الخطاب الاحتجاجي في أغاني (الألتراس).. قراءة بلاغية
The Discourse of Protest In “Ultras” Chants A Rhetorical Reading
Ultras Grubu Şarkılarındaki Protesto Üslubu Retorik Bir Okuma
د. حسن الطويل
Dr. Hassan Attaouil
جامعة عبد المالك السعدي، المغرب
Assistant Professor, The Oriental regional Academy of Education and Training, Morocco
Doğu Bölgesel Eğitim ve Öğretim Akademisi, Fas
البريد الإلكتروني: attaouil_hass@hotmail.fr
معرف (أوركيد): 0000-0002-8197-8363
هذا البحث منشور في العدد السادس من المجلد الثالث من ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها عدد أكتوبر 2022
للاطلاع على البحث PDF
الملخص:
يسعى هذا المقال إلى فحص الدلالة الاحتجاجية في إحدى أشهر أغاني مجموعات “الألتراس” في المغرب، وهي أغنية “في بلادي ظلموني”، التي نالت شهرة واسعة، بفضل بنيتها الجمالية الجيدة، وقدرتها على استثارة عواطف الشباب المهمَّش، ومن أجل بيان الآليات التأثيرية في الأغنية، نظرنا إليها بوصفها خطابا بلاغيا، يُسخِّر أدواته الفنية والتعبيرية من أجل تصوير مشاكل الشَّباب مع الإقصاء والتهميش والتجاهل، وبهدف تفخيم عيوب السلطة في تعاملها مع المواطنين عامة، وفئة الشباب خاصة، وقد قامت خُطتنا التحليلية في المقال على مدخلين بلاغيَّين، يترجمان سؤالين أساسين: ما القيمة الحجاجية لترتيب أجزاء القول في الأغنية؟ وكيف استطاع مُكوِّنُها الأسلوبي أن يخدُم الدلالة الاحتجاجية؟
الكلمات المفتاحية:
خطاب، احتجاج، بلاغة، حِجاج، ألتراس.
Abstract:
This paper examines the significance of one of the most famous songs of the “Ultras” bands in Morocco, the song “Fi Biladi Zalmouni”, which has gained popularity around the world, thanks to its aesthetic structure and its ability to evoke emotions of marginalized youth. In order to clarify the effective mechanisms in the song, we looked at it as rhetorical discourse, harnessing its artistic and expressive tools to portray the problems of youth, especially exclusion, marginalization, and neglect. It aims at pinpointing the flaws and oppression of the state in its treatment of citizens in general, and the youth in particular. Our analytical investigation in the article is based on two rhetorical entries that can be formulated into two basic questions: What is the argumentative value of sequencing in the song? And how is its stylistic component able to serve the song’s persuasive dimension?
Keywords:
Discourse, Protest, Rhetoric, Argumentation, Ultras.
Özet:
Bu makale, Fas’taki “Ultras” gruplarının şarkılarından biri olan, estetik yapısı ve marjinalleştirilmiş gençlerin duygularını uyandırması sebebiyle geniş bir üne kavuşan “Fî Bilâdî Zalemûnî” şarkısının protesto üslubunu incelemeyi hedeflemektedir. Şarkıdaki etkili mekanizmaları ortaya çıkarmak için, ona belağî (retorik) bir söylem olarak yaklaştık. Bu söylem, devletin genel olarak vatandaşlarla, özel olarak da gençlik grubuyla etkileşimindeki kusurlarını vurgulamak hedefiyle, dışlama, marjinalleşme ve ihmal gibi gençliğin sorunlarını tasvir etmek için sanatsal araçlardan ve ifade araçlarından yararlanmıştır. Makaledeki analiz planımız, iki temel soruyla formule edilebilecek iki retorik girdiye dayanmaktadır: Şarkıda sözlerin sıralanmasının protesto değeri nedir ? Şarkının üslubu nasıl protesto anlamına hizmet edebildi ?
Anahtar Kelimeler:
Söylem, Protesto, Retorik, Tartışma, Ultras.
تقديم:
لا ينفصل تأثير مباريات كرة القدم عن تأثير خطابها المصاحب؛ فقد أضحت المواد الإعلامية (وغير الإعلامية) ذات الصِّلة بهذه اللعبة، جزءا لا ينفصل عن فُرجتها، وعن امتداداتها في السياقات السياسية والحضارية والنفسية؛ إذ أثبتت الوقائع، في مناسبات مختلفة، أن الأثر العملي لنتائج كرة القدم وأحداثها الرياضية المحضة، لا يزيد أهمية عن أثر خطابها المصاحب الذي يتلقاه الجمهور من خلال التعليق الرياضي التلفزيوني، وعبر قنوات تواصلية أخرى كثيرة ومتعددة (التصريحات الرياضية – لافتات “الألتراس”([1]) وهتافاتها وأغانيها – تعليقات الفاعلين السياسيين…).
ومن أبرز المظاهر التي يمكن ذكرُها في هذا الصدد، حجمُ السجالات التي تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص أقوال المعلِّقين الرياضيين في قنوات التلفزيون، وما تلامسه خطابات “الألتراس” المنطوقة والمكتوبة من قضايا اجتماعية وسياسية ذات حساسية كبيرة (التهميش والفقر – القضية الفلسطينية…)، بالإضافة إلى ما توفِّره نتائج المباريات من هامش إيحائي-بلاغي للفاعلين السياسيين لكي يصرِّفوا مواقفهم السياسية تجاه خصومهم.
وبخصوص ارتباط كرة القدم بعالم السياسة، ينبغي التنبيه إلى أمر مهم له انعكاس واضح على البنية الذهنية للجمهور، وهو البناء الاستعاري للخطاب الواصف لهذه اللعبة، والذي ينهل من مجال استعاري “أصلٍ” له علاقة بعالم “الحرب والسياسة”، ويعطينا مصطلحات من قبيل : الهجوم – الدفاع – الاستراتيجية – القذيفة – الكتيبة – الصدّ – الانتصار الكاسح – المناورات (…)([2])؛ فما من شك في أن تعامل الجمهور مع كرة القدم من خلال هذا الكَوْن الاستعاري، سيؤثر على استيعابه المفهومي لهذه اللعبة، وسيخلق عنده تداخلا مُربكا بين الانتصار الكروي والانتصار السياسي (أو المجتمعي)، وهذا ما يفتحنا على قضايا شديدة الأهمية، ليس أقلها أهمية قضية تزييف الوعي الجماهيري، وفي هذا الباب نستحضر ما شهدته البرازيل من احتجاجات شعبية كبيرة (أثناء استضافتها فعاليات كأس العالم سنة 2014) على إهمال حاجيات المواطنين الأساسية، مقابل الاهتمام بكرة القدم، ل”خلق” وعي مُزيَّف (حسب مضامين الاحتجاجات المذكورة)، يُغفل المواطنين عن انتظاراتهم الحقيقية ومشاكلهم الاجتماعية.
غير أن مجال كرة القدم لا يتسع لصوت السلطة الرامي إلى تزييف وعي الجماهير فقط، بل يتسع لصوت الطرف الآخر أيضا، وهو صوت الشباب المهمَّشين الذين يجدون في ملاعب الكرة فرصة سانحة للتنفيس عن مشاكلهم، والتعبير عن احتجاجهم الحاد على منهجية التدبير السياسي، في شكل لافتات نقدية يقومون بإشهارها في الملاعب، أو في شكل “تيفوهات”([3]) إبداعية ذات مضمون سياسي نقدي، أو عبر الأغاني والهتافات المُنظَّمة، وعبر مختلف أشكال التعبير السياسي النقدي التي تسهر على إعدادها فصائل جماهير الفرق الرياضية بطرق إبداعية جديرة بالتقدير.
والواقع أن النقد السياسي الذي يتبلور في ملاعب كرة القدم، ليس تعبيرا فارغ التكلفة، بل هو خطاب حاد اللهجة، يجلِّي اختلالات التدبير الإداري، وتناقض السياسات العمومية، لذلك تنظر إليه السلطة بعين الريبة دائما، لاسيما مع دخول مضمون هذا النقد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ووصوله إلى أكبر شريحة من المتابعين في مختلف أصقاع العالم، وفي سبيل التضييق على هذا الخطاب والحيلولة دون أداء وظائفه، تعمل بعض الأنظمة السياسية ذات الميول الضَّبطي المفرط، إلى التضييق على حركة فصائل “الألتراس”، بتشديد المراقبة على اللافتات التي تُدخِلها إلى الملاعب، وبإنزال عقوبات المنع في حقها، بحجج تسبُّبِها في الشَّغب وإتلاف المنشآت الرياضية.
وبصدد تأمل قوة التأثير الذي تمارسه “الألتراس”، نفترض أن خطاباتها النقدية (اللافتات – الهتافات – الأغاني…)، ليست كلاما تقريريا عاريا عن الجوانب الخِطابية التي تمنحها قوة التأثير في الجمهور، وتمكِّنُها من جذب الأنظار إليها، وتسمح لها بإحراج السلطة السياسية بضغوطات غير خافية على أحد، إنما هي خطابات احتجاجية بليغة([4])، تتأسس على مقومات دقيقة تعكس إبداعا واضحا في تصوير رداءة الواقع السياسي والهشاشة الاجتماعية، وغيرهما من الظواهر السلبية في المجتمع([5]).
ولكي نقترب من بلاغة هذه الخطابات أكثر، ونتمكّن من فهم قدرتها على التأثير والانتشار السريع، نحاول في هذه الورقة تحليل إحدى أهم أغنيات “الألتراس” المغربية التي نالت شهرة واسعة في وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهي أغنية “في بلادي ظلموني”([6])، التي أدتها جماهير فريق الرجاء الرياضي المغربي، المتمرسة بالغناء في الملاعب، بصورة إبداعية جميلة ومؤثرة، تداخل فيها الإيقاع العاطفي الحزين بحرارة الكلمة وجمالها، ليشكلا معا لوحة غنائية بديعة.
ويُذكر أن البلاغة التي نعتمدها منهجا للتحليل في هذا البحث، لا ترادف البلاغة المدرسية المَعنية بمناقشة أطراف الصورة الأسلوبية ودلالتها الجزئية، وغيرهما من القضايا التقنية في الأسلوب، بل هي بلاغة ذات منزع تحليلي، تعمل على استثمار المقولات البلاغية النظرية لكشف منطق الخطابات وطاقاتها الجمالية والحجاجية، مستفيدة في ذلك من رافدها الحجاجي مع أرسطو والدارسين المتأثرين به قديما وحديثا، ومن رافدها الشعري بمختلف طروحاته الجمالية، إن البلاغة بهذا الاعتبار، وكما نوظِّفها في هذا البحث، تعني أنها نظرية في “تحليل الخطاب”، وأن وظيفتها تتحدَّد في تفسير تأثير الخطابات بمنهجية علمية مضبوطة.
1- بلاغة البناء الترتيبي:
يمكن تقسيم أغنية “في بلادي ظلموني”([7]) إلى ثلاثة مراحل بلاغية، تتواشج فيما بينها لصناعة خطاب نقدي، يعبِّر عن حجم الظلم الذي يتعرَّض له أفراد الشعب، ويُجلّي اختلالات السياسات العامة، ويُفخِّم الحُبَّ الذي يكنه مشجعو الرجاء الرياضي لفريقهم، ويقدِّمه في صورة البديل الذي يُوفِّر للمظلومين فرصة للتخفُّف من صعوبة الحياة وقساوتها في المغرب.
والواقع أن هذا الترتيب الذي بُنِيَّت به الأغنية، ليس ترتيبا اعتباطيا، أو ترتيبا جماليا خالصا، تتحكَّم فيه القواعد الفنية- الإمتاعية فقط، بل هو ترتيب يتداخل فيه العاملان الجمالي والحجاجي، ومعنى ذلك أنه مُكوِّن خِطابي يستهدف وظيفتين متداخلتين، هما الإمتاع والإقناع، مع التنبيه إلى أن الوظيفة الحجاجية تهيمن أكثر على هذه الأغنية، بالنظر إلى نزوعها إلى النقد والتعرية والاحتجاج، أما البُعد الجمالي فإنه حاضر فيها بوصفه مدعِّما لهذا النزوع، وموفرا له إمكانيات التأثير العاطفي.
يمكن القول إن الترتيب في أغنية “في بلادي ظلموني”، ترتيب حِجاجي، وفكرة الترتيب في الحجاج قائمة منذ أرسطو الذي نبَّه إلى أن القول الحِجاجي يحتاج إلى ترتيب جيد، لكي يكون مُقنعا على النحو المطلوب([8])، وفي الدراسات البلاغية المعاصرة، نجد إشارات مهمة عند بعض الدارسين بشأن القوة الإقناعية للترتيب الحجاجي؛ فالحجة لا تكون قوية ومؤثرة إلا في موقعها المناسب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التقنيات الأسلوبية التي تستمد قوَّتها التأثيرية من محلها داخل الخِطاب، على نحو ما تستمدها من بنيتها الخاصة([9]).
وإذا تأملنا مضامين مراحل الأغنية الترتيبية التي أشرنا إليها قبل قليل، سنجد أنها ترتد إلى ثلاث صِيَّغ خِطابية، هي:
– صيغة التعبير الذاتي- العاطفي: الشكوى من الظلم والإقصاء والتجاهل.
– صيغة السرد: سرد وقائع الظلم.
– صيغة التفخيم والحِجاج: تفخيم الحب الذي تكنه الجماهير لفريق الرجاء الرياضي، والرد الحجاجي على المعترضين على الإمعان في الاهتمام المفرط بهذا الفريق على حساب مقتضيات الحياة ومسؤولياتها.
وفي الفقرات الموالية، سنحاول تحليل كلّ مرحلة من هذه المراحل، مع العمل على توضيح الفائدة الحجاجية لمنطقها الترتيبي.
أ- المرحلة التعبيرية:
في هذه المرحلة الأولى من الأغنية، نطالع خطابا تعبيريا- عاطفيا، يكشف تعرُّض الذات التي تهمين على صوت الأغنية للظلم والإقصاء، كما يكشف عن شعورها بأن أبواب الشكوى مغلقة في وجهها تماما، ويُذكر هنا، أن استعمال ضمير المتكلم المفرد في الأغنية، يعطي انطباعا بأن المتكلم هو متكلم مُطلق، يُمكن أن يستوعب أي فرد مغربي يحس بإحساس الظلم، وهذا ما يعطيه طاقة بلاغية مهمة، تتمثل في تعميم الخطاب من جهة من يعبِّر عنه، يُضاف إلى هذا، أن المقام التعبيري، يناسبه ضمير المتكلم المفرد، لأنه ينسجم مع مقتضيات حراراة الاعتراف والبوح، وغيرهما من المعاني العاطفية الخالصة، حتى أنه يصير “معادلا، من بعض الوجوه، لتعرية النفس”([10])، كما يرى عبد الملك مرتاض.
ولنا أن نتابع الآن ما جاء في هذه المرحلة من الأغنية:
أوه أوه أوه أوهووو
في بلادي ظلموني
أوه أوه أوه أوهووو
لمن نشكي حالي؟ (لمن أشكي حالي؟)([11])
أوه أوه أوه أوهووو
الشَّكوى للرَّب العالي
غِير هُو اللِّي داري (هو الذي يعلم فقط)
يتكون هذا المقطع من أربع وحدات لغوية، أما بقية الوحدات فعبارة عن ترديد صوتي (أوهُو هُو هُو هُووو)، يرد في افتتاح الأغنية، كما يرد بوصفه فاصلا بين الوحدات اللغوية، وهذا الترديد سيستمر على مدار الأغنية كاملة، لكن استمراره في المراحل الأخرى سيتخذ صورة أخرى، ولن يأتي دائما عقب كل وحدة لغوية كما هو شأن المقطع الأول.
ومن الواضح أن المتلقي حين يسمع هذا الترديد الصوتي في افتتاح الأغنية، سيُلقى في أجواء عاطفية مقرونة بالتظلُّم والتعبير عن تعرض الذات لصنوف الظُّلم، فقد صِيغ (هذا الترديد) بوعي موسيقي عاطفي، يسمح له باستثارة الحزن في النفوس، ومن الآليات التي ساعدته على ذلك، الإبطاء في الترديد مع استعمال المدود، وبخاصة في العنصر الأخير منه: (هووو).
وقد تتضح الصورة الانفعالية لهذا الترديد أكثر، إذا اقترحنا أن يُؤدى بخلاف الآليَّتين المذكورتين (الإبطاء مع المدّ)، فلو أُدِّي بهذه الطريقة سنكون أمام عواطف مختلفة تماما، وهي عواطف الفرح والفخر والانشراح، وهذا الترديد المُختلف نسمعه أحيانا في ملاعب كرة القدم، لكن في ظرفيات مختلفة، مثل ظرفيات تشجيع الفريق، والفرح بالنتائج الإيجابية، بعيدا عن هموم الواقع ومشاكله.
إن افتتاح الأغنية بهذا الترديد إذن؛ كان اختيارا موفَّقا، لأنه يملك القدرة على شد انتباه المتلقي واستثارة عواطفه الحزينة، ولا ننس في هذا السياق، أن الأغنية لها عُمق تعبيري خالص، وبالتالي فإن جزءا من أهدافها العامة، هو مساعدة المتكلِّم (الجمهور الذي ينشد الأغنية)، على عيش لحظات عاطفية ملائمة لواقعه المعتَل؛ فالذي يعبِّر، كما يريد التأثير في الآخر، يريد أيضا صناعة لحظة عاطفية حقيقية، تتيح له الانطلاق، وإفراغ القلب من أثقاله.
وقد تشكّل هذا الاستهلال الحزين، بالإضافة إلى الترديد الموسيقي، من أربع وحدات لغوية كما أسلفنا، ومضمونها يتراوح ما بين تقرير واقع الظلم بعبارة مركَّزة، وبين الإحساس بمرارة التجاهل، وبين اللجوء إلى الدُّعاء بوصفها حلا وحيدا ونهائيا:
– في بلادي ظلموني: جُملة إخبارية تعبيرية، تُجلي، بشكل مُركز وملخَّص، واقع الفرد المغربي في بلده.
– لمن أشكي حالي؟: تنصرف دلالة هذا الاستفهام البلاغي إلى تقرير حقيقة مُفادها أن الجهات الرسمية تصم آذانها عن هموم الشعب ومشاكله.
– الشكوى للرب العالي: اللجوء إلى اللَّه من أجل الشكوى، معناه في هذا السياق، أن الذات قد انكفأت على همومها.
– غير هو اللي داري: هذه العبارة ذيل للعبارة السابقة؛ فلجوء الذات إلى اللَّه من أجل الشكوى، يؤكد أنه لا أحد غيره يعلم بواقع الحال، وذلك ليس مردُّه إلى أن واقع الحال غيبٌ، بل مردُّه إلى أن الجهات المسؤولة تتعمد التغافل عن هموم الشباب وصعوبات الحياة التي تعترض طريقهم.
تجمع هذه العبارات الأربع بين التعبير العاطفي الحزين الذي يلقي سامع الأغنية في أجواء التظلُّم، وبين القول التعريضي الذي يلمِّح إلى معاناة الذات مع التهميش والإقصاء والتجاهل، ومؤدى هذه الازدواجية الوظيفية للعبارات، أن استهلال الأغنية بالمقام التعبيري، قد صيغ بوعيين اثنين، أولهما الوعي الفني العارف بأن السامع يتأثر، في بدايات الخطاب، بالكلام العاطفي، وينساق وراء استلزاماته التأثيرية، وثاني هاذين الوعيين، مؤداه أن المقام التعبيري يمكن أن يُضمَّن، بواسطة التعريض، أبعادا حجاجية نقدية، وهي الأبعاد التي تمثلت في تقديم الذات([12]) في صورة الضَّحية.
وخلاصة كل هذا، أن التعبير الافتتاحي في أغنية “في بلادي ظلموني” ليس تعبيرا رومانسيا خالصا، إنما هو تعبير احتجاجي، يروم التأثير في عواطف السامع، وإعداده لتصديق ما سيأتي بخصوص سرد وقائع الظلم في المرحلة الثانية من الأغنية، والتي أسميناها “المرحلة السَّردية”.
ب- المرحلة السَّردية:
هناك مؤشر صوتي واضح في الأغنية، يوحي بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، ومن صيغة قولية إلى أخرى مخالفة، فبعد الإيقاع البطيء المناسب للتعبير العاطفي، نبقى في أجواء العاطفة الحزينة دائما، لكننا سننتقل إلى إيقاع عاطفي أسرع، يناسب صيغة السرد.
وهنا يُسجَّل أن التخلُّص من التعبير العاطفي إلى السَّرد، كان تخلُّصا جيدا، أدى فيه الدعاء المذكور سابقا، دورا مهما، جعلنا ننتقل بسلاسة من الأقوال العاطفية المُجملة لمعاناة الأفراد في الوطن، إلى الأقول المفصِّلة لها، من خلال تفريع الأحداث، وتصنيفها، وبيان أثرها السلبي على النفوس والوطن، وما يجعل الدعاء يُحسن التخلُّص في هذا الباب، هو النظر إليه على أنه واسطة تنقلنا من مقام أدنى في التعبير عن التظلم، إلى مقام أعلى منه، وهو مقام سرد الوقائع المفصَّلة، وبدون شك، فإن هذه الواسطة الدعائية لها مسوِّغها الحجاجي، وهو ضرورة الفصل المهيِّئ لهذه النقلة في درجة استثارة العواطف، وفي هذا الباب، لا بأس أن نمثِّل لهذه الاستراتيجية الحجاجية المستثمرة للدعاء في التخلُّص، بما نسمعه عادة في مقامات الشكاوى؛ فعندما يشتكي شخص ما من ظُلم تعرض له، يسعى إلى تصعيد خطابه التأثيري، وبين أطوار هذا التصعيد، نجد فواصل دعائية ( من قبيل: “حسبي الله ونعم والوكيل – الله ينتقم …”)، تُسند إليها مهام التخلُّص.
وقبل أن نعرض مضامين المرحلة السردية في الأغنية، لا بد من التَّنبيه إلى أن السرد في الخطاب الاحتجاجي، يخالف السرد في الخطابات الجمالية الخالصة (الرواية، القصة …)، من جهة القصد والصياغة، فمن حيث القصد لا يسعى هذا السرد إلى الإخبار فقط، أو إلى تكوين جو حكائي ممتع، بل يسعى إلى بيان حُجية النقد الذي يعرضه، ويفخِّم عيوب “المُحتج عليه” (…)، وهذا ما يعني أنه مُكوِّن حجاجي، تُسند إليه مهام تعزيز مقاصد الخطاب الذي يوظّف فيه، ومن جهة الصياغة، يراعي السرد الاحتجاجي مقتضيات التأثير، فيأتي في صورة بلاغية([13]) تسمح له بتحقيق أهدافه، وهذا ما نلمسه في مستويات متعددة في صياغة الخطاب، مثل الترتيب والأسلوب وبناء مكونات الحكي.
وحتى تتضح المقاصد الاحتجاجية للسرد في أغنية “في بلاد ظلموني”، نقدمه في صورته الترتيبية المبنية بوعي حجاجي دقيق.
ففي بداية هذا السرد، يحكي صوت الأغنية، مستعملا ضمير الجماعة الحائل على ممثِّل الفساد السياسي، الوقائع المرتبطة بإغراق الشباب في مستنقع المخدرات، وتيسير الوصول إليها بسهولة كبيرة:
فهاد البلاد ( في هذه البلاد)
عايشين فغْمامة (نعيش في غمة)
طالبين السلامة
انصرنا يا مولانا([14])
صرفوا علينا حشيش كتامة (منحونا حشيش [منطقة] كتامة)
خْلاَّونا كِاليتامى (تركونا كاليتامى)
نتْحاسبو في القيامة (نتحاسب [يوم] القيامة)
مواهب ضيَّعتوها
بالدوخة هرستوها (بالدوخة [دوخة المخدرات] كسرتموها)
كيف بْغيتو تشوفوها ؟ (كيف تريدون رؤيتها)
توضح هذه الوحدات اللغوية، لا سيما تلك التي وضعنا تحتها خطا، أن الفساد السياسي عمل على توفير “حشيش”([15]) منطقة معروفة بزراعة أعشاب المخدرات في المغرب (كتامة)، من أجل تخريب الشباب والمواهب، وتكريس الجهل، ولعل تأويل هذا الفعل الفاسد الذي تقرِّره الأغنية، يتجه إلى القول بأن الفساد السياسي، يحتاج إلى الجهل والانحراف وغيبة العقول، من أجل الاستمرار، وضمان أجواء اللامحاسبة.
وقد دعمت الأغنية هذه الدلالات السردية، باستفهام بلاغي إنكاري؛ فبعد تقرير الوقائع المرتبطة بتعمد توفير المخدرات للشباب، يأتي السؤال الإنكاري: كيف تريدون رؤية مواهب الوطن بعد كل ما قمتهم به في سبيل تخريبها؟
وعقب هذا الحديث العام عن معاناة الشباب في الوطن، ستتجه الأغنية إلى تخصيص السرد، لتحكي لنا عما قامت به السلطات في سبيل التضييق على عمل “ألتراس” فريق الرجاء الرياضي؛ لأنها ترى فيها – كما توحي بذلك الأغنية – بارقة نهضة اجتماعية، قد تجفف منابع الفساد، وتنهي مسلسل التخلف الذي ترزح تحت وطأته فئات المجتمع ! وما قامت به السلطات في هذا الاتجاه، يتمثل في القمع في الملاعب، وتلفيق تهم الشغب للشباب الناشط في “الألتراس”، من أجل إرسالهم إلى السجن.
وبهذه النقلة، المتدرجة من العام إلى الخاص، سنلاحظ أن ترتيب الأغنية كان واعيا بوظائفه الحجاجية، لذلك جاء بهذه الصفة، التي سمحت له بعرض مساوئ السلطة السياسية عامة، وبتقديم تحققاتها في مستوى التعامل مع الشباب المشجع لفريق الرجاء الرياضي، وهذه المنهجية الترتيبية تبني احتجاجها بخط تصاعدي، يفضي بالمتلقي إلى أخذ جرعة بعد أخرى في شأن حنقه على الفساد السياسي([16]).
تقول الأغنية:
Génération قمعتوها ( قمعتم [هذا] الجيل)
أوه أوه أوه أوهووو
وقتلتو La passion (وقتلتم الشغف)
أوه أوه أوه أوهووو
وبديتو Provocation (بدأتم الاستفزاز)
أوه أوه أوه أوهووو
زيرو ناف اللي اختراعتو (اخترعتم قانون 09)
وعلينا طبقتو (وطبقتموه علينا)
بيه بغيتو تحكمو على Flame (به منعتم الألعاب النارية)
حكمتو بالويكلو (قضيتم [بمنع حضور الجمهور في الملاعب])
ومنعتو لي تيفو ( ومنعتم التيفو)
Les ultras تحاربو (تحاربون الألتراس)
بالشغب شحال تهمتو (كم اتهمتم بالشغب !)
نسيتو شحال صفقتو (نسيتم كم صفَّقتم [لإنجازاتنا]؟)
بشهور الحبس جازيتو (بشهور من السجن جازيتم[ونا])
رجاوي ضيعتو حياتو (الرجاوي، ضيعتم حياته)
فخدمتو وقرايتو (وعملَه ودراستَه)
حيت مافهمتو la passion (لأنكم لم تفهموا معنى الشغف)
أوه أوه أوه أوهووو
تقدِّم هذه الكلمات مختلف الأطوار الظالمة التي عايشها شباب “ألتراس” الرجاء الرياضي مع السلطات، مثل القمع، وقتل الشغف، وتعمد الاستفزاز من أجل دفع الطرف الآخر إلى القيام بردة فعل يُعاقب عليها، وهذا ما قاد إلى إثارة قضية قانون 09/ 09([17])، الذي تقول الأغنية إن تشريعه بيَّت نية التحكم والقمع، وكان قصده متجها إلى منع حضور الجمهور في الملاعب، بعد وعيها بأنه يخوض في السياسة، ولا يتعاطى مع كرة القدم بالحياد المطلوب.
وكما أكدنا سالفا، فإن هذا السرد لا يروم تقديم الوقائع على النحو الذي جرت عليه في العالم، كما لا يروم بناء جو حكائي ممتع؛ أي ليس سردا توثيقيا، ولا سردا أدبيا خالصا، بل هو سرد حِجاجي، يبتغي التأثير في المتلقي، عبر حمله على الغضب من فعل السلطات السياسية بشأن المواطنين عامة، وبشأن جمهور فريق الرجاء الرياضي خاصة، وهذا التأثير ذو الطبيعية الحجاجية، نلمسه في توظيف جملة من التقنيات البلاغية التي توجِّه السرد إلى خدمة الهدف الاحتجاجي، مثل تقنية الاستفهام البلاغي التي تخترق سرد الوقائع المرتطبة بتسهيل استهلاك المخدرات (مواهب ضيعتوها، كيف بغيتوا تشوفوها؟)، ومثل الأساليب المفخِّمة لأفعال السلطات بشأن القمع في الملاعب (…). نستطيع القول، إن هذه التقنيات قد أخرجت السرد عن طبيعته التوثيقية أو الإمتاعية، وألحقته بالخطاب الحِجاجي، وأسندت إليه مهمة الاحتجاج.
ج – مرحلة الحجاج والتفخيم:
خلال المرحلة السابقة، اعتمدت الأغنية ضمير المخاطَب ( المخاطَب الجماعي المحيل على السلطة السياسية) في سرد الوقائع المثبتة لدعوى التظلُّم، وفي المرحلة التي نخوض فيها الآن، قامت بالتفات مركزي بارز؛ فقد حافظت على ضمير المخاطَب الجماعي، لكنها جعلته محيلا على أسرة المتكلم في الأغنية، وهذا ما نلمسه بوضوح في المقطع القائل ( آسف، أسرتي)، إن هذا الالتفات المهم، يعني أن المخاطَب سيتغير؛ إذ سننتقل من مُخاطَب خصم، إلى مخاطَب له منزلة عاطفية (الأسرة)، فما طبيعة الكلام الذي سيدور بين صوت الأغنية، الذي هو شاب يشجع فريق الرجاء الرياضي/ضحية للقمع والسياسات السلبية، وبين أفراد أسرته؟
من خلال مضامين هذه المرحلة الأخيرة من الأغنية، نتبيَّن أن طبيعة الكلام الذي يوجِّهه الشاب المتكلم إلى أسرته، يدخل ضمن ما يمكن تسميته ب “رفع العتاب”؛ فالأسرة تعاتبه على إنفاق وقته في تشجيع فريق الرجاء الرياضي، وتلفت نظره إلى أن الحياة أكبر من تشجيع فريق يلعب كرة القدم، وهذا العتاب يزيد من متاعب الشاب وهمومه، وبالتالي سيخصص جزءا من تعبيره داخل الأغنية لرفعه، وبيان فساده، والاحتجاج للإفراط في حب الفريق، وتوضيح الأعذار التي لم ينتبه لها المعاتبون، لكل هذه الأسباب إذن؛ تكون المرحلة الأخيرة من “في بلادي ظلموني” مرحلة احتجاج لحب الفريق، ولما يستتبعه ذلك من إنفاق للجهد والمال والوقت، ومرحلة لتفخيمه، وبيان مرتبته الحقيقية.
وهذه الدلالة الجديدة ألزمت الأغنية بإجراء التفات في الضمير، وستلزمها أيضا، بإجراء التفات في صيغة القول؛ إذ سننتقل من صيغة سرد الوقائع، إلى صيغة الحوار الحجاجي الدائر بين طرفين متعارضين: الشاب والأسرة، وقد قامت هذه الصيغة على عرض مواقف الطرفين على لسان الشاب؛ إذ نجده يعرض ما تقوله أسرته بشأن حبّه للرجاء الرياضي أولا، ثم يعقِّب عليها بحجج متعددة، يغلب عليها التفخيم كما أسلفنا.
ومادام العتاب المردود في الأغنية يأتي من أفراد مقربين، ودافعه هو الحب الخالص، فإن الرَّد عليه لن يكون قاسيا ولا جارحا، كما هو الشأن مع الرد الضمني على السلطة السياسية في “المرحلة السردية”، بل سيكون مُلطَّفا وملائما لطبيعة المخاطَب ومنزلته العاطفية، وهذا التَّلطيف([18]) نلمسه في أساليب الرَّد كما تؤكد كلمات الأغنية أدناه:
أوه أوه أوه أوهووو
عليا كثرو الهضاري ( عليَّ، كثُر الكلام)
أوه أوه أوه أوهووو
الهضرة طلعات فراسي (سئمت من الكلام)
أوه أوه أوه أوهووو
وا غير فهموني (فقط، افهموني)
كل نهار نفس الهضرة (كل يوم نفس الكلام)
فالدَّار ولا الزنقة (في المنزل أو الشارع)
وشنو عطاتكم الخضرا؟ (ماذا أعطتكم الخضراء [فريق الرجاء]؟)
عمرك كلّو ضاع عليها (عمرُك كلُّه ضاع عليها)
وشحال نفقتي عليها ( وكم [من مال ووقت] أنفقت عليها)
وجامي خليتيها (ولم تتخل عنها أبدا)
يا حبابي غِير فهموني (يا أحبابي، افهموني فقط)
علاش بغيتو تفرقوني (لماذا تريدون أن تفصلوني)
على الرجاء اللي تواسيني (على الرجاء التي([19]) تواسيني)
هادي آخر كلمة عندي
نكتبها من قلبي
والدمعة في عيني
أوه أوه أوه أوهووو
التوبة للرب العالي([20])
أوه أوه أوه أوهووو
تُب علينا يا ربِّ
يعرض الجزء الأول من هذا المقطع (إلى غاية: وجامي خلِّيتِها) أقوال الأسرة المعاتبة القائمة على مبدأ حِجاجي عاطفي (الباتوس)، يتمثَّل في الخوف على المخاطَب، والتفكير في مصلحته الشخصية، والصورة الحجاجية المختصِرة لهذه الأقوال، هي: “اهتم بنفسك وبمستقبلك، ولا تترك حبَّ فريق الرجاء الرياضي يصرف اهتمامك عن أمور الحياة المهمة”.
أما الجزء الثاني من المقطع، فإنه يعرض ردَّ الشاب على العتاب، بصوت عاطفي ودود، يستهله بعبارة (يا حبابي غير فهموني)، ثم يعقبه بحجاج يبرز حب الرجاء الرياضي في صورة حب أسطوري لا يملك العاشق مقاومته وردَّه، ومن عناصر هذا الحجاج مثلا، حجة الاستفهام البلاغي (علاش بغيتو تفرقوني، على الرجا اللي تواسيني؟)، والحجاج بصورة الذات العاطفية؛ فبعد إيحاء الشاب (صوت الأغنية) بأنه لن يترك فريقه، وسيظل يشجعه مهما كلفه الأمر، يختم كلامه، والأغنيةَ كلَّها، بقوله: “هادي آخر كلمة عندي، نكتبها من قلبي، والدمعة في عيني”، والواضح أن الرهان في هذه الكلمة الختامية كان على تقديم الذات في صورة عاشق حزين وبريء (نكتبها من قلبي – الدمعة في عيني )، اجتمعت عليه هموم الواقع الاجتماعي الصعب، وبات حبُّ فريق الرجاء الرياضي هو كل ما يسلّيه، وينسيه بعضا من همومه، وبالتالي فإنه لا يستحق العتاب الموجَّه إليه، بقدر ما يستحق التعاطف والتضامن.
ولا شك أن وقوع مثل هذه الدلالات، المرتبطة بالحجاج والتفخيم، في خاتمة الأغنية، قد أكسب الخطاب الاحتجاجي قوة إضافية، لأنه ضاعف حجم التأثير العاطفي في المتلقي، وعزَّزَ المقتضيات الدلالية البانية للمظلومية السياسية والاجتماعية وحتى الأسرية، وفي هذا الصدد، نذكر بأن الدراسات البلاغية، تؤكد أن موقع الخاتمة في الخطاب، يجدر به أن يهز العواطف، ويخرج بانطباعات تلخِّص الدعوى العامة([21])، وفي هذه الأغنية، نحس بأن الخاتمة قد بُنيت على ما يشبه تلخيص القول ( آخر كلمة، هي البقاء على عهد تشجيع فريق الرجاء الرياضي، وعهد الكلمة المناضلة في الملاعب).
2- بلاغة التقنيات الأسلوبية:
بعد الخوض في مسألة الترتيب الحجاجي في الأغنية، ننتقل في هذا المحور إلى تحليل بعض التقنيات الأسلوبية التي استعملتها لخلق التأثير، وبناء الدلالة الاحتجاجية، ولا بأس أن نوضح هنا، أن مكونات الحجاج في الخطاب، تشتغل بتناغم كامل، ولذلك صعُب علينا سابقا، أن نحلِّل الترتيب بمعزل عن الأسلوب والإيتوس والباتوس، فقد كنا نوضّح طبيعته وفوائده من خلال هذه المكونات، والأمر نفسه يصدق على الأسلوب؛ إذ لا شك أننا سنتناوله داخل بنية الخطاب، وفي خضم اتصاله بالمكونات الحجاجية الأخرى.
وتجدر الإشارة في هذا الباب، إلى أننا نتعامل مع الأسلوب في الأغنية المُحلَّلة على أنه مكون حِجاجي، أُسندت إليه وظائف إقناعية، بالإضافة إلى وظائفه الجمالية المرتبطة بمتطلبات الطبيعة الفنية للغناء، وقد سبق لشاييم بيرلمان أن أثار مسألة وظائف الأسلوب في الخطاب، مشيرا إلى أن الصورة البلاغية، تكون مهمة في الخطاب الحِجاجي، إذا وُظِّفت بوعي حجاجي، أما إذا كانت مجرد زخرفة، فإنها لا تدعو إلى الاهتمام بها([22])، ورغم وجاهة هذا الرأي في قراءة الأسلوب في السياق الحجاجي، إلا أنه يغفل ما للمتعة الفنية للأسلوب من فوائد منعكسة على الإقناع، وهذا ما تنبَّه له أولفيي روبول، وجعله يرد على بيرلمان، ويلفت نظره إلى أن الإقناع في الصورة البلاغية، لا يأتي دائما من قدرتها على استبطان الدلالات الحجاجية، بل يأتي أحيانا من تأثيرها الفني([23]).
وفي هذا البحث، نذهب هذا المذهب في قراءة الأسلوب حجاجيا، وبخاصة أننا أما خِطاب مزدوج الطبائع والوظائف، فهو نص فني وحجاجي في الوقت نفسه، ويؤدي وظيفتين مترابطتين، هما الوظيفة التأثيرية الفنية، والوظيفة التأثيرية الحجاجية.
أما بخصوص ما نقصده بالأسلوب هنا، فإننا نوضح بأن طريقة تأليف اللغة في الخطابات الحجاجية، تُعطينا “الصورة الأسلوبية” إذا تجازوت دلالتُها الإخبار العادي عن الواقع أو النفس، وحين تتجاوز اللغة هذا المستوى الإخباري الأولي، تُعطي الفرصة للمتكلم من أجل شحنها برغباته ومقاصده (…)، وكلما كنا أمام ملفوظ مشحون بالمتكلم، كنا أما تقنيات أسلوبية مُغرضة هدفها الإقناع والتأثير، وهذه التقنيات قد تكون من طبيعة دلالية أو تركيبية أو صوتية (…)([24]).
أ – أنسنة الرَّجاء الرياضي: صورة المعشوق الاستثنائي:
من خلال متابعتنا للأغنية، نتبيَّن أنها تقدِّم فريق الرجاء الرياضي في صورة إنسان بصفات استثنائية، تجعله معشوقا فوق العادة، بل هناك مؤشرات لفظية تؤكد أنه يُقدَّم في صورة امرأة، وهذا ما يزيد من تفخيم دلالة “المعشوق المحبوب”؛ لأن المرأة ترتبط بها صفة العشق (من جهة تلقِّيه) في التراث الإنساني أكثر من الرجل، ومن هذه المؤشرات اللفظية قولُ الأغنية في سياق تصوير العتاب الوارد على لسان الأسر :” شنو عطاتكم الخضرا؟”؛ فقد أُنِّث الفريق من خلال وصف “الخضراء” المنتزع من لون القميص الذي يظهر به في الملاعب، وأسند إليه فعل العطاء (ماذا أعطتكم؟).
وهناك استعارة جزئية أخرى بنت الاستعارة الكبرى بشأن أنسنة الفريق، وهي:
– علاش بغيتو تفرقوني، على الرجاء اللي تواسيني
يعزز إسناد فعل المواساة إلى فريق الرجاء الرياضي تأويلنا للصورة البلاغية المذكورة، لأنه فعل يرتبط (عادة) بالإنسان الذي تجمعنا به صلة وثيقة، ويكون محل ثقة وحب، أضف إلى هذا أن الأغنية تصنع إحساسا عاما مُفاده أن الرجاء الرياضي ليس فريقا فقط، بل هو كائن مميَّز، يتخذ صورة إنسان حقيقي، يواسي، ويُبهج، ويحزن، ويتطلب التضحية والوفاء، وقد بُنيت هذه الصورة البلاغية المتقاطعة مع أهداف التأثير في المتلقي، ومع أهداف الاحتجاج أيضا، من خلال عدد كبير من الملفوظات العاطفية التي تصف علاقة العاشق بالرجاء، وتجعلنا نتساءل: من يكون هذا الفريق الذي يُصوَّر هذا التصوير ؟ ويطلب صوت الأغنية ألا يبعدوه عنه؟ ويَذْكُر أنه أنفق عنه عمرَه كلَّه ؟
ومهما كانت الإجابة عن الأسئلة، فإنها الخلاصة التي يمكن تكوينها من خلالها، هي أن هذا الفريق ليس فريقا عاديا، إنما هو كائن محبوب ومقرب، يقتضي التصرف إزاءه تصرفنا إزاء الأشخاص الذين نعِزُّهم ونحبُّهم.
وكما نُلاحظ فإن هذه الصورة البلاغية، لم تتكوَّن من خلال الاستعارات فقط، بل تكوَّنت من خلال ملفوظات تقريرية، تذكر أن الشاب (صوت الأغنية) أنفق عمره على الفريق، ولا يستطيع الانفصال عنه (…)، غير أنها (الملفوظات) تحمل قيمة بلاغية، لأنها شاركت في تكوين صورة بلاغية كُلية، أسندت إليها وظائف احتجاجية ظاهرة، ذلك أن صورة الفريق في الأغنية اُستعملت بوصفها مُحفِّزا على مواجهة الظُّلم والإقصاء.
والاستنتاج الذي يمكننا الخلوص إليه في هذا الصدد، يتمثل في أن الطاقة البلاغية لا تنحصر في الصور التقليدية الجزئية، مثل الاستعارة والتشبيه والكناية، بل تؤسس أحيانا على ملفوظات تبدو عادية، لكن بنيتها النصية وسياقها الكُلي، يجعلانها ملفوظات حافلة بالفوائد البلاغية المنتشرة في الخطاب.
ب – التمثيل البلاغي للقمع:
سبقت الإشارة إلى أن الأغنية عمدت إلى سرد الوقائع المرتبطة بقمع السلطة للمواطن وجماهير فريق الرجاء الرياضي، من خلال آليات بلاغية، أمكنتها من خلق تأثير عاطفي ظاهر، يقدِّم السلطة في صورة شنيعة، ويقدِّم الطرف الآخر (المواطن/ المشجع) في صورة الضَّحية، وفي هذا الصدد، كانت الإشارة إلى أسلوب الاستفهام الإنكاري بوصفه وسيلة أسلوبية تدعِّم بلاغة هذا السرد.
وإننا نروم في هذا المحور تقصي وسائل أسلوبية أخرى اعتمدتها الأغنية في إدراك مقاصدها المتصلة بتمثيل قمع السلطة.
من أبرز التقنيات الأسلوبية التي يمكن ذكرها في هذا الصَّدد، ما يتعلق بحشد الكلمات ذات الصلة بالقمع والاعتداء والظلم، من قبيل ( ضيعتوها – هرستوها – قمعتوها – وقتلتو – ومنعتو – تحاربو – تهمتو – ضيعتو)، فالواقع أن تضخيم معجم الخطاب بهذه الكلمات، كان اختيارا واعيا، ومتوافقا مع القصد الاحتجاجي، وملائما لرغبة الأغنية في تفخيم عيوب السلطة، من خلال نسق السرد القائم على عرض أفعالها السردية بنوع من التتابع المفضي إلى تأكيد صحة ما يُعرض.
ومن الواضح أن إلحاق الكلمات المذكورة بضمير المخاطب الجماعي (السلطة)، كانت اختيارا غائيا استطاع أن يعزز دلالات المواجهة([25]) والتفخيم، لأنه يصنع انطباعا عاما عند المتلقي، مُفاده أن هذه الكلمات/الأفعال، تتصل بالسلطة (حجة الوصل)، ولا تنفك عنها ( ضيعتو – هرستو…)؛ فكأنها مقصورة عليها، ولا يأتي بها أحدٌ غيرها.
ومما يعزِّز المعجم المذكور أيضا، ورود بعض الكلمات في سياق صور بلاغية دلالية، مثل:
– التشبيه: “خلاونا كاليتامى”؛ فقد شبَّهت الأغنية حال المواطنين، بعد تخلي السلطة عن أدواها الاجتماعية، بحال اليتامى، ولا يخفى ما لهذا التشبيه من تأثير عاطفي، يجلي معاناة المواطنين وصراعهم مع قساوة الحياة.
– الاستعارة: “بالدوخة هرستوها”؛ تستعير هنا الأغنية صفة (الانكسار) للأجيال المواهب، لوصف ما قامت به السلطة في سبيل قمعها والإساءة إليها. وتكمن قيمة هذه الاستعارة، في توفير شاهد مادي معلوم عند المتلقي (فعل الكسر)، لتقريب فعل السلطة في تعاملها مع الشباب الموهوب.
إضافة إلى كل هذا، نقف في الأغنية على صورة أسلوبية حجاجية مهمة جدا، وهي صورة “المقابلة/المفارقة”؛ فقد ذُكر أن السلطة كانت تصفِّق لإنجازات ألتراس الرجاء الرياضي، لكنها في وقت آخر كافأت أفرادها بشهور من السجن: “نسيتو شحال صفقتو، بشهور الحبس جازيتو “.
تقوم هذه الصورة على تصوير مفارقة صارخة، مفادها أن السلطة تعامل المجتهد بخلاف ما يجب أن يُعامل به، وهذا ما “يكشف” معدنها السيء، ويوضح نيتها في كسر الشباب الطموح.
وإجمالا؛ فإن الخطاب الاحتجاجي في الأغنية استطاع أن يمثِّل قمع السلطة بأدوات أسلوبية، واستطاع أن يكوِّن لها صورة نقيضة لصورة أفراد الألتراس ولعامة المواطنين، وهي صورة القوة القامعة غير الجديرة بموقع المسؤولية.
ج- التقنيات الأسلوبية- الصوتية:
بما أن أغنية “في بلادي ظلموني” تقوم على أساس موسيقي، فقد كان من الطبيعي أن تحفل بنيتُها بتقنيات أسلوبية-صوتية، تمكِّنها من إغناء بُعدها الاحتفالي المرتبط بالغناء في مدرجات الملاعب، ومن تعزيز قُدراتها التأثيرية –الحجاجية.
لقد كانت القوة الإبداعية المنشئة للأغنية واعية بوظائفها المزدوجة، لذلك حرصت على السير في خطين متوازيين، هما خط الاحتجاج وخط الإمتاع؛ وهذا ما نلمسه بوضوح في مُكوِّنها الموسيقي؛ فقد راهن من جهة على تكوين جو احتفالي ممتع، وراهن من جهة ثانية على توفير غطاء عاطفي مؤثر لكلمات الأغنية بشأن التظلُّم والشكوى وتفخيم عيوب السلطة.
ولعل أول مكون موسيقي يمكن أن نشير إليه في هذا الباب، هو الترديد الصوتي الذي يفصل بين الوحدات اللغوية، وتتغير إيقاعاته من مرحلة إلى أخرى كما أشرنا سابقا، وذلك تبعا لتحوُّل الدلالات في الأغنية، لكن تغير الإيقاعات، لا يمنع من القول إن هذا الترديد يشترك في دلالة عامة، هي التعبير عن الحزن والألم والإحساس بالغبن، والدليل على ذلك هو الجذر اللغوي (أه) الذي تشكِّله الأغنية تشكيلات مختلفة؛ ففي التواصل الاعتيادي بين الأفراد، وحتى في المعاجم اللغوية، يدل هذا المكوِّن الصوتي على كل ما يتصل بالتعبير عن الألم.
إضافة إلى هذا، ثمة طاقة موسيقية أخرى تخلَّقت عن طريق المماثلات الصوتية في نهايات الوحدات اللغوية، مثل: ( حالي/ عالي/ داري)؛ وهنا الاتفاق يشمل الصيغة الصرفية بين الكلمات الثلاث، ويشمل الصوت الأخير بين كلمتين (حالي / عالي)، والأغنية على مدار جميع مراحلها، اعتمدت هذه المماثلات بصيغ مختلفة وأصوات مختلفة: (غمامة/ السلامة/ القيامة)، (تفرقوني/ تواسيني)، (…).
وانسجاما مع الموقف التعبيري المهيمن على الأغنية، نجد توظيفا مُكثفا للمدود، حتى أننا لسنا بحاجة إلى التمثيل لهذه الظاهرة، لأن وحدات لغوية قليلة في الأغنية، هي التي انتهت بكلمات لم يأت صوتُها الأخير ممدودا، ومن المعلوم أن المد يناسب كثيرا المواقف الانفعالية، بما يتيحه من مساحة لغوية للقول المنطلق القادر على إعطاء صورة تقريبية لما يعتمل في دواخل الإنسان، وفي هذا السياق، تحضرُنا بنيات الأساليب الانفعالية، على غرار “الاستغاثة” و “الندبة”، اللتين لا تنفصل بنيتهما الصورية عن المدِّ بوصفه آلية مساعدة على تقرير المعاني الانفعالية، ولا نغفل في الجانب الآخر، مُقتضيات الإنشاد الجماهيري، التي تستدعي مدَّ بعض الأصوات من أجل خلق الحماسة، واستنفار مشاعر محدَّدة عند المُنشد والسامع.
خلاصة:
في نهاية هذا البحث، يمكن القول إن الخطاب الاحتجاجي في أغاني الألتراس، وبخاصة في “أغنية في بلادي ظلموني”، يقوم على بنية مزدوجة، يتداخل فيها البعدان الجمالي والحجاجي، كما تتداخل فيها الوظيفة الإمتاعية-الإطرابية بالوظيفة النقدية الهادفة إلى تعرية عيوب السلطة السياسية وتفخيمها وإبراز هموم الشباب ومعاناتهم، وقد ساعدنا التحليل المُنجز، على الخلوص إلى أن البعدين المذكورين، يصعب الفصل بينهما في مثل هذه الخطابات، لأنها موجَّهة إلى جمهور (وتعبِّر عن جمهور) محتاج إلى الاستمتاع، مثلما هو مُحتاج إلى كلام يعكس واقعه ومشاكله.
وقد تركَّز تحليلُنا للخطاب الاحتجاجي في الأغنية المذكورة على بيان القيم الحِجاجية التي يختزنها مُكوِّنان مهمان في بنيتها، هما الترتيب والأسلوب؛ فبخصوص ترتيب الأجزاء انتهى التحليل إلى أنه يتركب من ثلاث مراحل كبرى، هي المرحلة التعبيرية، والمرحلة السردية، ومرحلة الحجاج والتفخيم، وبخصوص الأسلوب، اتضح لنا أنه اُستُخدم بوعي حِجاجي، وأسندت إليها وظائف مهمة، مثل تشكيل صورة السلطة القامعة، وخلق التأثير الجمالي-العاطفي في النفوس.
المصادر والمراجع
الاستعارة في الخطاب، إيلينا سيمينو، ترجمة: عماد عبد اللطيف وخالد توفيق، المركز القومي للترجمة، ط1، مصر، 2013.
الإمبراطورية الخطابية، صناعة الخطابة والحجاج، شاييم بيرلمان، ترجمة: الحسين بنوهاشم، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، لبنان، 2022.
بلاغة جمهور كرة القدم، تأسيس نظري ومثال تطبيقي، عماد عبد اللطيف، مجلة العمدة في اللسانيات وتحليل الخطاب، العدد 6، الجزائر، 2019.
تمثلات الخطاب الاحتجاجي للألتراس في المغرب وتأثيراته السياسية، سعيد بنيس، مجلة لُباب، ع2، قطر، 2019.
الخطابة، أرسطو، ترجمة: عبد الرحمان بدوي، دار الرشيد للنشر، العراق، 1980.
السرد في رسائل الجاحظ، محمد مشبال، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، ع2، المغرب، 2013.
السياق وتوجيه دلالة النص، مقدمة في نظرية البلاغة النبوية، عيد بلبع، دار بلنسية، ط1، مصر، 2008.
في بلاغة الحجاج، نحو مقاربة بلاغية حجاجية لتحليل الخطابات، محمد مشبال، دار كنوز المعرفة، ط1، الأردن، 2016.
في سيمياء الشعر القديم، دراسة نظرية وتطبيقية، محمد مفتاح، دار رؤية، مصر، 2016.
في نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد، عبد الملك مرتاض، سلسلة عالم المعرفة، ع 240، الكويت، 1998.
الوجوه الأسلوبية في الخطاب الحجاجي، رسائل الجاحظ أنموذجا، حسن الطويل، دار النابغة، ط1، مصر، 2022.
Wikipédia (wikipedia.org) — Tifo
Kaynakça / References
Al-imbratoriya alkhatabiya, sina-at alkhataba wa alhijaj, Chaim perelman, Tarjamat : lhosien banohachem, Dar alkitab aljadid almotahida , t1, lobnan, 2022.
Al-isti-ara fi lkhitab, Elina semino, tarjamat : Imad Abdellatif wa Khalid Tawfiq, almarkaz alkawmi litarjama , t 1, misar, 2013.
Alkhataba, Aristo, Tarjamat : abderrahman Badawi, Dar A-rrachid li- nnachr, al-Iraq, 1980.
Alwojoh al-oslobiya fi alkhitab alhijaji, rasa-il Aljahiz onmodhajan, Hassan Attaouil, dar a-nnabigha, t 1, Misar, 2022.
Assard fi rasa-il Aljahiz , Mohamed mechbal, majalat alabalagha wa tahlil alkhitab, al-adad 2, almaghrib, 2013.
Assiyak wa tawjih dalalt a-nnas, mokadimma fi nadhariyat albalagha a-nnabawiya, Aid balbaa,dar balinsiya, t1, Misr.2008.
Balaghat jomhor korat alkadam, ta-esis nadhari wa mithal tatbiki, Imad Abd llatif, majalat Al-omda fi allisaniat wa tahlil lkhitab, al-adad 6, Aljazair, 2019.
Fi balgaht alhijaj, nahwa mokaraba balaghia hijajia li tahlil alkhitabat, mohamed mechbal, dar konoz alma-rifa, t 1, al-ordon, 2016.
Fi nadhariyat a-rriwaya, bahth fi tiqniat a-ssard, abde almalik Mortadh, sislsilat a-alam alma-rifa, a-adad 240, alkuwait, 1988.
Fi simya-e achi-ar alkadim, dirasa nadhariya wa tatbiqia, Mohamed miftah, dar ro-eya, misar, 2016.
Introduction à La rhétorique, Olivier Reboul, PUF, 2 ème édition, Paris, 2013.
Tamatholat alkhitab al-ihtijaji li al-altras fi almaghrib wa ta-ethiratoho ssiyasiya, Said bannis, majalat Lobab, al-adad 2, Qatar, 2019.
Wikipédia (wikipedia.org) — Tifo
([1]) تُطلق كلمة “ألتراس / Ultras” على مجموعات المشجعين المنظَّمة التي تتنقل مع فرقها الرياضية أينما حلت وارتحلت، من أجل تشجيعها، وبث الحماس في لاعبيها بالهتافات والأغاني واللافتات والأيقونات (…)، غير أن وظيفتها لن تتوقف عند هذا الحد، وستمتد إلى ممارسة الاحتجاج والنقد السياسي، انظر بخصوص نشأة الألتراس في المغرب: تمثلات الخطاب الاحتجاجي للألتراس في المغرب وتأثيراته السياسية: 146-149.
([2]) تقول إيلينا سيمينو في هذا الباب: ” يرتبط مجال الحرب على نحو وثيق بالمجال العام للرياضة. فالحرب والرياضة توءمان في التاريخ الثقافي، ويتم التعبير استعاريا عن كل منهما بمفردات تنتمي للآخر“. الاستعارة في الخطاب: 224.
([3]) لوحات فنية يشكلها الجمهور بتقنيات متعددة، مثل حمل اللافتات بتخطيط إدماجي مُسبق، واستخدام الأجساد بشكل منظم ومنسق، انظر: Tifo — Wikipédia (wikipedia.org)
([4]) يعرِّف سعيد بنيس الخطاب الاحتجاجي تعريفا غير مفصول عن جوانبه البلاغية؛ إذ يرى أنه “متن لغوي حجاجي وترافعي يُبنى على تراكيب وصيغ بلاغية ذات وظائف تعبيرية وتواصلية“. تمثلات الخطاب الاحتجاجي للألتراس في المغرب وتأثيراته السياسية: 144.
([5]) ركّزت أغلب الدراسات السابقة المهتمة بخطابات الألتراس في الثقافة العربية على أبعادها الاجتماعية والسياسية، أما الاهتمام البلاغي بها فلم يشهد بعد تراكما واضحا على مستويات الكم والكيف. ومن الدراسات البلاغية القليلة في هذا الاتجاه، دراسة الباحث المصري عماد عبد اللطيف “بلاغة جمهور كرة القدم، تأسيس نظري ومثال تطبيقي“، وهي مرجع مهم لمقالنا هذا.
([6]) أقدم تسجيل متاح لهذه الأغنية يعود لتاريخ27 مارس 2017 حسب ما أورده عماد عبد اللطيف، وحسب ما انتهينا إليه من البحث في الموضوع. والأغنية من إبداع (Ultras Eagles 06 /إلتراس النسور) المساند لفريق الرجاء الرياضي المغربي. وقد سجل الكثيرون استطاعتها تحقيق انتشار واسع في العالم العربي، واكتساب أرقام قياسية في عدد المشاهدات في منصات الميديا. انظر: بلاغة جمهور كرة القدم: 19.
([7]) قارب عماد عبد اللطيف هذه الأغنية، في دراسته المذكورة، من وجهة نظر بلاغية، منطلقا في ذلك من إطار نظري خاص به، يسميه “بلاغة الجمهور“، ومن خلاله يرى أن خطابات جماهير كرة القدم تمثل استجابات لخطابات أخرى (خطاب السلطة أساسا)، مع العلم أن الاستجابة في هذا المقام تعني “رد الفعل“، وليس الإقرار أو القبول. وقد ركز عماد عبد اللطيف في مقاربته التحليلية للأغنية على “النقلات الحوارية” وطرق “توظيف الضمائر“. وفي هذا المقال، اقتنعنا بأن إبداعية الأغنية تعود إلى أصلين كبيرين، هما: الترتيب والأسلوب، لذلك ستأتي مقاربتنا مخالفة نوعا ما للمقاربة المذكورة، وإننا سنحرص، في حواش لاحقة، على إبراز ملاحظاتنا بشأن بعض تأويلات الباحث المصري البلاغية للأغنية، وبشأن ضبطه لكلماتها أيضا.
([8]) يقول أرسطو: “ثلاثة أمور تحتاج إلى اهتمام خاص فيما يتعلق بالقول [الحجاجي]: الأول: هو مصادر الأدلة، والثاني: الأسلوب، والثالث: ترتيب أجزاء القول“، (الخطابة: 193).
([11]) أغنية “في بلادي ظلموني” مُصاغة باللغة المغربية الدارجة، مع وجود ألفاظ فرنسية في بعض مقاطعها. ومن أجل أن يفهم القارئ باللغة العربية معاني الأغنية بشكل جيد، عمدنا، حسب الحاجة، إلى تقريب بعض الملفوظات باللغة العربية الفصيحة، مع مراعاتنا للبنية الأصلية للمقطع.
ملحوظة: نضع التقريب بين قوسين ( )، والكلمات التي أضفناها من أجل توضيح المعنى أكثر، وضعناها داخل القوسين بين معقوفتين [ ].
([12]) نذكر بأن مقولة “الذات” في هذه الأغنية تحمل بُعدا عاما، يتجاوز بها الدلالة على الفرد الواحد إلى الدلالة على الجماعة.
([14]) يؤول عماد عبد اللطيف هذا الدعاء تأويلين اثنين؛ إذ يرجح أن يكون المدعو (مولانا) هو الله، كما يرجح أن يكون هو “الحاكم أو رجل الدين“(بلاغة جمهور كرة القدم: 22). والترجيح الثاني يبدو غريبا نوعا ما، إذ لا يؤيده سياق الأغنية، ولا السياق الذي تُستعمل فيه العبارة الدعائية في الدارجة المغربية. ولعل ما جعل الباحث يقدِّم هذا التأويل هي اللهجة المصرية التي يوظَّف فيها ملفوظ “مولانا” في مخاطبة الشيوخ وأصحاب الشأن، وعلى العموم فإن الترجيح الثاني في التأويل يبدو بعيدا جدا عن مقاصد الأغنية.
([16]) سبق أن بيَّنا، في اشتغالنا على عدد من خطابات الجاحظ الحجاجية، أن الخطاب الحجاجي الهادف إلى تفخيم العيوب يستعمل تقنية السرد التصاعدي القائم على قاعدة “من السيء إلى الأسوأ” من أجل الزيادة في حنق القارئ على المهجو. انظر: الوجوه الأسلوبية في الخطاب الحجاجي: 204. ولعل قاعدة “من المجمل إلى المفصَّل” في السرد الحجاجي تؤدي الوظيفة التأثيرية نفسها كما هو الشأن في أغنية “في بلادي ظلموني“.
([17]) القانون المتعلق بشغب الملاعب. صدر في 2 يونيو 2011. انظر سياقه في دراسة سعيد بنيس: (تمثلات الخطاب الاحتجاجي للألتراس في المغرب وتأثيراته السياسية: 149).
([18]) انظر في شأن التلطيف الأسلوبي للخطاب في المقامات الحجاجية: عيد بلبع: السياق وتوجيه دلالة النص: 501- 527.
([19]) يستعمل عماد عبد اللطيف الاسم الموصول المذكر “الذي” بدل “التي” (بلاغة جمهور كرة القدم: 26)، وهو الأمر الذي لا نتفق معه، لأن تأنيث فريق الرجاء في الأغنية، مسألة مهمة في تأسيس بلاغة الأغنية كما سيأتي في فقرات التحليل اللاحقة.