاريا واجتماعيا وتاريخيا. وبالتالي العمل على نقض التصور الانغلاقي التقليدي للغة الذي جسدته أساسًا الفلسفات الصورية/ المنطقية والتوجهات اللسانية المنغلقة (اللسانيات الصلبة) وفي مقدمتها البنيوية التي دعت إلى معالجة اللغة في ذاتها ولذاتها بمعزل عن أية اعتبارات أخرى اجتماعية كانت أو ثقافية أو معرفية أو غيرها، على عكس التصور المنفتح – وهو المتبنى في هذا البحث – الذي يتعاطى مع اللغة من حيث كونها نسقًا مفتوحًا (open system) يتأثر بما يحيط به ويؤثر فيه. ومن ثمة يُتجاوز النظر إلى اللغة على أنها أداة تواصل فقط إلى كونها – كما سبق البيان- منتجة للثقافة والحضارة، وصانعة للهوية وما يرتبط بها من قيم ورموز وعادات وسلوكات؛ أي باعتبارها اللغة المرتكز الأساس الذي تنبني عليه هوية الأمة وفكرها وتاريخها.
1- تحولات مفهوم اللغة بين اللسانية “الصلبة” واللسانيات “المرِنَة”
لعل ما ميز البحث اللغوي في نطاق اللسانيات التقليدية (اللسانيات الوصفية، اللسانيات المحايثة، لسانيات الجملة) تركيزه على بنيات اللغة أساسًا، أي النظر إلى اللغة من حيث هي نظام وليس باعتبارها سلوكًا، بما يجعلها تشكل – حسب هذا التصور- نسقا متكاملا منغلقا تمام الانغلاق عن العالم الخارجي، ومن ثمة فإن المقاربة الأكفى في هذا الإطار هي تلك التي تركز على اللغة في ذاتها ولذاتها بعيدا عن أية اعتبارات خارجية مرتبطة بالمحيط أو السياق، أو المقاصد، وما شابه ذلك (على نحو ما كانت تقضي النظرة الوضعانية للعلوم حينها)، لكن ما لبث بعد ذلك أن تبين مدى تهافت هذا التصور وقصوره في التعاطي مع سؤال اللغة وقضايا الخطاب لأنه لا يمكن بلوغ تفسير وفهم سليميْن للغات والخطابات بدراستها وهي منعزلة عن السياقات التخاطبية والتواصلية الفعلية.
وعلى هذا الأساس فقد أضحى الارتباط الوثيق بين اللغة من جانب، والواقع الإنساني والتفكير البشري من جانب آخر، من المسلمات التي لا تقبل المراجعة. لذا لم تعد هذه المنظومة اللسانية منعزلة ولا منغلقة على ذاتها، تتراوح مهمتها بين نقل الخبر وتحقيق المعنى، بل أصبحت نظاما تواصليا ثقافيا، ونسقا اجتماعيا، وتعبيرا عن الوجود الإنساني، بل وتحقيقا لهذا الوجود الاجتماعي والثقافي في العالم. في هذا الإطار نجد مثلا نُورْمانْ فيرْكْلافْ (Norman Fairclough) يَعُد اللغة جزءا من الحياة الاجتماعية لا يمكن اختزاله، إذ بينها وبين عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى علاقة منطقية جدلية تجعل من الضروري أن يأخذ البحث والتحليل الاجتماعي اللغة بعين الاعتبار ([1]).
ومع تطور الاجتهادات اللسانية وما يسندها من علوم مجاورة تبين أن عزل اللغة عن الفكر والواقع، أي دراستها في ذاتها ومن أجل ذاتها، بات مفتقدًا لأي مبرر علمي أو تفسير موضوعي، خاصة بعد انتشار النظريات التداولية التي فتحت أفق البحث واسعا أمام مجال الفعل الإنساني بما ينطوي عليه من مؤهلات ذاتية تطلق لدى الفرد حرية المبادرة والإبداع، استنادا إلى ما يراكمه من تجارب فردية ومعارف موسوعية ووقائع خارجية تنقل هذا الفرد من مجال الكلام والأقوال إلى ميدان الإنجاز والأفعال، وهو انتقال لا يتم بشكل اعتباطي عفوي بل إنه محكوم بجملة من القواعد اللسانية والمنطقية والنفسية الاجتماعية، والقيمية الجمالية، والثقافية وغيرها ([2]).
ارتباطا بهذا اتضح بشكل ملموس، مع منتصف القرن الماضي تحديدا، العجز الكبير للعديد من المقاربات والنظريات اللسانية – خاصة التركيبية والدلالية منها – عن ملامسة تلك الأبعاد الاجتماعية والثقافية والنفسية للغات الطبيعة (ordinary languages)، بالنظر إلى تركيزها المبالغ فيه على الجوانب البنيوية النسقية للخطاب في مقابل الإهمال شبه التام لمنتج الخطاب ومتلقيه، وبيئة إنتاجه وأفق تلقيه وقراءته وتأويله، ودونما استحضار أيضا لعناصر المجال التداولي للتخاطب، من مقام وتفاعل وتَذاوُتٍ وتعاون واستلزام، وغير ذلك ( ([3])). الأمر الذي حتم البحث عن مقاربات ذات أصول مغايرة ومنطلقات مختلفة بإمكانها تقديم أجوبة كافية لما استجد من قضايا، لذلك برزت تصورات تستحضر أبعادا أخرى في الخطاب مثل السياق والقصد والذات، وغيرها من المفاهيم ذات البعد التداولي الاستعمالي ([4]).
وتبقى اللسانيات الاجتماعية واللسانيات التداولية – بما هي دراسات تختص بوصف وتفسير العلاقات التي تجمع بين الدوال الطبيعية ومدلولاتها وبين الدالين بها – أهم الاجتهادات اللسانية التي تستحضر تلك الأبعاد وتُعنى بها. وغني عن البيان ها هنا أن هذا الفرع المعرفي عمل على استثمار وتطوير العديد مما طرحته النظريات اللسانية وتيارات فلسفة اللغة والأبحاث المنطقية من مبادئ ومناهج وآليات للتفسير والتأويل، لكونها ظهرت في زمن تزايد الاهتمام فيه بالظواهر التخاطبية والآليات التواصلية وبالأنساق المنطقية ذات الأبعاد الطبيعية، الشيء الذي أدى إلى خلق نقط تلاقي كثيرة بين نظريات من أصول مختلفة وحقول متباينة، كالمنطقيات واللغويات وعلم النفس والفلسفة وغيرها من المجالات العلمية التي تَغَيتْ جميعها الكشف عن مختلف العمليات التخاطبية والتفاعلات الحوارية والحجاجية المرتبطة باللغة، كما بالذوات المتخاطبة وبالواقع التداولي الخارجي والقيم الإنسانية والاجتماعية، وما سوى هذا مما يشكل أساس الاستعمال اللغوي عامة ومركز اهتمام البحث التداولي خاصة ([5]). لذلك فإن من أبرز مهام هذا التوجه في البحث اللساني دراسة اللغة عند استعمالها في مستويات مقامية مختلفة؛ أي باعتبارها كلاما محددا صادرا عن متكلم محدد وموجها إلى مخاطب محدد، بلفظ مخصوص وفي مقام تواصلي مخصوص لأجل تحقيق غرض معين.
ومعنى هذا أنه في إطار هذا التصور للغة من حيث هي نظام مفتوح (open system) لا يكون الخطاب إلا بين متكلم ومخاطَب، ولا يكون إلا لدواعٍ، ولا يكون إلا لمقاصد، ولا يكون إلا في إطار زماني ومكاني وشروط تواصلية (ثقافية وفكرية وأيديولوجية) هي ما يُعبر عنه بعناصر السياق والمقام بمعنييْه الخاص والعام ([6]). فهذه العناصر مجتمعة هي ما تمده بهويته “الخطابية” وتحدده بما هو كذلك. لذا فإن مما يدخل في نطاق اهتمام البحث الاجتماعي والتداولي أيضا دراسة الشروط التي تضمن النجاح والفعالية والمناسبة لكل استخدام لغوي، ومدى مطابقة كل ذلك للبنية العامة للخطاب ([7]).
2- اللغة في بُعديْها الاجتماعي والثقافي
إذا كانت اللسانيات التقليدية عامة ولسانيات الجملة خاصة، كما أسسها سوسير (1916) قد حددت نطاق اشتغالها وعملت على ضبط تخومه المتمثلة في اللغة (la langue) بوصفها نسقًا محايثا قائما ومستقلا بذاته -كما سبقت الإشارة- فإن التساؤل الذي يُثار من زاوية النظر اللساني التداولي – الذي يتجاوز مستوى اللغة إلى أفق الخطاب والتخاطب- هو الكَيْف المعرفي الذي تم به ذلك الحصر، على اعتبار أن تجريد اللغة من واقع الممارسة الحية استنادا إلى إجراءات نظرية تجريدية يُفضي إلى التعاطي مع “شيء” مجرد فارغ من محتواه الحقيقي، وفاقد لطبيعته الأصلية الأمر الذي يضر بجوهر اللغة وحقيقة الخطاب على مستوى التمثل كما على مستوى الممارسة.
ولهذا “فإن الوقوف عند الطبيعة الحية للممارسة اللغوية لا يتم إلا بإدراجها في محيط العلاقات الاجتماعية والأيديولوجية. وأية محاولة لاختزال اللغة إلى بُعْد من الأبعاد المتصلة بعملية إنتاج الأصوات وتلقيها (البعد الفيزيائي أو الفزيولوجي أو غيرهما) إلا ويضيع معها جوهر الموضوع المدروس؛ أي طبيعته السميائية والأيديولوجية، مما يدل على أن الطبيعة الخصوصية للممارسة اللغوية لا يمكن أن تتحدد إلا داخل شبكة العلاقات الاجتماعية المتفاعلة”. وإلى هذا المعنى يذهب صاحب كتاب “اللغة والسلطة” حيث يؤكد على أنه “من المهم الوقوف على جوانب الأحوال الاجتماعية للخطاب وكيف تتحكم الهياكل الاجتماعية فيه؛ أي كيف يخضع الخطاب الفعلي لأعراف الخطاب الكامنة في المجتمع. وهذه الأعراف تتشكل في مجموعات أو شبكات يُطلق عليها نظام الخطاب. وإلى جانب ذلك فإن هذه الشبكات ونُظُم الخطاب تجسد أيديولوجيات معينة” ([8]).
فاللغة تبعا لذلك لا تظهر خصائصها الحقيقية إلا من خلال المنجز التلفظي في وضع اجتماعي معين. يقول باختين في هذا الصدد :” إذا كان من اللازم لملاحظة عملية الاحتراق وضع جسم (مادي) في الوسط المناخي، فالشيء نفسه كذلك بالنسبة إلى ظاهرة اللغة إذْ من اللازم وضع الذوات المرسلة للصوت والمتلقية له، وكذلك الصوت نفسه في الوسط الاجتماعي” ([9]). وهذا يعني، من ضمن ما يعنيه، أنه يستحيل تصور أي وجود حقيقي لظاهرة اللغة خارج مكون أكثر شمولا وأكثر حيوية هو المكون الاجتماعي بانتظامه وديناميته وفعاليته، إذْ بالاندماج في هذا المركب العام تحقق اللغة فاعليتها التواصلية وقيمتها التخاطبية. لكن ما تجب الإشارة إليه في هذا السياق أن النظر إلى اللغة على أساس حقيقتها تلك، أي باعتبارها “ممارسة” مختلفة الأبعاد متعددة المكونات لا يمكن أن يكون ذا جدوى إلا إذا تم حصْر كل ما يرتبط بظاهرة التبادل اللغوي في عنصر مشترك يتمثل في “العملية التخاطبية”، بحكم أن “مكونات التخاطب المختلفة من مقام ومتكلمين ومستمعين لا توجد خارج المخاطبات وإنما تقوم داخلها، لذلك تشكل المخاطبة بمقتضى إضمارها لشروط إنتاجها الموضوع الشامل لدراسة العمليات التخاطبية”([10]).
فكل مخاطبة إنما تقتضي – بحكم طبيعتها- علاقة بين متكلم ومستمع؛ أي علاقة توجهها محددات تفاعلية وأخرى اجتماعية لأن الخطابات، كائنة ما كانت، ومهما كانت المقامات والسياقات التي تقترن بها تبقى موجهة نحو الآخر، أي نحو مستمع محدد حتى ولو كان من حيث وجوده الواقعي غير حاضر.
ولهذا فإن اللغة – حسب ما تقتضي به تداوليات التخاطب- ليست، بأي حال من الأحوال، معطى مجردا ثابتا يُستند في دراستة إلى نظام من القواعد القارة، وإنما هي نتاج الحياة الاجتماعية، أو لنَقُل إنها سيرورة من الدينامية المواكبة لدينامية الحياة الاجتماعية والثقافية وتطورها، ولذلك فهي لا تتجسد في علاقات مجردة ومعزولة وإنما في علاقات التواصل الاجتماعي التي ينشئها كل فرد مع أقرانه، وعليه “من المستحيل أن نفهم كيف تنبني المخاطبة، وإنْ بدا لنا مظهرها الخارجي مستقلا ومنتهيا، ما لم نعانيها بوصفها لحظة ما، قطرة بسيطة داخل هذا السيل من التواصل الكلامي الذي تكون حركته المتواصلة هي نفسها حركة الحياة الاجتماعية والتاريخ”([11]).
ويترتب على هذا أمران أساسيان، أولهما أن كل مخاطبة إلا وتوجد مقترنة بشكل من أشكال التواصل الحي. وثانيهما أن المخاطبة ذاتها، إذا نُظر إليها على أنها ظاهرة لغوية صرفة ومنعزلة، لا يمكن أن تكون لا صادقة ولا كاذبة، ولا جريئة أو محتشمة، ومن ثمة فإنه لا إمكان لتقويمها إلا وهي موصولة بسياقات واقعية ومقامات حية. ومتى تبين ذلك تبين معه أيضا أن كل ملفوظ (énoncé) أو خطاب يصير شكلا من أشكال التخاطب الحي الذي يتعين مقاربته باستحضار مختلف العناصر المكونة له والمتمثلة في المظهر اللغوي، وعلاقة المتخاطبين فيما بينهم، والمقام([12]) وغير هذا.
هكذا إذن يبدو أنه بعد تراجع اللسانيات ذات النزعة الصورية المغلقة ظهرت ونمت نظريات لسانية وظيفية ومعرفية رأت في اللغة الأساس المتين الذي يقوم عليه فكر الأمة وتاريخها، مثلما برزت مناهج جديدة في معالجة اللغة الإنسانية تجعل هوية الناطقين بتلك اللغة مركز اهتمامها واشتغالها([13]). مما يعني أن الهوية أضحت تشكل الجزء الأهم في أية دراسة تجرى حول اللغة إذا ما أريد للنظرية اللغوية أن تتطور وتُعاد إليها نزعتها الإنسانية (Rehumanization). فاللغة – حسب هذا الطرح الاجتماعي والأيديولوجي- هي الأساس الصلب الذي تنبني علية هوية الأمم والشعوب وتصاغ وفقه قصة حضارتها، على اعتبار أن الهوية – كما سنوضح في الصفحات القادمة- هي مفهوم ذو دلالة لغوية لسانية من جهة، وحضارية ثقافية من جهة أخرى.([14])
إن البحوث المنجزة في أكثر من حقل معرفي في العلوم الإنسانية والاجتماعية أضحت تؤكد أن اللغة ليست مجرد نظام من العلامات الدالة يصف العالم وإنما وظيفتها أكبر وأعمق من ذلك بكثير؛ فهي تقوم بدور الوسيط الذي يتدخل في تحديد تصرفات الفرد وأنماط سلوكه وتكوين رؤيته وتصوره للعالم، وتحديد علاقاته بأفراد مجتمعه وبالآخر، فضلا عن تأثيرها في نشاطه ومعتقداته وحياته ووعيه([15]). وعلى هذا الأساس فالإنسان لا يرى إلا ما تريه لغته، كما أن كل جماعة لغوية تنظر إلى العالم من خلال لغتها وتدرك أشياءه وحقائقه استنادا إلى لسانها.
3- الهوية بين الثبات والتغيُّر
يعد مفهوم الهوية من المفاهيم التي طرحت وما زالت تطرح إشكاليات نظرية ومنهجية غاية في الصعوبة والتعقيد سواء من حيث تمثلها على مستوى الوعي أو تعريفها من المنظور الاصطلاحي، وأيضا من حيث توظيفها في سياق التحليل والدراسة، ذلك أن الهوية هي المفهوم الذي يرمز ويوحي أكثر مما يفصح ويُظهر، ومعانيه ودلالاته الإيحائية أكثر قوة وثراءً من معناه الحرفي المباشر. ويظهر ذلك في الاستعمالات المعاصرة مثلما يبدو في التحديدات التراثية. يعرف محمد بن علي الجرجاني – مثلا- باعتبارها “الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق”([16]). وتكمن قيمة هذا التحديد –بالنسبة إلينا على الأقل- في كونه يجعل مفهوم الهوية منفتحا على فضاء الممكن والمحتمل وليس على الاكتمال والانغلاق بما يعني أنها يمكن أن تشتمل على كل ما يمكن أن تسمح به الكيانات الفردية والجماعية استنادا إلى أصول ومبادئ ثابتة مما يجعلها مفتوحة متفاعلة – على الدوام – على ما سوف يأتي([17])، ليس على سبيل الرفض والتأثر السلبي وإنما على سبيل الحوار والتفاعل الإيجابي المفضييْن إلى تطوير هذه الهوية وإغنائها وإعادة تموقعها في إطار السياقات الجديدة والمتغيرات الطارئة دونما انفصال عن الأسس والمبادئ أو تفريط في الأصول والجذور الثقافية والحضارية والدينية واللغوية وغيرها التي تشكل جقيقة الهوية وجوهرها.
لذا ليس غريبا أن نجد جل المعاجم العربية تربط مفهوم الهوية بمعنى “العمق”. فقد جاء في الصِّحاح على سبيل المثال لا الحصر “هوى يَهْوِي هويًا أي سقط إلى أسفل… وأهوى إليه بيده ليأخذه. والهوة: الوَهْدَةُ العميقة. والأُهْويةُ مثلها. والمهوى والمهواة: ما بين الجبلين. وتهاوى القوم في المِهْوَاةِ: إذا سقط بعضهم في إثر بعض”([18]). وإلى المعنى نفسه يشير صاحب لسان العرب حيث يقول: “الهوية من هوى يهوي هوة. والهوية تصغير هوة. وقيل الهوية بئر بعيدة المهواة؛ أي الحفرة البعيدة القعر”([19]). وبناء عليه فإن تجريد مفهوم الهوية من هذا البعد (المتمثل في الدلالة على العمق) يجعل المفهوم يفقد معناه الحقيقي ومن ثمة لا يغدو دالًا إلا على صورة شكلية من صور الهوية أو على مكون بسيط من مكوناتها في أحسن الأحوال. خاصة إذا علمنا أن معنى الهوية المتعارف عليه اجتماعيا وحضاريا يشير إلى أنها “ما به يكون الشيء هو هو؛ أي من حيث تشخُّصه وتحققه في ذاته وتميزه عن غيره. إنها وعاء الضمير الجمعي لأي تكتل بشري ومحتوى لهذا الضمير في الآن نفسه بما يشمله من قيم وعادات ومقومات تكيف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها”.([20])
وهذا يعني – من ضمن ما يعنيه- أن الحفاظ على الهوية يكون بطريقين اثنين على الأقل؛ أولهما توطيد الانتماء إلى الجماعة (الشعب أو الأمة) والإخلاص لها، وثانيهما التميز عن الآخر والاختلاف عنه لأن الانتماء لا يتحدد إلا بالآخر المختلف. وتبعا لهذا فإن الهوية بطبيعتها لا يمكن أن تُفهم بعيدا عن علاقتها مع الآخر المختلف المغاير. وبقدر ما تعبر الهوية عن نفسها من خلال اللغة والخطاب فإنها في الآن نفسه تنفتح على الآخر من خلال هذه اللغة. لذا يستحيل تمثل دلالة الهوية وفهم أبعادها ورهاناتها المختلفة من دون استحضار للغيرية بوصفها تمثل الوجه الآخر للهوية. فليست هناك هوية في ذاتها ولا حتى لذاتها وحسب، وإنما هي دوما علاقة بالآخر([21])، بما يعنيه ذلك من فاعلية تواصلية وكفاءة حوارية وقدرة على الإسهام والتفاعل وما إلى هذا مما يدل على أن مفهوم الهوية لا يمكن أن يحدَّد على أساس الثبات والتجانس أو الانغلاق والتطابق بل على العكس من ذلك لا يعرَّف إلا باعتباره مفهوما ينبني في جوهره على الاختلاف والتغيّر والانفتاح وإعادة التشكيل، وغير هذا مما يساهم في إعادة تشكيل للهوية على نحو يقويها وينمّيها ويرتقي بها مع إبعادها في الآن نفسه عما يضعفها ويقوضها. يقول عبد السلام المسدي في هذا الإطار: “إن الهوية في مفهومها الشامل قيمة جوهرية في حياة الإنسان بوصفه كائنا ثقافيا قبل أن يكون كائنا بيولوجيا. وجوهر الهوية الانتماء، وهو الذي يفارق به الإنسان آدميته الغريزية مرتقيًا إلى آدميته المتسامية. والانتماء مضمون وإبلاغ؛ فأما المضمون فعقيدة تكفل له الإيمان وتقيه شر الضياع في الوجود. وأما الإبلاغ فلغةٌ تؤَمن له التواصل الإنساني الخلاَّق. فإذا توافقت دائرة الإيمان ودائرة اللسان كان الانتماء للتاريخ وكان الاستشراف للمآل”([22]). فالتوافق إذن بين الإيمان واللسان أو لنقل التوافق بين ممارسة الدين وتفعيل التواصل ينمّي الهوية ويجعلها تنفتح على مزيد من الترقي والتسامي ومن ثمة تزداد رسوخا وقوة يَقيانها أسباب الانحطاط من جانب، وتزداد –من جانب آخر- توسعًا وامتدادًا يمكنانها من بسط أبعادها المختلفة بحيث تستوعب أكثر العناصر الممكنة([23]).
وإذا تبين هذا تبين معه أن الهوية ليست ما يتم تذكره والمحافظة عليه والدفاع عنه فكل ذلك موجود محقق مسلم به، وإنما هي بالأحرى ما ننجزه ونحسن أداه؛ أي ما نصنعه بأنفسنا وبالعالم من خلال علاقاتنا ومبادلاتنا مع الغير. وعليه فإذا كانت ثمة من مشكلة في هويتنا اليوم فهي حتما ليست في اكتساح العولمة وغزو الآخر لنا – وإن كان ذلك جزءا من المشكل- وإنما هو في عجز أهل هذه الهوية عن تقويتها وإعادة ابتكارها وتشكيلها في سياق الأحداث والمجريات؛ أي في عجزهم عن عولمة هويتهم وأَعْلَمَة اجتماعهم وحوسبة اقتصادهم وعقلنة سياساتهم وكَوْنَنَة فكرهم ومعارفهم وما سوى هذا مما هو مؤجل القيام به وتحقيقه. لذا ف”الرهان هو تظهير صورة جديدة للهوية؛ معنىً ومعاشًا، نظريةً وممارسةً، تسهم في إخراجها مخرجا أكثر قوة وغنى وفاعلية من خلال شبكة جديدة من المفاهيم كالانبناء والتكوين والصناعة والتنمية والتواصل أو التداول وغير ذلك من المفاهيم والتعاملات التي تعطي الأولوية للغة المفهومية والعقلية التواصلية والاستراتيجيات العملانية والتحويلية على أدلوجات الوعي وتقديس الذات وعلى عقلية الطوبى والاستلاب أو على منطق المطابقة والمحافظة”([24]). ولا شك أن مثل هذا المفهوم المنفتح للهوية (أي من حيث هي ما لم نَكُنْهُ به) هو الذي يفتحنا على استشراف المستقبل ومجابهة التحديات وإعادة رسم الأهداف لتحقيق نهضة هوياتية على كافة المستويات؛ حضاريا ولغويا وثقافيا وإعلاميا واقتصاديا.
4- في الصِّلة بين الهوية واللغة
بيْن اللغة والهوية ترابطٌ قوي وتفاعل مستمر في السلوك الفردي كما في السلوك الاجتماعي للناس داخل الأوطان والبلدان بحيث يؤثر كل منهما في الآخر إيجابًا وسلبًا، قوةً وضعفًا؛ فإذا قويت الهوية قويت معها اللغة وإذا ضعفت الهوية ضعفت اللغة كذلك لأن اللغة هي على الدوام تعبير عن الهوية وانعكاس لها في الواقع. إن اللغة من حيث هي الأداة المثلى في قيام التواصل بين أفراد المجتمع وتحقيق الاندماج داخله تبقى الوسيلة الأساس لبناء الهوية وتحديدها والتعرف على الذات وتمييزها. فاللغة تبعا لهذا مكون أساس من مكونات الهوية في كل أمة أو بلد أو وطن، بل إن الهوية مفهوم ذو دلالة لغوية واجتماعية وثقافية، يعني الإحساسَ بالانتماء إلى أركان الهوية التي هي الدين والثقافة والاجتماع. أما اللغة فهي الناطق الرسمي بلسان الهوية ووسيلة إدراك العالم وتصنيف المجتمعات. ونظرا إلى خطرها وشموليتها فهي مسؤولية كل الجهات التي تكوّن عناصر المجتمع، لأن اللغة هي الهوية ذاتها التي نحوّل بها المجتمع إلى واقع، وثقافة الأمة كامنةٌ في لغتها، كامنةٌ في معجمها ونحوها وتراكيبها ونصوصها. وما مِن حضارة إنسانية إلا ورافقتْها نهضة لغوية، وما مِن صراع بشري إلا ويخفي داخله صراعا لغويا. فالهوية إذن هي نتاج المعاني والقيم التي يوجدها الأفراد عبر اللغة، والطابع الخاص لأي مجتمع هو نتيجة تفاعل ما يجري في نطاقه من خطابات لغوية وتفاعلات لسانية([25]).
وعلى هذا الأساس فإن كيان الأمة وهيئتها وسَمْتُها ليس إلا مجموع المبادئ المنتزعة من أثَر اللغة والدين والعادات والرصيد الثقافي والميراث الحضاري. أما اللغة فهي ذات الحظ الأوفر في إبراز صورة وجود الأمة وكشف أفكارها ومعانيها، بل ليُمكن القول إن اللغة هي وجود الأمة ذاته([26]). لذا فإن مما تتميز به اللغة البشرية – كائنة ما كانت- أنها نسق زمزي وُجد أصلا لحمل نسخة للعالم الثقافي الذي يقترن بمجتمع لغوي ما من جهة، ولتناقل هذه النسخة بين الأجيال المتعاقبة تاريخيا، وكذلك بين الفئات المتزامنة اجتماعيا وثقافيا من جهة أخرى([27]).
وذلك يعني من بين ما يعنيه أن اللغة ليست أداة تعبير وتواصل فقط وإنما هي أيضا بوابة الإنسان الرئيسة نحو إدراك العالم، لأن العالم هو بدايةُ ذلك الفضاء المادي والرمزي الذي تشكله اللغة. لذا كما يقول أهل النسبية اللغوية (positivism linguistic) “لغتي هي عالمي وحدود لغتي هي حدود عالمي”. فبها تستطيع الأمة أن تكون موجودا حضاريا، مستقلة بذاتها متميزة عن غيرها، تتحدد عناصر وجودها ذاك استنادا إلى وجودها داخل لغة تعبر من خلالها عن رؤاها الموصولة بهذا العالم([28]). “إن الإنسان – على حد تعبير فِلْهم هومبولت- ليس إنسانًا (كما أن الأمة ليست أمة) إلا بفضل اللغة”([29]). وبالنظر إلى القيمة الحضارية للغة بالنسبة للأمم والشعوب سيذهب هومبولت بعيدا إلى حد التأكيد عى “أن اللسان هو الأمة عينها، وبالمعنى الحصري هو الأمة بشكل فعلي. إذ ماذا يعني اللسان إن لم يكن ذلك التألق والازدهار الذي تصبو إليه كل الطبيعة الجسمانية والروحية للإنسان”([30]).
إن اللغات والألسن إذن هي في حقيقتها رؤى عن العالم بالمعنى الذي يدل على أنه إزاء فرد ينتمي إلى جماعة لسانية ما فإن اللسان يحافظ على قدر من الوجود المستقل، وأنه عندما يكبر هذا الفرد في نطاقه فإن اللسان يدخله في اللحظة نفسها في إطار نوع من العالم ونوع من السلوك نحو العالم. والعالم، كما يقول غادمر (Gadamer)، ليس عالما إلا من منطلق أنه يعبر عن نفسه من خلال لسان ما. وليس ذلك فقط، بل إن اللسان هو كذلك لا يتحقق وجوده الفعلي إلا من منطلق أن العالم يجسد حضوره داخله. ومؤدى هذا أنه لا حديث ممكن عن إدراك العالم من قبل الفرد ومن قبل الجماعة إلا باستحضار معطى اللغة، وخاصة اللغة الأم. فاللغة – حسب الأبحاث المعرفية والاجتماعية الحديثة- تمثل المعطى الأول الذي يوجه كل التنظيم الخاص بإدراك وفكر الإنسان. وهو الذي يحدد، تبعا لذلك، رؤيته للعالم وتمثله له. فالإنسان لا يفهم العالم ويتفكر فيه بواسطة اللغة فحسب، بل إن رؤيته للعالم وطريقته في العيش والتصرف ضمن هذه الرؤية محددتان مسبقا بواسطة اللغة([31]).
وكما هو واضح فإن هذه القضايا مستوحاة من أطروحات “سابيرْ-وُورْفْ” (Sapir and Whorf) وطريقة تصورهما للوظيفة الأصلية للغة. فهذه الوظيفة، كما سبق البيان، تتجاوز حدود التعبير والتواصل لكي تحدد مجمل تصوراتنا عن الكون وأشكال وجوده وتجلياته. من منطلق أن ما نعرفه عن العالم وكيفية ذلك، وأنماط توزيع المضامين عمليات تتم داخل اللغة ومن خلال آلياتها في التقطيع المفهومي وصياغة حدود الفضاء والزمان. فاللغة هي الأداة الوحيدة التي تمكن الإنسان من القيام بذلك([32]). لذا تمثل بذرة الكينونة الأولى وأقدم تمظهرات الهوية وتجلياتها، فكأن العلاقة بين اللغة وأهلها الناطقين بها علاقة وجود وكينونة يتحقق الوجود الحضاري والثقافي بها ويمتنع بعدها. وعلى هذا الأساس فاللغة تبقى دائما عنوانا أو جذرا مؤسسا لوجود الأمة وهويتها من حيث هي مستودع أمين يختزن مقومات الانتماء وملامح الذات ومقومات الثقافة لتحفظ أصحابها من الذوبان في الآخر والانصهار في الغير أثناء التفاعل الثقافي والإنساني([33])، وبالتالي تجنبهم الوقوع في الاستلاب الحضاري الذي ينبني – أول ما ينبني عليه- على “الاستلاب اللغوي”.
5- الاستلاب اللغوي والاستلاب الحضاري
إن اللغة – كما سبق التوضيح- تشكل أساس الأمة وقوتها ووحدتها ومرآة حضارتها، فهي الوعاء الذي يستوعب فكرها وثقافتها، وهي السلك الذي ينظم ما أنتج شعب من نفائس وصور، وهي الجسر الذي تعبُر عليه التجارب الإنسانية من جيل السلف إلى جيل الخلف، وهي الصورة الثابتة لثروات الأمة الفكرية والحضارية والدينية، وهي أيضا المقوم الصلب الذي لا تقوم حضارة أمة أو ثقافة شعب دون أساس ثابت منه. لذا فرُقي لغة من اللغات هو عنوان رُقي أصحابها، كما أن انحطاط لغة من اللغات هو عنوان انحطاط أصحابها كذلك([34]). وبالنظر إلى هذا كله فإنه لا أمل في تقوية المناعة الحضارية للأمة والحفاظ عليها إلا بتقوية مناعتها اللغوية على اعتبار أن أي ضعف أو اختراق يصيب جسمَ لغةِ الأمة يصيب كيان الأمة وحضارتها برمتها. لذا نجد –مثلا- مَنْ تكالبوا ويتكالبون على الأمة العربية الإسلامية وحضارتها لا يتوانوْا في استهداف لغتها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ويسعون جاهدين لإضعافها وتغيير نظرة أهلها إليها مُزعزعين ثقتهم بها من خلال محاولة زرع الشك في نفوسهم في قدرة اللغة العربية على القيادة الحضارية ومواكبة تطورات العلم والتقنية ومسايرة التحولات الكونية التي تفرضها الحضارة المادية المعاصرة.
ففي إطار الصراع الحضاري الدائر اليوم يعتمد الاستعمار اعتمادا كبيرا على اللغة في إخضاع الشعوب المستعمرة واختراقها. لذا نجده يبذل المال والطاقات البشرية، ويشيد المعاهد والمراكز الثقافية من أجل نشر لغته وتقويتها وتثبيتها، في مقابل القضاء على اللغات المحلية من خلال تهميشها وإضعافها. وعندما ينجح في ذلك يطمئن لِوَلَاءِ فئة عريضة من النخبة المثقفة في البلاد المستعمرة ونيابتها عنه في قيامها بالمهام التي يفترض أن يقوم هو بها دون أية خسارة مادية أو معنوية، ودون حملات عسكرية أو أساليب حربية، ما دام هناك سلاح أشد قوة وأكثر فتْكًا وهو اللغة.” فباللغة إذن يتمكن الغازي من هزيمة الشعوب فكريا، ويتحكم في مصائرها، ويفرض عليها نمطه الفكري الحضاري، ويحولها من أصولها الحضارية إلى أمة ذات حضارة هجينة وحياة مصطنعة بعيدة كل البعد عن المنابع الفطرية التلقائية لهويتها”([35]).
ولعل ما يؤكد هذا – على سبيل المثال لا الحصر- تنامي اللغة الأجنبية في المجتمعات العربية (تعليما وإعلاما واقتصادا وإدارة) وتراجع اللغة العربية. وإحلال تلك محل هاته إنما يعبر عن أمرين خطيريْن أساسييْن أصابا الذات الحضارية العربية، أولهما الشعور بالهزيمة أمام لغة الآخر وثقافته وفكره. وثانيهما الوقوع فيما يسمى بالاستلاب الحضاري الذي يعني اهتزاز الثقة في قدرة الذات القومية على اللحاق بركب الآخر المتقدم المتفوق حضاريا، ومن ثمة يلجأ إلى استعارة النموذج الحداثي الذي شيده هذا الآخر من خلال استيراد واستنساخ آلياته وأدواته وفي مقدمتها اللغة والتعليم.
فاستنادا إلى هاتين الأداتين استطاع الآخر (الأوروبي والأمريكي تحديدا) أن يخضع الشعوب العربية المسلمة لسياسات تربوية وتعليمية تعزز سلطانه واستيطانه، وتنال من القيم الإيمانية والأخلاقية والحضارية التي تحملها ثقافات هذه الشعوب. وبفضل هذه السياسة اللغوية التعليمية الاستعمارية “تمكن هذا المتسلط الكوني من أن ينشئ من أبناء هذه الشعوب نخبًا أُشرب أفرادها في قلوبهم ثقافتَه القائمة على النظر المُلْكي لا النظر الملكوتي. حتى إذا رحل عن أراضيهم تولَّوا عنه تثبيت هذه الثقافة المنفصلة بين ذويهم ومواطنيهم، وذلك بحجة أنها تضمن لهم التقدم الحضاري الذي افتقدوه في ثقافتهم الأصيلة التي قامت، في اعتقادهم، على نظر ملكوتي (ديني/ الإيماني) يضر بكل تقدم. ولم يَقنَع هذا “الغازي” بإنشاء تلك النخب من المثقفين المنفصلين التي تنوب عنه في سابق مستعمراته ولو من غير تفويض مباشر منه، بل أيضا خلّف وراءه مدارس البعثات الأجنبية التي ما فتئت تتعدد وتتوسع وتخرّج المزيد من ذوي الثقافة المنفصلة، هذا مع ممارسة لِأَلْوان من الضغوط على أصحاب القرار والنفوذ في هذه الأوطان الإسلامية لكي يستمروا في سلوك نهجه التثقيفي الانفصالي([36]) الذي يسعى، ما وسعه الجهد، لتدمير مقوماتها الحضارية وقيمها الثقافية ومرتكزاتها الفكرية وعلى رأسها اللغة والدين أُسَّا الحضارة العربية الإسلامية.
6- الهوية العربية وسؤال الأمن اللغوي
كما سبقت الإشارة في الصفحات السابقة أنه من المسلمات الثابتة عند المشتغلين بالفكر الإنساني عموما والفكر اللساني خصوصا أن اللغة هي الوعاء الأوفى الذي يحفظ قيم الأمة الفكرية والروحية والفنية ومنجزاتها العلمية، كما أنه يعكس مرتبتها على سلم الحضارة الإنسانية تميزا أو انحطاطا. وتُضاف إلى هذا مسلمة أخرى وهي “أن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وأن منزلتها بين اللغات صورة لأمتها بين الأمم”، كما يرى ابن خلدون. ومعنى هذا أنه لا تفاضل في الأصل بين اللغات، ولا تمايز بينها في حد ذاتها؛ بحيث توصف – مثلا- إحداها بالقوة وتوصف الأخرى بالضعف، أو يُنظر إلى لغة بعين الإجلال والتعظيم لثرائها وانفتاحها، وإلى ما سواها بعين الاستخفاف والتحقير لفقرها وانغلاقها.
بناء على هذا يبدو جليًا التلازم القائم بين اللغة (كائنة ما كانت) وأهلها الناطقين بها. إنها تضعف بضعفهم وتقوى بقوتهم، بل إنه لا قوة لهم إلا بتقوية اللسان الدال عليهم وجعله علامة مميزة لهم دون سواهم. وعليه فلا أمن لهذه الأمة أو تلك، ولا استمرارية – في التاريخ الإنساني- لهذا الشعب أو ذاك إلا بحفظ اللسان وتأمين اللغة. وعلى هذا يؤكد شاعر صقلية “إجنازيو بوتيتا” بالقول:”إن الشعوب يمكن أن تُكبَّل بالسلاسل وتُسد أفواهها وتُشَرد من ديارها فتظل مع ذلك غنية موجودة. إن الشعب يفتقر ويستعبد ما أن يسلب اللسان الذي تركه له الأجداد؛ عندئذ يضيع إلى الأبد”([37]).
واضح إذن أن الأمن اللغوي مقدَّم على غيره من أنواع الأمن الأخرى كالأمن السياسي والاجتماعي والغذائي وغيرها من المقومات الحياتية التي توليها الدول والحكومات رعاية واهتماما خاصين. بل إنه ليجوز القول إن تأمين اللسان أساس لما سواه، لارتباطها به وانبنائها عليه من حيث هو شرط وجود الهوية وعامل صونها وتطورها. وعلى هذا الأساس فإن المطالبة بأمن لغوي يحفظ الكيان العربي ويزيل التشوهات التي لحقت الهوية العربية ضرورة تقتضيها السياسة اللغوية التي يجب أن تستنبت في تربة المجتمعات الناطقة بلغة الضاد.
فكما أنه لا بقاء للأمة العربية مثلا إلا بوجود أنظمة سياسية وأجهزة عسكرية حديثة وباقتصاد قوي متطور، وبتعليم عصري وإبداع وابتكار متميزيْن، فكذلك لا وجود حقيقيا لما ذُكر إلا في ظل لغة أصيلة نقية، ولسان متين حصين وليس مخترقا من خارجه (أو داخله)، مكتفيا بذاته غير تابع لسواه ولا مرهون بغيره، وما يتبع ذلك من مناعة واستقلال لغويين. فالتفريط في اللغة الأم تفريط في السيادة والهوية.
إن الواقع يؤكد أن هناك تهديدا للأمن اللغوي العربي، وهو تهديد ليس جديدا وإنما يعود- على الأقل- إلى الفترة الاستعمارية ليتجدد منذ مطلع العقدين الأخيرين من القرن الماضي مع انتشار الفضائيات ووسائط الاتصال وفتح العديد من الجامعات والمدارس الأجنبية في البلاد العربية، ومن ثمة سيادة الثقافة الغربية تحديدا. الأمر الذي جعل بعض المستشرقين المتعصبين، وحتى بعض المتخاذلين من أبناء العروبة، يرون أن اللغة العربية قد دخلت خانة اللغات الموات التي أتى عليها الدهر وأنه ينبغي أن تنزوي لتفسح المجال للغات “الحية المتطورة” أو اللهجات العامية التي يجب أن تصير لغة التعبير والتفكير المثلى. فاللغة العربية عند هؤلاء عاجزة قاصرة عن استيعاب الرموز الثقافية والتطورات العلمية. لذا فمصيرها –حسب هذا التوجه- التلاشي والانقراض كنظيرتها اللاتينية. فما جرى على هذه من القانون الطبيعي يجري حتما على العربية.
وغير خافٍ أن هذه المعاداة والتحامل على لغة الضاد راجعان أساسا إلى “فكر الاحتلال” وإلى مواقف عدد من الباحثين الأجانب الذين قرَنوا اللسان العربي بالتخلف وعدّوا لغتهم لغة العصر والعلوم التي يتعين هجر العربية إليها، وربطوا العامية بالحياة والسهولة والمرونة فيما الفصيحة بالموت والصعوبة والاستعصاء، وطعنوا في الحرف العربي ومجّدوا الحرف اللاتيني وأرادوا أن تُكتب به الفصيحة والعامية على السواء([38]). وما من شك أن الحملة على اللغة العربية هي حملة على كل شيء يعنينا – نحن العرب المسلمين- وعلى كل تقليد من تقاليدنا الثقافية والاجتماعية والدينية كما على الفكر والوعي. وتبعا لهذا فإن الحاجة إلى أمن لغوي عربي اليوم أكثر إلحاحًا من أي زمن آخر، كما أنه مطلب، الكل مدعو لتحقيقه، ومشروع الجميع مطالب بالإسهام فيه صيانةً وتقويةً للهوية –كما سبق البيان- من ناحية، واستئنافًا للفعل التنموي والنهضة الحضارية وتعزيزهما من ناحية أخرى.
7- نحو منظور مغاير للتعريب
إن المتابع لجملة من الدراسات المنجزة في موضوع التعريب يلاحظ أنها دراسات تدور في الغالب الأعم حول الجانب اللغوي الصرف، من قبيل الحديث عن صعوبات التعريب وإشكالات المصطلح، وقضايا قدرة اللغة العربية على التعبير عن مستجدات العلم الحديث، وما شابه هذا. ويحدث أن تخرج بعض الاجتهادات عن نطاق التوجه اللغوي المحض لتقارب البعد الثقافي والحضاري والتنموي لمسألة التعريب من حيث هو عامل أساسي للحفاظ على هوية الحضارة العربية الإسلامية واستمراريتها. وسواء نظرنا إلى قضية التعريب من هذه الزاوية أو تلك فالملاحظ أن الغاية تكاد تكون واحدة وهي التعاطي مع التعريب من حيث هو إنجاز لغوي، غاية في ذاته لا وسيلة لغايات أسمى، أي لا تتجاوز البعد اللغوي الخالص إلى أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية وقانونية وسياسية على سبيل المثال لا الحصر([39]).
ولهذا فإن ما نهدف إليه في هذا المقام هو النظر إلى مسألة التعريب وفق رؤية تنموية اقتصادية، أي باعتبار التعريب ضرورة اقتصادية ذات أثر مباشر في التنمية والإنتاج على اعتبار أن “أن للتعريب وجوها اقتصادية متعددة تهم الفرد، والمجتمع القطري، كما المجتمع العربي على جهة التعميم، وهذه الوجوه إنما تتجلى تحديدا في المفاضلة الصريحة بين التعليم بالعربية والتعليم بالأجنبية”([40]). وهنا لابد من الإشارة إلى أن التعليم بغير اللغة العربية يلحق أضرارا، مادية ورمزية، كبيرة بالناطقين بها ذلك أن المتكلم العربي يتم حرمانه من التعليم بلغته الأم أو لغة المنشأ، الأمر الذي يؤدي إلى تجريده من حقوقه اللغوية مما يتعارض مع المواثيق الدولية التي تجرم هذا النوع من الحرمان، فضلا عن تنافيه مع مبدأ الديمقراطية أو العدالة اللغوية التي تقر بالحقوق اللغوية للمواطنين([41]).
ولا تتوقف هذه الأضرار عند مستوى الحرمان من الحقوق فقط وإنما تتسع لتشمل الحرمان من الفوائد والأرباح والفرص التي تتيحها اللغة العربية. فمثلا باعتبار الفوائد التواصلية لهذه اللغة، فإن المؤكد أن عدد الناطقين بالعربية اليوم حوالي 500 مليون متكلم و”هذا يوفر على هذه الكتلة التواصلية – خاصة في البلاد العربية وبشكل أقل خارجها – مصاريف الترجمة، وتبعات آجالها، وأخطائها وعدم دقتها. فلنتصور مثلا ماذا سيحصل لو جاريْنا الملهجين (أي الذين يدعون إلى ترسيم اللهجات وإحلالها محل الفصحى)، ستتوالد مشاكل تواصلية ومصاريف إضافية قريبة من تلك التي يعانيها الاتحاد الأوربي. ومن سلبيات عدم تعريب التعليم الجامعي (خاصة) والبحث العلمي عدم الاستفادة من توطين المعرفة باللغة العربية. ويمثل هذا أيضا خسارة للمواطن العربي، وإضعافا لفرص تمَلك العلم بلغته، علاوة على ما ينتج عن ذلك من تضييع فرص الاقتصاد والشغل والإبداع إلخ. ولعل الاقتصاد اللغوي (Economic of Language) من شأنه أن يفيد كثيرا في تقييم الخسارة الناتجة عن عدم تعريب البحث العلمي والبحث والتكوين الجامعيين”([42]).
لقد أصبح واضحا اليوم “أن العالم لن يستمع إلى أمة تتحدث بلسان غيرها، كما قال الرئيس الفرنسي “فراسوا ميتران” لشعبه المتعلم في تحذيره له من طغيان اللغة الإنجليزية، يضاف إلى ذلك أن العلم والتكنولوجيا لن يُستنبتا على الأرض العربية إلا باللسان العربي، ومن خلال معاناة العرب لمشكلات التقدم باللغة العربية، وإلا ظل التقدم الحديث مفصولا عن أغلبية الأمة العربية بحاجز اللغة الأجنبية، وبقيت هذه الأغلبية بحكم ذلك بعيدة عن استيعابه وتطويعه كما هو حالها إلى اليوم، إذ لم يسجل التاريخ قط أن أمة حققت التنمية والتقدم الحضاري الحقيقي بلغة غيرها من الأمم، وعلى الأخص بلغة الأمم التي استعمرتها سياسيا وفكريا، فالمسألة إذن ليست مسألة عزة قومية فحسب، بقدر ما هي مطلب إنمائي وتحديثي بالأساس”([43]).
ومعنى هذا أنه يستحيل على مجتمع ما تحقيق تنمية شاملة من دون الاعتماد على “اللغة الوطنية” كسند لهذه التنمية وكافل لها. وقد أثبتت هذا المعطى جل الدراسات والأبحاث النظرية والميدانية، سواء منها اللسانية أو السوسيولوجية أو التربوية أو الاقتصادية أو غيرها. مؤكدة أن اللغة الأم هي بالنسبة للمتعلم، كما بالنسبة للمواطن عموما، أكثر الوسائل نجاعة وفعالية للتعليم والتكوين ونقل المعارف والمهارات، وبالتالي لصناعة تنمية حقه([44]). وبالنظر للمكانة المركزية التي تتبوأها اللغة في النسق الاجتماعي والثقافي يمكن القول إن اللغة الوطنية مؤهلة أكثر من غيرها للقيام بالدور التنموي، ولعل تجارب العديد من المجتمعات المعاصرة تبرز بشكل أكثر وضوحا هذا الأمر.
وعلى سبيل تقديم بعض الأمثلة الدالة في هذا المجال، يمكن أن نذكر تجربة كل من اليابان والصين والدول الإسكندينافية وغيرها كثير. فهذه المجتمعات التي تشكل نماذج للتقدم والتحضر على المستوى الكوني، لم تتحقق إقلاعها العلمي وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية باعتماد اللغة المحتكرة للتقدم العلمي والتكنولوجي عالميا (كالإنجليزية والفرنسية مثلا) وإنما أسست إنماءها استنادا إلى مقوماتها الذاتية الخاصة، التي من بينها اللغة الوطنية، مع العلم أنها لم تنغلق على اللغات الأجنبية المتقدمة، بل وظفتها بعقلانية وتخطيط مسبق، عبر دمجها في مشروعها التربوي والعلمي والمجتمعي الشمولي، ووفق برامجها التنموية الهادفة([45])، ومن هنا فإن “تنمية الناس، بما هم طاقة خلاقة ومبدعة، ورأس مال مادي ومعنوي مهم، لا يمكن تحقيقه عبر اقتلاعهم وسلخهم عن جذورهم وقيمهم الثقافية والحضارية، وأساسها اللغة”([46])، بل بواسطة استنهاضهم عبر هذه القيم الذاتية، واستدماجهم، عبر مشروع مجتمعي وحضاري واضح وشامل، في سيرورة التنمية المنشودة.
المراجع
– ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج2.
– إدريس بوكراع، “اللغة والحضارة”، ضمن كتاب: لغة التدريس والنموذج التنموي؛ أية علاقة؟، منشورات مركز البحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية، وجدة، المغرب، ط1، 2010.
– إدريس مقبول، الأفق التداولي، عالم الكتب الحديث، الأردن، 2011.
– الحسين الزاوي، الهوية وفلسفة اللغة العربية، مندى المعارف، بيروت، لبنان، 2014.
– باديس الهويمل، مظاهر التداولية، عالم الكتب الحديث، الأردن، 2014.
– جابر عصفور، التنوع البشري الخلاق، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، 1998.
– جون جوزيف، اللغة والهوية، ترجمة عبد النور خراقي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 342.
– حسان الباهي، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، أفريقيا الشرق، 2004.
– سعيد النكر، “التداوليات واللغة الطبيعية”، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، العدد 5، 2014.
– سعيد بنكراد، “استراتيجيات التواصل من اللفظ إلى الإيماءة”، مجلة علامات، العدد 21، 2004.
– طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، بيروت- لبنان، ط1، 2005.
– طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 2006.
– عبد الرحمن بودرع، في تحليل الخطاب الاجتماعي السياسي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الأولى 2014.
– عبد السلام المسدي، الهوية العربية والأمن اللغوي: دراسة وتوثيق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر، 2014.
– عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير، مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، أفريقيا الشرق، 2006.
– عبد الغني عماد، الهوية والمعرفة – المجتمع والدين، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 2017.
– عبد القادر الفاسي الفهري، السياسة اللغوية في البلاد العربية، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، 2013.
– علي بن محمد بن علي الجرجاني، كتاب التعريفات، تحقيق عادل أنور خضر، دار المعرفة، بيروت، 2007.
– علي حرب، حديث النهايات؛ فتوحات العولمة ومآزق الهوية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2000.
– علي فريد، “اللغة والهوية بين الاستلاب الحضاري واستعادة الوعي”، دراسة منشورة على شبكة الأنترنيت بتاريخ: 12 نونبر 2018. (www.ruyaa.com)
– محمد الأوراغي، التعدد اللغوي وانعكاساته على النسيج الاجتماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2002.
– محمد الحيرش، “تداوليات التخاطب عند ميخائيل باختين”، مجلة كلية الآداب بتطوان، العدد 9، 1999.
– محمد الربداوي، دراسات في اللغة والأدب والحضارة، القسم الأول، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1980.
– محمد جابر الأنصاري، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة1، 1992.
– مصطفى محسن، التعريب والتنمية، سلسلة شراع، العدد: 56، يونيو 1999.
– نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 265، 2001.
– نُورْمانْ فيرْكلفْ Norman Fairclough) )، تحليل الخطاب: التحليل النصي في البحث الاجتماعي، ترجمة طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2009.
– نوري جعفر، اللغة والفكر، مكتبة التومي، الرباط، المغرب، 1971.
– وليد العناتي، العربية في اللسانيات التطبيقية، دار كنوز المعرفة، الأردن، 2012.
– M ; Bakhtine ;(1929) ; Le marxisme et la philosophie du langage ;tr.fr ; Minuit. 1977.
-Thomson, John B. “Langage et Idéologie“. Langage et société. No : 9, mars 1987.
–Wilhelm von Humbolt, Sur le caractère national des langues et autres écrits sur le langage, présenté, traduit et commenté par Denis Thouard, Paris, seuil, 2000.
([1]) سعيد النكر، “التداوليات واللغة الطبيعية”، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، العدد 5، 2014، ص103. ونُورْمانْ فيرْكلفْNorman Fairclough))، تحليل الخطاب: التحليل النصي في البحث الاجتماعي، ترجمة طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص 23-28.
([2]) عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير، مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، أفريقيا الشرق، 2006، ص7.
([8]) محمد الحيرش، “تداوليات التخاطب عند ميخائيل باختين”، مجلة كلية الآداب بتطوان، العدد 9، 1999، ص161. ثم نورمان فيرْكلفْ، اللغة والسلطة، مرجع مذكور، ص 49.
([9]) M ; Bakhtine ;(1929) ; Le marxisme et la philosophie du langage ;tr.fr ; Minuit. 1977. P :72-73 .
([13]) عبد الرحمن بودرع، في تحليل الخطاب الاجتماعي السياسي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الأولى 2014، ص: 197- 199.
([14]) جون جوزيف، اللغة والهوية، ترجمة عبد النور خراقي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 342، ص: 7-8.
([16]) علي بن محمد بن علي الجرجاني، كتاب التعريفات، تحقيق عادل أنور خضر، دار المعرفة، بيروت، 2007، ص: 224.
([22]) عبد السلام المسدي، الهوية العربية والأمن اللغوي: دراسة وتوثيق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر، 2014، ص: 113.
([23]) طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 2006، ص: 179- 180.
([24]) علي حرب، حديث النهايات؛ فتوحات العولمة ومآزق الهوية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2000، ص: 25.
([25]) عبد الرحمن بودرع، في تحليل الخطاب الاجتماعي والسياسي، مرجع مذكور، 194. ونبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 265، 2001، ص: 228.
([27]) محمد الأوراغي، التعدد اللغوي وانعكاساته على النسيج الاجتماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2002، ص: 27-28.
([29])Wilhelm von Humbolt, Sur le caractère national des langues et autres écrits sur le langage, présenté, traduit et commenté par Denis Thouard, Paris, seuil, 2000, P :85.
([32]) سعيد بنكراد، “استراتيجيات التواصل من اللفظ إلى الإيماءة”، مجلة علامات، العدد 21، 2004، ص: 13.
([33]) علي فريد، “اللغة والهوية بين الاستلاب الحضاري واستعادة الوعي”، دراسة منشورة على شبكة الأنترنيت بتاريخ: 12 نونبر 2018. (www.ruyaa.com)
([34]) محمد الربداوي، دراسات في اللغة والأدب والحضارة، القسم الأول، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1980، ص: 7-8.
([35]) إدريس بوكراع، “اللغة والحضارة”، ضمن كتاب: لغة التدريس والنموذج التنموي؛ أية علاقة؟، منشورات مركز البحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية، وجدة، المغرب، ط1، 2010، ص: 106.
([36]) طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، بيروت- لبنان، ط1، 2005، ص: 82-83.