أثر الهوية الإسلامية في التغير اللغوي
Dilin Değişmesinde İslami Kimliğin Etkisi
د. محمد رزق شعير
أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وبلاغتها جامعة هيتت – تركيا
Dr. Öğr. Üyesi Mohamed Rızk SHOEIR
İlahiyat Fakültesi Hitit Üniversitesi -Türkiye
E-posta: mrsheer2000@gmail.com
Orcid: 0000-0002-5545-0012
بحث منشور في مجلة (ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها) المجلد الأول – العدد الأول أكتوبر 2020
مقدمة:
يدور البحث حول موضوع: (أثر الهويَّة الإسلاميَّة في التَّغيّر اللُّغويّ)؛ حيث
إنَّ الإسلام أثَّر أثرًا كبيرًا في لغة العرب، من حيث استحداث ألفاظ جديدة غير
معروفة من قبل، اقتضتها الشَّريعة الإسلاميَّة بما جاءت به من تعاليم تحتاج لألفاظ
جديدة، كما هدمت ألفاظًا نهى الإسلام عنها حتَّى اندثرت، كما غيَّر معان كلمات كانت موجودة من قبل وتحوَّل معناها لمدلول جديد؛ فالبحث
يتناول ركنًا مهمًا من أركان التَّغيّر اللُّغويّ، بل يعدُّ من أهمِّ أركان
التَّغيّر لأنَّه يتعلَّق بالجانب الدِّيني (الإسلاميّ)، وهذا الجانب بطبيعته شامل
لكلِّ الجوانب الأخرى وما يصاحبها من تغيّرات سواء أكانت اجتماعيَّة أم فكريَّة أم
سياسيَّة أم غيرها.
وقد ذكر أبو حاتم الرَّازي (195/277)
مجموعةً من الألفاظ الإسلاميَّة المتطوّرة دلاليًّا، وعرض في أثناء دراستها لأمور
تتَّصل بتاريخ العربيَّة وتأصيل الدِّلالات واشتقاق الجديد من القديم؛ فقد بيَّن
أنواع الأسماء الَّتي ابتغى تفسيرها في كتابه: “فمنها ما هي قديمة في كلام
العرب، اشتقاقاتها معروفة، ومنها أسام دلَّ عليها النَّبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم-
في هذه الشَّريعة ونزل بها القرآن، فصارت أصولاً في الدِّين وفروعًا في الشَّريعة
لم تكن تعرف قبل ذلك، وهي مشتقَّة من ألفاظ العرب، وأَسامٍ جاءت في القرآن لم تكن
العرب تعرفها ولا غيرهم من الأمم؛ مثل: تسنيم وسلسبيل وغسلين وسجين والرَّقيم وغير
ذلك”.([1])
وفي ذلك يقول أحمد بن فارس (395- 1004)
مشيرًا إلى التَّطوّر الاجتماعي والثَّقافي الَّذي يؤدِّي إلى التَّغيّر
اللُّغويّ: “كانت العرب في جاهليتها على إرثٍ من إرث آبائهم في لغاتهم
وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم، فلمَّا جاء الله- جلَّ ثناؤه- بالإسلام حالت أحوال،
ونسخت ديانات، وأبطلت أمور، ونقلت من اللُّغة ألفاظ عن مواضع إلى مواضع أُخَر
بزيادات زيدت، وشرائع شرعت، وشرائط شرطت. وممَّا جاء في الشَّرع: (الصَّلاة)؛
وأصلـه في لغتهم: الدُّعاء. وكذلك (الصِّيام)؛ أصلـه عندهم الإمساك ثمَّ زادت
الشَّريعة النِّية، وحظرت الأكل والمباشرة، وغير ذلك من شرائع الصَّوم. وكذلك
(الحجّ)، لم يكن عندهم فيه غير القصد. وكذلك (الزَّكاة) لم تكن العرب تعرفها إلا
من ناحية النَّماء، وزاد الشَّرع ما زاده فيها”.([2])
فهذه الألفاظ الإسلاميَّة وغيرها كثير
أصابها تغيّر المعنى نتيجة التَّطوّر الاجتماعيّ والثَّقافيّ الَّذي طرأ على المجتمع
العربي بعد مجيء الإسلام.([3])
خطَّة البحث: يتكوَّن البحث من مقدِّمة- فيها تعريف بالموضوع، ثمَّ
تمهيد حول “الهويَّة الإسلاميَّة وارتباطها باللُّعة”، يليه أربعة
مباحث: (المبحث الأوَّل (علاقة الألفاظ الإسلاميَّة بالتَّغيّر الدِّلاليّ)، والمبحث
الثَّاني (هويَّة التَّغيّر اللُّغويّ الإسلامي)، والمبحث الثَّالث (أسباب التَّغيّر
اللُّغويّ)، والمبحث الرَّابع (مظاهر التَّغيّر
اللُّغويّ). وفي النِّهاية تأتي الخاتمة الَّتي تبرز أهمَّ ما توصَّل إليه البحث
من نتائج، ثمَّ ذكر المصادر والمراجع الَّتي استقى منها البحث مادته.
أهمية البحث
–
بيان التَّطوّر اللُّغويّ وأنَّه من أهمِّ المباحث الَّتي
يجب تتبعها لمواكبة المجتمع وتطوّره.
–
معرفة معان إسلاميَّة جديدة قد كوَّنها القرآن الكريم،
ولابدَّ من إدراكها لفهم التَّشريع الإسلاميِّ والعمل بمقتضاه.
–
فهم بعض الكلمات الَّتي تحوَّل معناها عمَّا كان عليه
قبل نزول القرآن الكريم، وهذا أمر لابدَّ من استيعابه في التَّفسير والشَّرح.
–
العلم بكلمات دينيَّة عامَّة– إسلاميَّة خاصَّة- كثيرة
يتغيَّر معناها بتغيير مواقعها وسياقاتها الجديدة.
–
اهتمام كتب أصول الفقه بدراسة الدِّلالات القرآنيَّة تمهيدًا
للبحث في أصول التَّشريع الإسلامي للقرآن والسُّنة والاجتهاد والقياس.
–
الحديث عن الكلمات اللُّغويّة والشَّرعيَّة يعدُّ
تمهيدًا لتفصيل القول في الأحكام الأخرى كطرق الاستنباط وتفصيل الأحكام.
منهج البحث
إنَّ المنهج المتَّبع في البحث قائم على
منهجين متلازمين وهما:المنهج الوصفي والمنهج التَّحليلي؛ فالتَّحليل هنا قائم على
الوصف، من خلال بيان الأصل في الاستخدام اللُّغوي، ثمَّ تحليل الكلمة من خلال السِّيّاق
والرَّبط بين المعنى المعجمي (اللُّغوي) والمعنى الاصطلاحي (الشَّرعي)، وما انتاب
الكلمة من تغيّرات دلاليَّة سواء بالنَّقل (التَّساوي)، أو التَّضييق، أو
التَّعميم، وما إلى ذلك من تغيرات يبرزها التَّحليل بالاعتماد على الوصف أوَّلا
لأصل الكلمة.
التَّمهيد
(الهويَّة الإسلاميَّة وارتباطها باللُّعة)
أوَّلاً التَّغيّر
اللُّغويّ فى إطار المجتمع
يشبِّه العلماء اللغة
الإنسانيَّة بالكائن الحيِّ؛ لأنَّها تحيا على ألسنة المتكلِّمين بها- وهم من
الأحياء- وهي لذلك تتطوّر وتتغيّر بفعل الزَّمن، مثلما يتطوّر الكائن الحيُّ ويتغيّر،
وهي تخضع لما يخضع لـه الكائن الحيُّ في نشأته ونموه وتطوّره؛ فاللُّغة ظاهرة اجتماعيَّة،
لأنَّها تحيا في أحضان المجتمع، وتستمد كيانها منه، وهي تتطوّر بتطوّره، فترقى
برقيه، وتنحط بانحطاطه.([4])
وبما أنَّ اللُّغة
ظاهرة اجتماعيَّة، فإنَّها كالظَّواهر الاجتماعيَّة الأخرى، عرضة للتطوّر المطَّرد
في مختلف عناصرها: أصواتها وقواعدها ومتنها ودلالاتها، وهذا التَّطوّر يخضع في
سيره لقوانين جبريَّة ثابتة واضحة المعالم، ولا يستطيع أحد أنْ يوقف عملها أو يغيّر
نتائجها، وسرعة التَّغيّر ونتائجه تختلف من زمن لآخر ومن جانب لآخر من جوانب اللُّغة.
([5])
وهذا ما انتهت إليه الدِّراسات اللُّغويّة الحديثة.
والتَّطوّر الدِّلالي
هو أحد جوانب التَّطوّر اللُّغويّ، وميدانه الكلمات ومعانيها، ومعاني الكلمات لا
تستقرُّ على حال، بل هي في تغيّر مستمر لا يتوقَّف، ومطالعة أحد معاجم العربيَّة تبرهن
على هذا التَّطور وتبيّن أنَّ معاني الكلمات متغيّرة من عصر إلى عصر. وللتطوّر الدِّلالي
عوامل مختلفة تؤدِّي إليه، كما أنَّ لـه مظاهر معينة يسلكها هذا التَّطوّر.
تتجلَّى هويَّة
اللُّغة العربيَّة في خصائصها الَّتي لا تعود إلى ميراثها السَّامي فحسب بل تُردُّ
أيضًا إلى طبيعتها المنفردة في تطوير ذلك الميراث. الهويَّة واللُّغة موضعان
مرتبطان، يتفاعلان في السُّلوك الفردي والاجتماعي داخل الأوطان يؤثِّر كلٌّ منهما
في الآخر قوَّة وضعفًا؛ فإذا قويت الهويَّة قويت اللُّغة، وإذا ضعفت الهويَّة ضعفت
اللُّغة. ويماثل لفظ الهويَّة لفظ
الماهيَّة عند المفكِّرين؛ أي جوهر الشَّيء وحقيقته، وكلُّ ذات لها هويَّة كامنة توحدها
وتحميها من الانقسام، واللُّغة أقدمُ تجلّيات الهويَّة، أو لنقلْ: هي الَّتي صاغتْ
أوَّل هويَّة لجماعة في تاريخ الإنسان، إنَّ اللِّسان الواحد هو الَّذي جعل من كلِّ
فئة من النَّاس “جماعة” واحدة، ذات هويَّة مستقلَّة.
ثانيًا العلاقة بين الإسلام والتّغيَّر اللُّغويّ
إنَّ العلاقة بين الإسلام والتّغيَّر اللُّغويّ علاقة وثيقة ومهمَّة؛ وهذا له انعكاسات مهمَّة في الدِّلالة (المعنى) ممَّا جعل العلماء- قديمًا وحديثًا- يهتمون بهذه المباحث؛ يقول الدُّكتور/ محمود فهمي حجازي: “لقد كان الاهتمام بالقضايا الدِّلاليَّة فى إطار
الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة كبيرًا، شغلت به عدَّة بيئات لأسباب متنوعة؛ فاللُّغويّون
من أصحاب المعاجم اهتموا بالدِّلالة فى إطار تحديدهم لدلالة الألفاظ،
والبلاغيون شغلوا بقضية الحقيقة والمجاز، والأصوليون شغلوا بقضية الدلالة فى
مقدِّمات كتب على أصول الفقه فى إطار تعرّفهم على الدلالة في اللغة وسيلةً لفهم
واستخراج الأحكام”.([6])
ومن أهمِّ العوامل الَّتي تؤدِّي إلى تطوّر اللُّغة الحاجة إلى كلمة جديدة تعبّر عن
معنى جديد لم يكن معروفًا من قبل. قال العسكري (ت: 395): “وقد حدثت في الإسلام
معان وسمِّيت بأسماء كانت في الجاهليَّة لمعان أخر؛ فأول ذلك القرآن
والسورة والآية والَّتيمم”.([7])
وسُمِّيت هذه الأسماء الَّتي استحدثها القرآن: اسما إسلاميا، قال السُّيوطي (ت: 911): “إنَّ لفظ (الجاهلية) اسم حدث في
الإسلام للزمن الَّذي كان قبل البعثة. والمنافق اسم إسلامي لم يعرف في الجاهليَّة“.([8])
وقد قرَّر ابن فارس (329– 941/ 395ـ- 1004) أن
ألفاظا نقلت من مواضع إلى أخرى، وبدأ يمثِّل لهذه الألفاظ، فقال: “فكان مما
جاء في الإسلام ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق وغيرها من الكلمات”.([9])
من هنا ندرك أنَّ الإسلام أثَّر في
اللُّغة تأثيرًا كبيرًا كان تابعًا لتأثيره في العادات والآداب والاعتقادات. ويدخل
في ذلك ما طرأ على اللُّغة من الاصطلاحات الدِّينيَّة والفقهيَّة واللُّغويَّة
والأدبيَّة، وما دخلها من الألفاظ؛ فتأثير العلوم الإسلاميَّة على اللُّغة يكاد
يكون محصورًا في تنويع الألفاظ العربيَّة وتغيير معانيها للتعبير عمَّا أحدثه
الإسلام من المعاني الجديدة، بلا إدخال ألفاظ أعجميَّة إلا نادرًا.([10])
وأشهر ما حدث من التَّنوعات في
الألفاظ العربيَّة في العصر الإسلامي المصطلحاتُ الدِّينيَّة والشَّرعيَّة
والفقهيَّة واللُّغويَّة،([11])
وكانت ألفاظها موجودة قبل الإسلام ولكنَّها كانت تدلُّ على معانٍ أخرى، فتحوَّلت
للدلالة على ما يقاربها من المعاني الجديدة، فلفظ “المؤمن” مثلًا كان
معروفًا في الجاهليَّة ولكنَّه كان يدلُّ عندهم على الأمان أو الإيمان وهو
التَّصديق، فأصبح بعد الإسلام يدلُّ على المؤمن وهو غير الكافر، وله في الشَّريعة
شروط معينة لم تكن من قبل، وكذلك المسلم والكافر والفاسق ونحوه. وممَّا حدث من
المصطلحات الشَّرعيَّة الصَّلاة وأصلها في العربيَّة الدُّعاء، وكذلك الرُّكوع
والسُّجود والحجّ والزَّكاة والنِّكاح فقد كان لهذه الألفاظ وأشباهها معانٍ تبدَّلت
بالإسلام وتنوَّعت.
وقس على ذلك في الاصطلاحات
الفقهيَّة، كالإيلاء والظِّهار والعدّة والحضانة والنَّفقة والإعتاق والاستيلاء
والتَّعزير واللَّقيط والآبق والوديعة والعارِيَّة والشّفعة والمناسخة والفرائض
والقسامة وغيرها.
ويقال نحو ذلك في الاصطلاحات اللُّغويَّة
الَّتي اقتضتها العلوم اللُّغويَّة، كالنَّحو والعَروض والشِّعر والإعراب والإدغام
والإعلال والحقيقة والمجاز والنَّقض والمَنْع والقَلْب والرَّفع والنَّصب والخفض
والمديد والطويل، وغيرها من أسماء البحور وضروب الإعراب والتَّصريف وهي كثيرة جِدًّا
ولها فروع واشتقاقات، حتَّى لقد أصبح للفظ الواحد معنًى فقهي، وآخر لغويٌّ، وآخر عروضيٌّ،
وآخر دينيٌّ، ممَّا لا يمكن حصره. كما أحدث الإسلام تغييرًا كبيرًا في أساليب
التَّعبير كقولهم: “أطال الله بقاءك”، فإنَّ أوَّل من قالها عمر بن الخطاب
لعلي بن أبي طالب.
وكما أحدث الإسلام ألفاظًا جديدة
للتعبير عن معانٍ جديدة اقتضاها الشرع الجديد والعلم الجديد، فقد محا من اللُّغة
ألفاظًا قديمة ذهبت بذهاب بعض اعتقادات الجاهليَّة وعاداتهم، منها قولهم
“المرباع”؛ وهو ربع الغنيمة الَّذي كان يأخذه الرَّئيس في الجاهلية.
و”النِّشيطة”؛ وهي ما أصاب الرَّئيس قبل أنْ يصير إلى بيضة القوم، أو ما
يغنمه الغزاة في الطَّريق قبل الوصول إلى الموضع الَّذي قصدوه. و”المكس”؛
وهو دراهم كانت تُؤخَذ من بائعي السِّلع في الأسواق في الجاهليَّة، وكذلك الإتاوة
والحلوان.([12])
وكلمة “السِّحر” تعني: كلّ ما لَطُفَ مأخذه، ودقَّ، والفعل
كـ”منع”، وقد كان معروفًا قبل الإسلام بالعمَل الَّذي يُتَقَرَّبُ فيه
إِلى الشَّيطان وبمعونة منه، كلّ ذلك الأَمر كينونة للسحر، ومن السِّحر:
الأُخْذَةُ الَّتي تأْخُذُ العينَ حتى يُظَنَّ أن الأَمْرَ كما يُرَى وليس الأَصل
على ما يُرى، وأُضيف بعد الإسلام معنى آخر مجازي، وهو: أن يمدح الإنسان فيصدق فيه
حتَّى يصرف قلوب السَّامعين إليه، ويذمّه فيصدق فيه حتَّى يصرف قلوبهم أيضًا عنه.([13])
وهذه التّغيرات اللُّغويَّة
مسجَّلة في مصدري التَّشريع الإسلامي؛ وهما القرآن الكريم، وكذلك الأحاديث النَّبويَّة
الَّتي تعجُّ بكثير من التَّراكيب المستجدَّة الخاصَّة بالإسلام، مثل: أهل
الذّمَّة، يوم القيامة، أطولهنَّ يدًا، وغيرها
من التَّراكيب البديعة.([14])
المبحث الأوَّل
(علاقة الألفاظ الإسلاميَّة بالتَّغيّر الدِّلاليّ)
حدَّد الرَّازي
أقسام الرَّصيد اللُّغويّ للعربيَّة، فحصره إلى ألفاظ:([15])
1)
إمَّا قديمة موروثة بألفاظها ودلالاتها، وهذا يقابل ما
يسمِّيه المحدثون بـ(الشِّطر المستمر من الدِّلالات).([16])
2)
وإمَّا ألفاظ قديمة منحت دلالات جديدة بعد مجيء الإسلام؛
أي أنَّها أصابها التَّطوّر الدِّلاليُّ فَعُمِّم معناها أو خُصِّص أو نُقِل إلى
معنى آخر، وكانت من قبل مستعملة في دلالات أخرى.
3)
وإمَّا ألفاظ جديدة في صيغها ودلالاتها، وهي من البنية
الصَّرفيَّة العربيَّة نزل بها القرآن أو دلَّ عليها الرَّسول صلى الله عليه وسلم،
ولم تكن تعرفها العرب قبل ذلك.
4) وإمَّا ألفاظ أعجميَّة
اقترضتها العرب من لغات الأمم الأخرى وعربتها؛ أي أنَّها صاغتها على أبنيتها
وأنشأتها على أوزانها فأصبحت من نسيج العربيَّة ولم تعد تمتُّ إلى أصولها القديمة
بسبب.
5) ينجم عن استعمال
اللُّغة وتداولها، أنْ تضاف دلالات جديدة إلى ألفاظ قديمة نتيجة سوء الفهم مثلاً،
أو أنْ تبلى ألفاظ أخرى فيصيبها بعض التَّغيّر في الصُّورة يجعلها تشابه ألفاظًا
أخرى فتدخل معها في دلالتها، فتختلط الدِّلالتان (الاشتراك اللَّفظي).
يقول الرَّازي-
مبيّنًا أنواع الكلمات- إنَّ: “منها ما هي قديمة في كلام العرب، اشتقاقاتها
معروفة، ومنها أسام دل عليها النَّبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- في هذه الشَّريعة
ونزل بها القرآن، فصارت أصولاً في الدِّين وفروعًا في الشَّريعة لم تكن تعرف قبل
ذلك، وهي مشتقَّة من ألفاظ العرب، وأَسامٍ جاءت في القرآن لم تكن العرب تعرفها ولا
غيرهم من الأمم؛ مثل: تسنيم وسلسبيل وغسلين وسجين والرقيم وغير ذلك”.([17])
فكلمة (تسنيم)
جاءت في قولـه تعالى:([18])
(وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ)؛ قال أبو عبيدة (ت: 209هـ): “تسنيم عين
في الجنَّة”،([19])
وذكر المستشرق “نولدكه”: أنَّ هذا اللَّفظ لا يوجد لـه أصل في الشِّعر
الجاهلي، ولا في اللُّغات السَّاميَّة القديمة، وعَدَّه من الكلمات الَّتي نطق بها
القرآن الكريم.([20])
وكلمة (سلسبيل)
في قولـه تعالى:([21])
(عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا)؛ قال الزَّجاج (ت: 311) في تفسيرها:
“وسلسبيل اسم العين إلا أنَّه صرف لأنَّه رأس آية، وسلسبيل في اللُّغة صفة لما
كان في غاية السَّلاسة، فكأَنَّ العَين- والله أعلم- سمّيت بصفتها”.([22])
وذكر ابن منظور أنَّ: “السَّلسبيل السَّهل المدخل في الحلق، ويقال: شراب سلسل
وسلسال وسلسبيل. قال ابن الأعرابي: لم أسمع سلسبيل إلا في القرآن”.([23])
وكلمة (غِسلين)
وردت في قولـه تعالى:([24])
(وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)؛ قال
الزَّجاج: (الغسلين) ما يسيل من صديد أهل النَّار،([25])
وقيل معناها: (شديد الحرِّ) ولا يعرف أصلـه في العربيَّة ولا اللُّغات الأخرى
شقيقات العربيَّة.([26])
وكلمة (سجين) في
قولـه تعالى:([27])
(كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍۢ)؛ قال أبو عبيدة: (لفي
سجين) في حبس، فِعِّيل من السِّجن،([28])
وقال الزَّجاج: “المعنى كتابهم في حبس، جعل ذلك دلالة على خساسة منزلتهم،
وقيل: (في سجين) في حساب”،([29])
وقد نسب السُّيوطي إلى أبي حاتم الرَّازي أنَّه عدَّ هذا اللَّفظ من الألفاظ المعرَّبة،
وهذا وهم منه.([30])
ونلاحظ الحيرة
لدى علماء اللُّغة في تفسير هذا اللَّفظ، فما معنى حبس كتاب الفجَّار؟ وما علاقة
ذلك بخساسة المنزلة؟ والَّذي يبدو- والله أعلم- أنَّ هذا اللَّفظ من الألفاظ الَّتي
نطق بها القرآن، ولم تكن تعرفها العرب قبل ذلك. وقد ذكر (نولدكه): أنَّ هذا اللَّفظ
لا يوجد لـه أصل في اللُّغات السَّاميَّة القديمة.([31])
وكلمة (الرَّقيم)
جاءت في قوله تعالى:([32])
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)؛ قال بعض المفسِّرين: إنَّ (الرَّقيم)
اسم الوادي الَّذي كان فيه الكهف، وعن ابن عباس أنَّ (الرَّقيم) لوح كتبت فيه
أسماؤهم، وعن مجاهد بن جبر مثله،([33])
وهو فعيل بمعنى مفعول؛ أي رقيم بمعنى مرقوم: أي مكتوب.([34])
ويعرض الرَّازي
بعض الكلمات العربيَّة المتطوّرة دلاليًّا في حركة متَّصلة، ويمثّل لها بما يرتبط
بالاشتقاق، سواء منه القريب أو ما يأتي بأساليب أخرى، تغني فيها اللَّفظة
بالمشابهة وبطريقة استعمالها، فربَّما دعي الشَّيء باسم لا يُعْرَفُ اشتقاقه من أي
اسم هو، وربَّما دُعِيَ باسم “اشتقّ من معنى تقدّمه، قد فسَّر العلماء
اشتقاقه والمراد فيه، كقولك: (آدم)، قالوا: سمّي بذلك، لأنَّه أخذ من أديم الأرض،
و(الإنس)، قالوا: سمّي بذلك لظهورهم، ويقال: آنست الشَّيء. إذا أبصرته، و (الجنّ)،
قالوا: سُمَّي بذلك لاستخفائهم، يقال: “اجتنَّ إذا استخفى”.([35])
وقد عرف علماء
اللُّغة القدامى والمعاصرون أنَّ الحاجة أو الضَّرورة هي الَّتي تدعو أهل لغة ما إلى
اقتراض بعض الكلمات الَّتي لا توجد في لغتهم من لغات أخرى واستعمالها، فاللُّغات
يستعير بعضها من بعض، وهذا قانون عام في جميع اللُّغات، وهو أيضًا سبب من أسباب
تغيّر المعنى،([36])
يقول الأستاذ محمَّد المبارك: “ومن أسباب تبديل معاني الألفاظ تأثير اللُّغات
الأجنبيَّة، بإشراب الكلمة العربيَّة معنى الكلمة الأجنبيَّة المقابلة لها أو إعطائها
معناها، كاستعمال الأطباء اليوم كلمة (تدخُّل) بمعنى العملية الجراحيَّة،
واستعمالنا كلمة (الوسط) للبيئة والمحيط كذلك، و (التَّحليل) للشرح والتَّفسير، و(المدرسة)
بمعنى المذهب، و(الدّور) بمعنى النّوبة. فهي ترجمة حرفيَّة للألفاظ
الفرنسيَّة”.([37])
وقد تنبه الرَّازي
إلى هذا الوجه من أوجه تغيّر المعنى؛ فقال: “ومنها أسامٍ دلَّ عليها النَّبي-
صلَّى الله عليه وسلَّم- في هذه الشَّريعة ونزل بها القرآن، فصارت أصولاً في الدِّين
وفروعًا في الشَّريعة لم تكن تعرف قبل ذلك، وهي مشتقَّة من ألفاظ العرب؛([38])
فمن ذلك كلمة (الجهاد) وهو اللَّفظ الَّذي جاء به القرآن بدلاً من “الحرب
والغزو والإغارة”، فتغيّر الدَّال على الحرب لتغيّر مفهومها في الأذهان؛ يقول
أحد الباحثين المعاصرين: “والجهاد بهذه الصِّيغة لم تصادفني فيما قرأته وبحثت
فيه من دواوين الشِّعر الجاهلي”؛([39])
فهي استعمال إسلامي جديد.
ومن ذلك كلمة
(الفتح) الَّتي جاءت في المصطلح القرآني بمعنى انتشار الإسلام بعد تحقيق النَّصر
في ساحة المعركة، فهو نتيجة من نتائج النَّصر، وليس (الفتح) و (النصر) مترادفين
كما تذكر معاجم اللُّغة،([40])
ولم تكن العرب تعرف الفتح بهذا المعنى البتة.
المبحث الثَّاني
(هويَّة التَّغيّر اللُّغويّ الإسلامي)
إنَّ أسباب تغيّر
المعنى كثيرة ومتنوعة، قد تستعصي على الحصر، وقد ذكر بعض علماء الدِّلالة المعاصرين
أكثر من واحد وثلاثين سببًا لتغيّر المعنى، ثمَّ انتهى الأمر إلى القول:
“إنَّ عملية تغيّر المعنى مسألة صعبة ومعقَّدة، وبعضها فريد في نوعه، وعلى
الرَّغم من ذلك يمكن استنباط عدَّة أسباب مهمَّة لتغيّر المعاني، وهذه الأسباب
لغويَّة وتاريخيَّة ونفسيَّة، ومنها التَّأثير الأجنبي والحاجة إلى اسم جديد”.([41])
وثمَّة أسباب
وعوامل أخرى أحصاها المحدثون تؤدِّي إلى التَّغيّر اللُّغويّ؛ ومن أهمِّ تلك
الأسباب والعوامل:
1 – توظيف بعض
الكلمات في معان معينة:
إنَّ مدلول
الكلمة يتغيّر تبعًا للحالات الَّتي يكثر فيها استعمالها، فكثرة استعمال العام في
بعض ما يدلُّ عليه تجعلـه بمرور الأيَّام خاصًّا، ويقصر مدلولـه على الحالات الَّتي
شاع فيها استعماله، ومن ذلك جميع المفردات الَّتي كانت عند العرب في الجاهلية عامَّة
المدلول ثمَّ شاع استعمالها في الإسلام في معان خاصَّة تتعلَّق بشؤون الدِّين
وشعائره، كالصَّلاة والحجّ والصَّوم والمؤمن والكافر والمنافق والرُّكوع والسُّجود
… إلخ. وكثرة استعمال الخاصّ في معان عامَّة تزيل عنه خصوص معناه وتكسبه العموم.([42])
2 – إبهام
معنى الكلمة:
كلَّما كان
مدلول الكلمة واضحًا في الأذهان قلَّ تعرضه للتغيير، وكلما كان مبهمًا غامضًا كثر
تقلبه وضعفت مقاومته لعوامل الانحراف فعندما تكون الكلمة مرتبطة بفصيلة من الكلمات
معروفة الأصل فإنَّ ذلك يساعد على إيضاح مدلولها، أمَّا عندما لا تكون لها أسرة
معروفة الأصل متداولة الاستعمال فذلك يؤدِّي إلى غموض معناها وإبهامه؛([43])
لأنَّ “عُرى الأسرة المعنويَّة تمسك كلّ كلمة في معناها التَّقليدي. أمَّا
إذا تراخت عُرى الأسرة أو انفصمت لم يبق شيء لمنع المعنى من أنْ يضل الطَّريق”.
([44])
3 – التَّغيّر
الصَّوتيُّ:
وقد يكون التَّغيّر
الصَّوتي سببًا في تغيَّر المعنى أحيانًا، فثبات أصوات الكلمة يساعد على ثبات معناها،
وتغيّر أصواتها يساعد على تغيّر معناها، لأنَّ تغيّر صورة الكلمة الصَّوتيَّة يضعف
صلتها في الأذهان بأصلها وأسرتها، وهذا يجعل معناها عرضة للتغيّر والانحراف؛([45])
فتغيّر أصوات الكلمة قد يجعلها تصبح مماثلة لكلمة أخرى لها معنى آخر فيختلط المعنيان
وينجم عن ذلك معنى جديد، ومن ذلك كلمة (كماش) الفارسيَّة، وتعني: (نسيج من قطن
خشن) قد تغيّرت فيها الكاف فأصبحت قافًا، فشابهت الكلمة العربيَّة (قُماش) وتعني:
“ما كان على وجه الأرض من فُتات الأشياء، حتَّى يقال لرُذالة النَّاس قماش.
وقُماش البيت: متاعه” (([46])).
وأصبحت هذه الكلمة ذات دلالة جديدة على المنسوجات.([47])
4 – العبارة
الموجزة:
ومن العوامل الَّتي
تؤدِّي إلى تغيّر المعنى اختصار العبارة، وذلك عندما يستعاض بكلمة واحدة من عبارة،
لتؤدِّي المعنى الَّذي تؤدِّيه العبارة كاملة، وعندئذ تتغيّر دلالة هذه الكلمة بمرور
الأيَّام، وتصبح الصِّلة غير واضحة بينها وبين معناها الجديد، كقولهم: (فلان من
الذَّوات) أي: من الأغنياء، فكلمة (ذوات) بلا شكٍّ مختصرة من عبارة (ذوات الأملاك).([48])
5 – الاستعمال
المتداول:
ومن عوامل تغيّر
المعنى كثرة دوران الكلمة في الحديث، فإنَّنا “نلاحظ أنَّ معنى الكلمة يزيد تعرّضًا
للتغيّر كلَّما زاد استعمالها، وكثر ورودها في نصوص مختلفة؛ لأنَّ الذِّهن في
الواقع يُوَجَّهُ كلَّ مرَّة في اتِّجاهات جديدة، وذلك يوحي إليه بخلق معان جديدة،
ومن هنا ينتج ما يسمَّى (بالتَّأقلم) ونفهم من هذا الاسم، قدرة الكلمات على اتِّخاذ
دلالات متنوعة، تبعًا للاستعمالات المختلفة الَّتي تستعمل فيها، وعلى البقاء في
اللُّغة مع هذه الدِّلالات.([49])
6 – انحدار معنى
الكلمة:
ومن عوامل تغيّر
المعنى كذلك: عامل: (الابتذال أو الانحطاط) الَّذي يصيب الألفاظ في كلِّ لغة،
لظروف سياسيَّة أو اجتماعيَّة أو عاطفيَّة؛([50])
فكلمة (الحاجب) كانت تعني في الدَّولة الأندلسيَّة: (رئيس الوزراء) ثمَّ انحدرت في
وقتنا الحاضر إلى معنى (البواب)، وكلمة (الوزير) العربيَّة أصبحت تعني في الإسبانيَّة
(الشُّرطيّ)،([51])
وهذا العامل هو في حدِّ ذاته أحد مظاهر تغيّر المعنى.
المبحث الثَّالث
(أسباب التَّغيّر اللُّغويّ)
إنَّ من ilأهم أهمأهمِّ جوانب التَّطور اللُّغويّ هو تغيّر المعنى، والمعنى
هو علاقة متبادلة بين اللَّفظ والمدلول، ويقع التَّغيّر في المعنى كلَّما وجد تغيّر
في هذه العلاقة،([52])
ويظهر هذا التَّغيّر في صورتين: الأولى: عندما يضاف مدلول جديد إلى كلمة قديمة، والأخرى:
عندما تضاف كلمة جديدة إلى مدلول قديم.([53])
والعوامل الَّتي
تؤدِّي إلى هذا التَّغيّر كثيرة ومختلفة؛ فمنها عوامل مقصودة متعمدة، كقيام
المجامع اللُّغويّة والهيئات العلميَّة بوضع مصطلحات جديدة، أو إضفاء دلالات جديدة
على ألفاظ قديمة لمجاراة التَّطوّر في مجالات الحياة المختلفة،([54])
وهذه العوامل تأثيرها محدود في اللُّغات، وهي لا تنال اهتمام الدَّارسين.
أمَّا العوامل
الأخرى غير المقصودة الَّتي تتمُّ بلا تعمد أو قصد فهي الَّتي حظيت بالاهتمام والدِّراسة،
وقد استطاع الدَّارسون المحدثون من خلال استقراء اللُّغات الإنسانيَّة وتاريخها
والأطوار المختلفة الَّتي مرَّت بها أنْ يحددوا عددًا من الأسباب والعوامل الَّتي
تؤدِّي إلى تغيّر المعنى في كلِّ اللُّغات الإنسانيَّة؛ لأنَّ لغات البشر على
اختلافها تخضع لقوانين عامَّة في التَّغير والتَّطور؛([55])
كالحاجة إلى كلمة جديدة تعبّر عن معنى جديد، والتَّطور الاجتماعي والثَّقافي
للمجتمعات الإنسانيَّة، والتَّطور الَّذي يحدث في اللُّغة نفسها من ناحية الصِّيغ
والتَّراكيب والأساليب.
إنَّ من أهمِّ
العوامل الَّتي تؤدِّي إلى تغيّر المعنى الحاجة إلى كلمة جديدة تعبِّر عن معنى جديد
لم يكن معروفًا من قبل، فالمتكلِّمون بلغة من اللُّغات عندما يستجد لديهم معنى
جديد لم يكن معروفًا من قبل، يحاولون تعيين دالٍّ لـه من ذخيرتهم اللَّفظيَّة
القديمة، وهنا تتغيّر العلاقة بين هذا اللَّفظ ودلالته القديمة؛ لأنَّه أصبح يدلُّ
على شيء آخر، قد تكون لـه علاقة بالمعنى القديم، مثل: المشابهة أو المجاورة،([56])
أو غير ذلك، وقد لا تكون ثمَّة علاقة بين المعنيين، يقول الدّكتور/ إبراهيم أنيس:
“وينحرف النَّاس عادة باللَّفظ من مجالـه المألوف إلى آخر غير مألوف حين
تعوزهم الحاجة في التَّعبير، وتتزاحم المعاني في أذهانهم أو التَّجارب في حياتهم، ثمَّ
لا يسعفهم ما ادَّخروه من ألفاظ، وما تعلَّموه من كلمات، فهنا قد يلجئون إلى تلك
الذَّخيرة اللَّفظيَّة المألوفة، مستعينين بها على التَّعبير عن تجاربهم الجديدة لأدنى
ملابسة أو مشابهة أو علاقة بين القديم والجديد”.([57])
وقد حفل القرآن
الكريم بمثل هذه الكنايات الَّتي لا تدلُّ دلالة مباشرة على المعنى المقصود؛ فمن
ذلك كلمة: (الغائط) الَّتي تعني في اللُّغة: المكان المنخفض، أو الوادي،([58])
وقد جاءت في القرآن الكريم كناية عن قضاء الحاجة، نقل الزَّبيدي (ت: 1205) أنَّ
الغائط: “كناية عن العَذِرَة نفسها؛ لأنَّهم كانوا إذا أرادوا ذلك أتوا
الغائط وقضوا الحاجة، فقيل لكلِّ من قضى حاجته: قد أتى الغائط، يكنى به عن العذرة.
وفي التَّنزيل العزيز:([59])
(أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ)، وكان الرَّجل إذا أراد التَّبرز ارتاد غائطًا
من الأرض يغيب فيه عن أعين النَّاس، ثمَّ قيل للبراز نفسه ـ وهو الحدث ـ غائط،
كناية عنه إذ كان سببًا له”.([60])
وبسبب كثرة
استعمال هذه اللَّفظة في ذلك المعنى أصبحت صريحة فيه، فعدل عنها النَّاس؛ لذلك لا
نجد اليوم من يستعملها حتَّى في لغة الكتابة، واستعاض الناس عنها بألفاظ أخرى فيها
شيء من التَّعمية والغموض، تتماشى مع التَّطور الحضاري للمجتمعات، من مثل: “قضاء
الحاجة، الذَّهاب إلى الحمَّام” وغير ذلك.
ومن أسباب تغيّر
المعنى الَّتي تأتي من داخل اللُّغة نفسها: التَّبدل النَّاشئ من كثرة استعمال لفظ
في موضع معين وبجوار ألفاظ معينة(([61])).
فكلمة (اتَّقى) تعني في الأصل: وقى نفسه ثمَّ استعملت كلمة (التَّقوى) بمعنى أعمّ
من المعنى الأصلي فأصبحت تفيد العمل الصَّالح، وأصبحت كلمات: “التقي والمتقي”
تدلُّ على الرَّجل الصَّالح، ذكر ابن منظور (630-711ـ)(1232-1311) أنَّ العرب تقول:
“رجل تقي، ويجمع على أتقياء، معناه أنه مُوقٍ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل
الصَّالح، وأصلـه من وقيت نفسي أقيها”،([62])
ولفظ “الاحتيال” لم يكن يحمل أيَّة دلالة سيّئة، فقد قيل إنَّه مأخوذ من
الحركة لأنَّ العرب تقول: “حال الشَّخص يحول إذا تحرك”،([63])
ثمَّ أصبح بمعنى: “الحذق وجودة النظر والقدرة على دقَّة التَّصرّف”؛([64])
ولكثرة استعمال هذا اللَّفظ في العبارات الَّتي تتحدَّث عن تحصيل الرَّزق من بيع
أو شراءٍ أو عملٍ، فيقال: “احتال لطعامه ولعيشه”؛ ونتيجة لما يصاحب ذلك
أحيانًا من غشٍ وغبن، وغير ذلك من الأمور الذَّميمة، حملت هذه اللَّفظة مع تقادم
الأيَّام ظلالاً من هذه المعاني، فأصبحت كلمات: “الحيلة والاحتيال والمحتال”
تفيد الذَّم القبيح.
ومن الألفاظ الَّتي
انحرفت عن دلالتها بسبب مجاورتها لألفاظ معينة واستعمالها في سياق معين من الكلام
كلمة (الفشل)، وأصل معناها: “الفزع والجبن والضَّعف”.([65])
واستعملت بهذا
المعنى في القرآن الكريم في قولـه تعالى:([66])
(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)؛ قال ابن جرير الطَّبري (ت:
310) في تفسير الآية إنَّ معناها: (فتضعفوا وتجبنوا) (([67])).
غير أن كثرة استشهاد النَّاس بهذه الآية، في مواطن التَّنازع المؤدِّي إلى الهزيمة
والإخفاق، جعلهم يظنون أنَّ معنى الفشل هو الإخفاق والانكسار، فنجدهم يقولون: فلان
فشل في الدِّراسة، وفشل في الاختبار، وفشل الرِّياضي في تحقيق رقم جديد؛ كلُّها
بمعنى: أخفق، وهو قياس خاطئ.
وقد يرجع تغيّر
المعنى إلى أسباب نفسيَّة خالصة، كالبواعث الإبداعيَّة، والمجازات الفنيَّة لغرض
الاتِّساع والافتنان في التَّعبير، وهو ما يبرع فيه الأدباء والشعراء وأرباب
البلاغة: “ذلك أنَّ الفكرة الَّتي يطالع بها المبدع قارئه، أو الانفعال الَّذي
تتكوَّن منه قصيدة، يحتاجان إلى هيئة فنيَّة خاصَّة، تُنْحَت من المادة اللُّغويّة
ذاتها، بإيقاعها وموسيقاها وبحيويَّة فاعلة تجعل اللُّغة تتَّسع لتجربة فيها الصُّورة
المجازيَّة والاستعاريَّة، وههنا يمسك الباحث الدِّلالي طرف المسألة ليدرس لغة الشَّاعر
المجازيَّة وهي أعلى مرتبة لاستخراج قدرات البناء اللُّغويّ، من تغيير المعنى ونقله،
أو تحريكه في اتِّجاهات يتَّسع في بعض منها، ويضيق في بعض آخر”.([68])
وقد وجد علماء
اللُّغة المعاصرون في المجاز المرسل- وخاصَّة ذا العلاقة الكليَّة والجزئيَّة- وفي
الاستعارة نماذج أساسيَّة لتغيّر الدِّلالات وتطورها ونقلها من مجالٍ إلى آخر؛([69])
فالمجاز المرسل ذو العلاقة الكليَّة يؤدِّي إلى تخصيص الدِّلالة وذلك عندما يستعمل
لفظ الكلِّ في الجزء، ومنه قولـه تعالى:([70])
(يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم)، والمجاز المرسل ذو العلاقة الجزئيَّة يؤدِّي
إلى تعميم الدِّلالة وتوسيعها عندما يستعمل لفظ الجزء في الكلِّ، ومنه قولـه تعالى:([71])
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)؛ والمراد العبد المؤمن، فالاستعمال المجازي
لكثير من الكلمات: “يعطينا علاقات جديدة، تتجاوز الدِّلالة المباشرة فإنَّ
الكلمة تتغيّر قيمتها الدِّلاليَّة عندما تستخدم بصورة مجازيَّة وتتحوَّل من مجال إلى
مجال، فتكتسب في موقعها الجديد درجة أعلى من الوضوح لأنَّها تسترعي الانتباه في
سياقها الجديد”،([72])
كما وجد الباحثون المعاصرون أنَّ التَّشابه بين الأشياء قد يوحي باستعمال مصطلحات
جديدة معبّرة، تتضمن فكرة التَّشابه والمماثلة.([73])
المبحث الرَّابع
(مظاهر التَّغيّر اللُّغويّ)
من خلال استقراء
التَّغيّرات الَّتي تطرأ على معاني الكلمات في اللُّغات المختلفة، استطاع علماء
اللُّغة المعاصرون أنْ يحصروا تغيّر المعنى في مظاهر رئيسة تصدق على اللُّغات
جميعًا، وبحسب تقسيم منطقي اتَّبعوه وجدوا أنَّ المعنى القديم للكلمة: “إمَّا
أنْ يكون أوسع من المعنى الجديد، أو أضيق منه، أو مساويًا له، ولم تكن هناك إمكانية
رابعة يدخلونها في حسبانهم”؛([74])
وبذلك نجد أنَّ أهمَّ مظاهر التَّغيّر الدِّلاليِّ الَّتي تصيب الألفاظ ثلاثة، هي:
تخصيص دلالة الكلمة، أو تعميم دلالتها، أو تغيير مجال استعمالها؛ يقول اللُّغويّ “ج.
فندريس”: “ترجع أحيانًا التَّغيّرات المختلفة الَّتي تصيب الكلمات من حيث
المعنى إلى ثلاثة أنواع: التَّضييق والاتِّساع والانتقال، فهناك تضييق عند الخروج
من معنى عام إلى معنى خاصٍّ، وهناك اتِّساع في الحالة العكسيَّة أي عند الخروج من
معنى خاصٍّ إلى معنى عام، وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا
يختلفان من جهة العموم والخصوص”.([75])
أوَّلاً: تضييق
المعنى (تخصيص الدِّلالة)
ويسمَّى أيضًا
تخصيص العام؛([76])
وهو أنْ تقصر دلالة اللَّفظ العام على بعض ما كانت تدلُّ عليه، بحيث يصبح مدلول
الكلمة مقصورًا على أشياء أقلّ عددًا ممَّا كانت عليه الكلمة في الأصل؛ وقد تنبه
اللُّغويّون العرب القدامى إلى ظاهرة تخصيص الدِّلالة في العربيَّة وعرفوا علّتها
كذلك، فقد كان اللُّغويّون الأوائل واعين لهذا الجانب من جوانب التَّغيّر
اللُّغويّ عارفين عللـه ومظاهره؛ فمنهم السُّيوطيُّ الَّذي تحدَّث- أيضًا- عن هذا
المظهر من مظاهر تغيّر المعنى أي (تخصيص الدِّلالة) ضمن باب في كتابه (المزهر)
سمَّاه: (معرفة العام والخاصِّ) ذكر فيه اللَّفظ (العام المخصوص) وهو عنده اللَّفظ
الَّذي: “وضع في الأصل عامًّا، ثمَّ خصّ في الاستعمال ببعض أفراده، وقد ذكر
ابن دريد (ت: 321) أنَّ (الحجَّ) أصله: قصدك الشَّيء وتجريدك لـه، ثمَّ خُصَّ بقصد
البيت،([77])
فإنْ كان هذا التَّخصيص من اللُّغة صلح أنْ يكون مثالاً فيه، وإنْ كان من الشَّرع
لم يصلح؛ لأنَّ الكلام فيما خصَّته اللُّغة لا الشَّرع.
وكلمة “الإسلام” تعني: الانقياد
التَّامّ لأمر الآمر ونهيِه بلا اعتراض، وقيل: هو الإذعان والانقياد
وترْك التمرُّد والإباء والعناد،([78]) وتخصَّصَ هذا المعْنى وترقَّى
بعد سطوع نور الإسلام، فقد تغيَّرَ دلاليًّا
بطريقة التَّخصيص والرّقيّ إلى: الدّين الَّذي جاء به محمَّد- صلَّى الله عليْه
وسلَّم- والشَّريعة الَّتي ختم الله تعالى بها الرّسالات السماويَّة،
والإسلام هو التَّسليم للخالق والخضوع له، وتسْليم العقل والقلب لعظمة
الله وكماله، ثمَّ الانقياد له بالطَّاعة وتوْحيده بالعبادة، والبراءة من
الشِّرك به سبحانه.([79])
وكلمة “الصَّوم” تعني: الصَّوْمُ: تَرْكُ الطَّعامِ والشَّرابِ
والنِّكاحِ والكلامِ، ثمَّ خُصِّص معناها وترقَّى إلى: الإمساك نهارًا عن المفطرات
بنيَّة من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس، من شخصٍ معيَّن أهل له؛ وهو
المسلم العاقل غير الحائضِ والنَّفساء، بنيَّة الصِّيام.([80])
ومن حالات التَّخصيص
الدِّلاليِّ إطلاق الاسم العام على طائفة خاصَّة تمثِّل نوعها خير تمثيل في نظر
المتكلِّم؛ لأنَّ الإنسان إذا وثق من أن مُحدَّثه قادر على فهمه أعفى نفسه من
استعمال اللَّفظ الدَّقيق المحدَّد واكتفى بالتَّقريب العام؛ ([81])
فكلمة “الهرج” تطلق على الاختلاط والسُّرعة،
هَرَج الفرسُ في مشيه؛ أي: أسرع، هرَّج: خلط، والتَّهريج: الفِعْل المضحك؛ لأنَّ
فيه تخليطًا يُضْحك، ومِن ثمَّ خُصِّصَ هذا الخلط بالفِتْنة الَّتي تختلط فيها
أحوال النَّاس وتفسد،([82]) ممَّا يصعب
على المسلم التمسُّك بدينه.
وفي لهجات
الخطاب المعاصرة تخصَّصت كلمة (الطَّهارة) وأصبحت تعني (الختان)(([83])).
وتخصصت كلمة (الحريم) فبعد أنْ كانت تعني: “الَّذي حرم مسّه فلا يدنى
منه”،([84])
أصبحت تعني النِّساء خاصَّة. وكلمة (حرامي) هي في الأصل نسبة إلى الحرام، ثمَّ تخصَّصت
دلالتها واستعملت بمعنى (اللِّص) في القرن السَّابع الهجري.([85])
ومن التَّخصيص
كلمة (الصَّحابة) وهي تعني الصُّحبة مطلقًا، وقد خصّصت بأصحاب رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم، و(التَّوبة) ومعناها في اللُّغة الرُّجوع، وخصّت بالرُّجوع عن
الذَّنب.([86])
وكلمة (الفاكهة) كانت تعني (الثمَّار كلّها) ثمَّ خصّص هذا المعنى وأصبحت تدلُّ
على أنواع معينة من الثمَّار.([87])
ثانيًا: توسيع
المعنى (تعميم الدِّلالة)
ويحصل عند
الانتقال من معنى خاص إلى معنى عــــــام،([88])
ومثلما يصيب التَّخصيص دلالة بعض الألفاظ فقط يصيب التَّعميم دلالة بعضها الآخر،([89])
فنجد أنَّ معنى الكلمة يصبح ممكن التَّطبيق على مدى أوسع وأشمل،([90])
ويصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السَّابق.([91])
وينحصر تعميم الدِّلالة في “إطلاق اسم نوع خاص من أنواع الجنس على الجنس كلِّه،
وهذه حال الأطفال الَّذين يسمّون جميع الأنهار باسم النَّهر الَّذي يروي البلدة الَّتي
يعيشون فيها.([92])
وكثيراً ما نلحظ
الأطفال يطلقون اسم الشَّيء على ما يشبهه لأدنى ملابسة أو مماثلة؛ فقد يطلقون لفظ
(الأبّ) على كلِّ رجل، وكذلك النَّاس في حياتهم العادية يكتفون بأقلِّ قدر ممكن من
دقَّة الدِّلالات وتحديدها، ويكتفون بالقدر الَّذي يحقق هدفهم من الكلام والتَّخاطب،
وهم لذلك قد ينتقلون بالدّلالة الخاصَّة إلى الدّلالة العامَّة التماسًا لأيسر السُّبل
في خطابهم.([93])
ومن أمثلة التَّعميم،
أنَّ النَّاس في خطابهم اليوم يطلقون اسم (الورد) على كلّ زهر، و (البحر) على النَّهر
والبحر.([94])
وكلمة (البأس) الَّتي كان معناها الشِّدَّة في الحرب خاصَّة، عُمّمَت دلالتها حتَّى
أطلقت على كلّ شدَّة.
وقد عقد ابن
دريد في معجمه “جمهرة اللُّغة” بابًا لهذا الضَّرب من ضروب التَّطور الدِّلالي
سمَّاه (باب الاستعارات)،([95])
وكذلك تناول ابن فارس في كتابه “الصَّاحبي” ظاهرة تعميم الدِّلالة وأفرد
لها بابًا بعنوان: (القول في أصول أسماءٍ قِيسَ عليها وأُلحِقَ بها غيرها).([96])
والَّذي نلاحظه
من خلال أمثلة تعميم الدِّلالة هذه أنَّ ثمَّة علاقة معينة بين المعنى القديم
والمعنى الجديد للكلمة، أحيانًا تكون هذه العلاقة: علاقة مشابهة أو علاقة مجاورة
أو بعض علاقات المجاز المرسل، ومن هذا التَّعميم النَّاتج عن التَّشبيه تحويل بعض
الأعلام المشهورة إلى صفات فيقال: (حاتم) للكريم المضياف، و(عرقوب) لمن عرف بإخلاف
الوعود..إلخ. ويرى بعض الباحثين أنَّ تعميم الدِّلالات أقلُّ شيوعًا في اللُّغات
من تخصيصها، وأقلُّ أثرًا في تطوّر الدِّلالات وتغيرها.([97])
ويفسِّر علم اللُّغة
الحديث ظاهرة التَّعميم هذه بأنَّها ناتجة عن إسقاط بعض الملامح التَّمييزية للفظ،([98])
والَّذي يبدو أنَّ التَّشبيه والمجاز المرسل بعلاقاته المعروفة، سببان رئيسان كذلك
في نشوء ظاهرة التَّعميم الدِّلاليِّ؛ لأنَّ العلاقة بين دلالَّتي اللفظ ـ قبل التَّعميم
وبعده ـ غالباً ما تكون علاقة مشابهة، أو إحدى علاقات المجاز المرسل.
ثالثًا: انتقال
المعنى
وهو أنْ ينتقل اللَّفظ
من مجال استعمالـه المعروف فيه، إلى مجال آخر، ويشمل هذا المظهر نوعين من تطوّر
الدِّلالة: الأوَّل: ما كان انتقال الدِّلالة فيه لعلاقة المشابهة، وهو ما يعرف
بـ(الاستعارة)، والآخر: ما كان انتقال الدِّلالة فيه لغير علاقة المشابهة، وهو ما
يعرف بـ(المجاز المرسل).
النَّوع الأوَّل:
انتقال مجال الدِّلالة لعلاقة المشابهة:
وذلك
يكون في الاستعارة، الَّتي هي عبارة عن تشبيه حذف منه أحد طرفيه وأداة التَّشبيه؛([99])
وطرفا التَّشبيه هما المشّبه والُمَشبّه به. يقول (ستيفن أولمان): “إنَّنا
حين نتحدّث عن (عين الإبرة) نكون قد استعملنا اللَّفظ الدَّال على عين الإنسان
استعمالاً مجازيًّا، أمَّا الَّذي سوّغ لنا ذلك فهو شدَّة التَّشابه بين هذا العضو
والثّقب الَّذي ينفذ الخيط من خلاله”.([100])
ويتجلَّى هذا
المظهر في كثير من الكلمات الَّتي انتقلت من معناها إلى معنى آخر يشبهه، وأجزاء
جسم الإنسان تعدُّ مصدرًا ثريًّا للاستعارات، وكثيرًا ما تنقل إلى مجالات أخرى
لعلاقة المشابهة، من مثل قولنا: أسنان المشط، وسنّ القلم، وعين الحقيقة، وعين الصَّواب،
وعنق الزُّجاجة، ورأس الشَّارع، وصلب الموضوع، وقلب المعركة، وصدر الصَّحيفة، وصدر
المجلس، وظهر الأرض، ورجل الكرسي، ورجل الطَّاولة، وكبد الحقيقة، ويد
الإبريق..إلخ. ومن جسم الحيوان: ذيل الفستان، وذيل الصفحة، وجناح الطَّائرة.. إلخ.
ومن النَّبات: شجرة النّسب، فرع العائلة، جذور القضية، ثمَّرة البحث..إلخ.
وذكر “أولمان”
نوعًا آخر من الاستعارة يعتمد على التَّشابه في الشُّعور نحو جانبي الاستعارة، وفي
نوع الإحساس بها، أكثر من اعتماده على التَّشابه في الصِّفات؛ ومن الأمثلة على ذلك
قولهم: تحية عاطرة، واستقبال بارد، ولون دافئ، وصوت حلو، يقول: “فهنا يوجد
الإحساس بأنَّ هناك تشابهًا بين الدِّفء ولون معين من الألوان، وتشابهًا بين المذاق
الحلو والصِّفات الجميلة للصوت”.([101])
ومن الاستعارات
الشَّائعة استخدام الكلمات ذات المعاني الماديَّة المحسوسة للدلالة على المعاني
المجرَّدة، كما في قولهم: جَسَّمَ المشكلة، وعَقَّدَ المسألة، ورَكَّزَ الفكرة.([102])
والاستعارة
أسلوب مهمٌّ من أساليب العرب في الكلام، وقد حفل القرآن الكريم وكلام العرب- شعرًا
ونثرًا- بالاستعارة وبغيرها من ألوان المجاز، وعلى وفق أساليبهم تلك نزل القرآن
الكريم؛ وفي ذلك يقول ابن قتيبة (ت: 276): “وللعرب المجازات في الكلام،
ومعناها: طرق القول ومآخذه، ففيها: الاستعارة والتَّمثيل والقلب، والتَّقديم والتَّأخير..
وبكلِّ هذه المذاهب نزل القرآن”.([103])
النَّوع الآخر:
انتقال مجال الدِّلالة لغير علاقة المشابهة بين المدلولين:
وهو (المجاز
المرسل)؛ وقد سمّي هذا المجاز مرسلاً لإطلاقه من قيد المشابهة؛([104])فمن
ذلك كلمة (bureau: مكتب) الَّتي سبقت الإشارة إليها وكيف تطوّرت دلالتها من قطعة
القماش لتدلَّ على المصلحة الحكوميَّة، أو المكان الَّذي تدار منه الأعمال،([105])
فهنا لا توجد علاقة مشابهة بين المدلولين، ولكن بينهما علاقة من نوع آخر هي
العلاقة المكانيَّة فالمكتب أو الطَّاولة يوضع عادة في الأماكن الَّتي تدار منها الأعمال،
فالفكرتان مرتبطتان مع بعضهما في ذهن المتكلِّم، أو هما تنتميان إلى مجالٍ عقلي
واحد.([106])
ويرى (ج.
فندريس) أنَّ انتقال الدِّلالة من مجال إلى مجال آخر يكون عندما يتعادل المعنيان
القديم والجديد للكلمة الواحدة، كما يرى أنَّ تعميم المعنى أو تخصيصه إنَّما ينشأ
من الانتقال غالبًا، فيقول: “وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا
لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما في حالة انتقال الكلمة من المحلِّ إلى
الحال أو من السَّبب إلى المسبب، أو من العلامة الدَّالة إلى الشَّيء المدلول عليه
إلخ، أو العكس، ولسنا في حاجة إلى القول بأنَّ الاتِّساع والتَّضييق ينشآن من الانتقال
في أغلب الأحيان، وأنَّ انتقال المعنى يتضمن طرائق شتَّى يطلق عليها النُّحاة
أسماء اصطلاحيَّة: الاستعارة، إطلاق بعض على الكلِّ، أو المجاز المرسل بوجه عامٍّ،
أو المجاز المرسل بعلاقة الشَّبه أو غيره عند عدم وجود اسم للشيء المنقول
إليه”.([107])
فالفرق بين مظهر
الانتقال ومظهري التَّعميم والتَّخصيص هو أنَّ المعنى في هذين المظهرين أوسع أو
أضيق من المعنى القديم، أمَّا في مظهر الانتقال فالمعنيان القديم والجديد
متساويان، ومعنى هذا أنَّ كلَّ أنواع المجاز الَّتي يتساوى فيها الطَّرفان (
المنقول منه والمنقول له) تندرج ضمن هذا النَّوع المسمَّى بنقل الدِّلالة، أو
تغيير مجال الاستعمال، وقد ذهب بعض الباحثين المحدثين إلى أنَّ الفرق بين مظهر
الانتقال والمظهرين الآخرين من مظاهر التَّطوّر الدِّلاليِّ يتمثَّل في أنَّ هذين المظهرين
يتّمان عادة بصورة غير شعوريَّة،
أمَّا هذا المظهر
أي (الانتقال) فإنَّه يتمُّ بصورة قصدية لغرض أدبي غالبًا.([108])
والحقيقة أنَّ نقل المعنى كثيرًا ما يتمُّ لغير داعٍ إبداعي أو أدبي كالحاجة
مثلاً، فقد ينقل المتكلِّمون اللَّفظ من مجالـه المألوف إلى مجال آخر غير مألوف؛
“حين تعوزهم الحاجة في التَّعبير، وتتزاحم المعاني في أذهانهم أو التَّجارب
في حياتهم، ثمَّ لا يسعفهم ما ادخروه من ألفاظ، وما تعلَّموه من كلمات، فهنا قد
يلجئون إلى تلك الذَّخيرة اللَّفظيَّة المألوفة، مستعينين بها على التَّعبير عن
تجاربهم الجديدة لأدنى ملابسة أو مشابهة أو علاقة بين القديم والجديد”.([109])
ويلحظ علم اللُّغة
الحديث أن ظاهرة انتقال الدِّلالة تبرهن على وجود بعض الفصائل المعنويَّة من
المفردات الَّتي تختلط فيها بسهولة النَّسب الكامنة بين الأجناس والأنواع، وأنَّ انتقال
المعنى يكثر بسبب التَّجاور بين المعاني، ويفسِّر هذه الظاهرة بأنَّ كلَّ كلمة من
كلمات الفصيلة المعنويَّة لها مضمون خاصّ وتدلُّ على شيء خاصٍّ” ولكنَّها
أمام العقل تشترك جميعًا في انتسابها إلى مجموعة عامَّة، ولمَّا كانت فكرة العموم
تطغى على المعاني الخاصَّة، فقد يحدث للعقل أنْ ينتقل من أحد المعاني إلى الآخر،
وهذه الظَّاهرة تقع بصورة خاصَّة في أسماء النبات والحيوان وأسماء أجزاء الجسم
والأمراض والألوان”.([110])
وقد اهتمَّ اللُّغويون
الأوائل كثيرًا بمظهر انتقال الدِّلالة، وأولوه عناية خاصَّة، وأفاضوا في الحديث عنه
عند دراستهم للحقيقة والمجاز، وفي ذلك يقول ابن جنِّي (ت: 392ـ): “الحقيقة:
ما أقرَّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللُّغة، والمجاز: ما كان بضدِّ ذلك، وإنَّما
يقع المجاز، ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة، وهي: الاتِّساع، والتَّوكيد، والتَّشبيه”؛([111])
فالاتِّساع في التَّعبير غاية من غايات النَّقل الدِّلاليِّ.
وقد قسَّم علماء
اللُّغة الأوائل المجاز المرسل بحسب علاقاته أقسامًا كثيرة، فمنهم من جعلـه تسعة
أقسام، ومنهم من جعلـه أربعة عشر قسمًا،([112])
وقد ذكر السُّيوطي من أقسام هذا المجاز عشرين قسمًا.([113])
وللمجاز أثر
كبير في التَّسمية وإطلاق الألفاظ على مسمَّياتها،([114])
يقول ابن قتيبة: “فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة، إذا كان المسمَّى
بها بسبب من الأخرى، أو مجاوراً لها، أو مشاكلاً، فيقولون للنبات: نوء، لأنَّه
يكون عن النّوء عندهم.. ويقولون للمطر: سماء، لأنَّه من السَّماء ينزل”؛([115])
فهو يشير إلى المجاز المرسل وبعض علاقاته، ومنها: السَّببيَّة، والمجاورة، والمحليَّة.
ومن مظاهر التَّطوّر
الدِّلاليِّ الَّتي تتَّصل بهذا المظهر- أي انتقال الدِّلالة- هو انتقال الدِّلالة
من الدِّلالة الحسيَّة إلى الدِّلالة المجرَّدة والعكس؛ أي انتقالها من المجرَّد
إلى الحسِّيّ.
1 – الانتقال من
الدِّلالة الحسيَّة إلى الدِّلالة المجرّدة:
يكاد يتَّفق
الباحثون في نشأة الدِّلالة على أنَّها بدأت بالمحسوسات ثمَّ تطورت إلى الدِّلالات
المجرَّدة بحكم تطوَّر العقل الإنسانيّ ورقيه، فكلَّما ارتقى التَّفكير العقلي عند
الإنسان جنح إلى استخراج الدِّلالات المجرَّدة وتوليدها والاعتماد عليها في
الاستعمال.([116])
وهذه الظَّاهرة في نقل الدِّلالة تعدُّ من المجاز أيضًا، ولكنها ليست من ذلك
المجاز الفني أو البلاغي الَّذي يستعملـه الأدباء؛ لأنَّ هذا الضَّرب من المجاز لا
يثير دهشة أو غرابة في ذهن السَّامع، إذ “ليس المراد منه إثارة العاطفة أو
انفعال النَّفس، بل هدفه الأساسي الاستعانة على التَّعبير عن العقليات والمعاني
المجرَّدة، فهو لهذا يعدُّ مرحلة تاريخيَّة متميّزة لتطوّر الدِّلالة عند
الأمم”.([117])
وانتقال الدِّلالة
من المجال المحسوس إلى المجال المجرّد يتمُّ عادة بالتَّدريج، وقد تظلُّ الدِّلالتان
سائدتين معًا زمنًا ما، وقد تستعمل الدِّلالة الحسيَّة للفظ فلا تثير دهشة أو
غرابة، وقد تستعمل الدِّلالة المعنويَّة، للفظ ذاته فلا يدهش لها أحد.([118])
وبعد مجيء الإسلام تحوّلت دلالات ألفاظ كثيرة كانت تحمل معاني محسوسة ثمَّ تطورت لتعبّر
عن معان مجرَّدة فمن ذلك كلمات: (غفر، زكا، طبع، نبط، نافق)؛ فكلمة (غفر) أصل
معناها السّتر والتَّغطية، وهو معني حسي، ثمَّ تطورت دلالتها في الإسلام إلى معنى
الصَّفح والتَّجاوز عن الذُّنوب، وهو أمر معنوي: قال أبو حاتم الرَّازي في معنى
(الغفور): “والمغفرة السَّتر، كأنَّه يستر ذنوب العباد إذا رضي عنهم، فلا
يكشفها للخلائق؛ وأصلـه من غفرت الشَّيء إذا غطيته”.([119])
وكلمة (زكا) أصل
معناها: النُّمو والزِّيادة، ثمَّ استعملت في الإسلام، بمعنى تطهير النَّفس، قال
أبو حاتم الرَّازي: “ومن الأسماء ما يجر معنيين، كقولك: الزَّكاة، قالوا: هو
من النُّمو والزِّيادة يقال: زكا الزَّرع إذا نما وطال وزاد، ويكون من الطَّهارة،
قال تعالى:([120])
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)؛ أي طهرها”.([121])
وكلمة (طبع) قال
الرَّاغب الأصفهاني في معناها: “الطَّبع: أنْ تصوّر الشَّيء بصورة ما كطبع
السّكة وطبع الدَّراهم، وبه اعتبر الطَّبع والطَّبيعة الَّتي هي السَّجيَّة، فإنَّ
ذلك هو نقش النَّفس بصورة ما، إمَّا من حيث الخلقة، وإمَّا من حيث العادة، وهو
فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب؛ ولهذا قيل: وتأبى الطِّباع على النَّاقل”،([122])
وقال الزَّمخشريُّ: “طَبِعَ السَّيفُ ركبه الصَّدأ الكثير، ومن المجاز
طبع الله على قلب الكافر”،([123])
وقال ابن منظور: “الطَّبع- بالسُّكون- الختم، وبالتِّحريك: الدَّنس، وأصلـه
من الوسخ والدَّنس يغشيان السّيف، ثمَّ (استعير) فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام
وغيرهما من المقابح”.([124])
ونلحظ استخدام
مصطلح (استعير) مع (يشبه) وهي إشارة إلى أنَّ نقل الدِّلالة في هذا اللَّفظ اعتمد
على المشابهة، فكلمة (طبع) كانت تدلُّ على معان حسيَّة كالنَّقش والتَّصوير والصَّدأ،
ثمَّ تطوّرت دلالتها فأصبحت تدلُّ على معان مجرَّدة كالخليقة والختم على قلب
الكافر.
وكلمة (نبط) كانت
تعني استخراج الماء من البئر،([125])
وهذا هو المعنى الحسي لها، ثمَّ تطوّرت دلالتها إلى معان مجرّدة مثل استنباط
الآراء العلمية، والاجتهاد في المسائل الفقهيَّة، والسُّؤال عن الأحكام الشَّرعيَّة،
قال مجاهد في تأويل قولـه تعالى:([126])
(لعلمه الَّذين يستنبطونه منهم)؛ هم: (الَّذين يسألون عنه ويتحسسونه)،([127])
فكأن السُّؤال وسيلة لاستخراج العلم من العالم، مثلما كان الاستنباط استخراجًا
للماء من البئر، قال الزَّمخشريُّ: ومن المجاز “استنبط معنىً حسنًا ورأيًّا
صائبًا”.([128])
وكلمة (نافق) مأخوذة
من (النَّفق) وهو: “سرب في الأرض مشتقٌّ إلى موضع آخر”؛([129])
هذا هو المعنى المادي للكلمة، وفي الإسلام اشتقَّ منها مصطلح: (النّفاق والمنافق)
وهو وصف لمن يضمر الكفر ويظهر الإيمان، قال ابن منظور: “سمّى المنافق منافقاً
للنفق وهو السّرب في الأرض، وقيل: إنَّما سمّي منافقاً لأنَّه نافق كاليربوع، وهو دخولـه
نافقاءه؛ وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، (وهو الَّذي يستر
كفره ويظهر إيمانه) وإن كان أصلـه في اللُّغة معروفاً”.([130])
ومن خلال استقراء هذه الأمثلة وأخرى
غيرها، يتبيّن لنا صحَّة ما قالـه علماء الدِّلالة القدامى والمحدثون من أنَّ الدِّلالة
تتَّجه في تطوّرها من المجال المحسوس إلى المجال المجرَّد.
2 – الانتقال
من الدِّلالة المجرَّدة إلى الدِّلالة الحسيَّة:
وهذا هو الضَّرب الثَّاني من ضروب انتقال
الدِّلالة، وهو الانتقال من المعنى المجرَّد إلى المعنى الحسي، وغالبًا ما يكون
ذلك من أجل توضيح الصُّورة الذِّهنيَّة، وجعلها أمرًا محسوسًا يُرَىَ ويُسمَع
ويُتذوق ويُلمس ويُشَمُّ، وهذا النَّوع من النَّقل يكثر في لغة الأدب عند المبدعين
من الأدباء والشعراء، فنجد المعاني المجرَّدة كالحنان والحقد والصبر والأمل تصبح أشياء
محسوسة نكاد نلمسها، فيزداد تأثرنا وانفعالنا بتلك الصُّورة الَّتي يرسمها لنا
المبدع. “وأوضح ما تكون تلك العمليَّة فيما يسمَّى بالكنايات الأدبية، كأن
يكنى عن (الكرم) بكثرة الرماد، وعن (التذلل) بإراقة ماء الوجه..إلخ. فنقل الدِّلالة
المجرَّدة إلى المجال المحسوس ممَّا يمهر فيه الأدباء والشُّعراء وأصحاب الخيال،
وهو كثير الورود في الأدب العربي، وهو الَّذي يستحقُّ أنْ يسمَّى بالمجاز البلاغيّ”.([131])
هذه أهمُّ مظاهر التَّطوّر الدِّلاليِّ الَّتي
وقف عندها علماء العربيَّة في القديم والحديث، وثمَّة مظاهر أخرى لهذا التَّطوّر
وهي تعدُّ أيضًا من ضروب انتقال الدّلالة، وتتعلَّق بعوامل نفسيَّة واجتماعيَّة،
من مثل: سمو الدّلالة وانحطاطها، والمحظور، وحسن التَّعبير، والتَّحوّل نحو
المعاني المضادة، والمبالغة، وغير ذلك من المظاهر الَّتي أثراها الباحثون المحدثون
بالدِّراسة والأمثلة الكثيرة.([132])
الخاتمة
تناول البحث ركنًا مهمًا من أركان
التَّغيّر اللُّغويّ، بل يعدُّ من أهمِّ أركان التَّغيّر لأنَّه يتعلَّق بالجانب
الدِّيني (الإسلاميّ)، وهذا الجانب بطبيعته شامل لكلِّ الجوانب الأخرى وما يصاحبها
من تغيّرات سواء أكانت اجتماعيَّة أم فكريَّة أم سياسيَّة أم غيرها.
المسلمون أدركوا
أنَّ هناك معان إسلاميَّة كثيرة قد كوَّنها القرآن الكريم، ولابدَّ من معرفتها
لفهم التَّشريع الإسلاميِّ والعمل بمقتضاه. وهناك بعض الكلمات قد تحوَّل معناها
عمَّا كان عليه قبل نزول القرآن الكريم، وهذا أمر لابدَّ من استيعابه في التَّفسير
والشَّرح، وهناك كلمات دينيَّة عامَّة– إسلاميَّة خاصَّة- كثيرة يتغيَّر معناها
بتغيير مواقعها وسياقاتها الجديدة؛ ولذا تهتمُّ كتب أصول الفقه بدراسة الدِّلالات
القرآنيَّة تمهيدًا للبحث في أصول التَّشريع الإسلامي للقرآن والسُّنة والاجتهاد والقياس،
وتحليل الكلمات اللُّغويّة والشَّرعيَّة يعدُّ تمهيدًا لتفصيل القول في الأحكام
الأخرى كطرق الاستنباط وتفصيل الأحكام.
كانت العرب في جاهليتها على إرثٍ من إرث
آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم، فلمَّا جاء الله- جلَّ ثناؤه-
بالإسلام حالت أحوال، ونسخت ديانات، وأبطلت أمور، ونقلت من اللُّغة ألفاظ عن مواضع
إلى مواضع أُخَر بزيادات زيدت، وشرائع شرعت، وشرائط شرطت. وممَّا جاء في الشَّرع:
(الصَّلاة)؛ وأصلـه في لغتهم: الدُّعاء. وكذلك (الصِّيام)؛ أصلـه عندهم الإمساك
ثمَّ زادت الشَّريعة النِّية، وحظرت الأكل والمباشرة، وغير ذلك من شرائع الصَّوم.
وكذلك (الحجّ)، لم يكن عندهم فيه غير القصد. وكذلك (الزَّكاة) لم تكن العرب تعرفها
إلا من ناحية النَّماء، وزاد الشَّرع ما زاده فيها؛ فهذه الألفاظ الإسلاميَّة
وغيرها كثير أصابها تغيّر المعنى نتيجة التَّطوّر الاجتماعيّ والثَّقافيّ الَّذي
طرأ على المجتمع العربي بعد مجيء الإسلام.
كان الاهتمام بالقضايا الدلاليَّة فى
إطار الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة كبيرا، شغلت به عدَّة بيئات لأسباب متنوّعة؛
فاللُّغويّون من أصحاب المعاجم اهتموا بالدلالة فى إطار تحديدهم لدلالة الألفاظ،
والبلاغيون شغلوا بقضية الحقيقة والمجاز، والأصوليون شغلوا بقضية الدلالة فى
مقدِّمات كتب على أصول الفقه فى إطار تعرّفهم على الدلالة في اللغة وسيلةً لفهم
واستخراج الأحكام.
الهويَّة
الإسلاميَّة مرتبطة ارتباطًا شديدًا بالتَّطوّر اللُّغويّ الَّذي ميدانه معاني
الكلمات الَّتي لا تستقرُّ على حال، بل هي في تغيِّر مستمر لا يتوقَّف، ومطالعة
أحد معاجم العربيَّة تبرهن على هذا التَّطوّر وتبيّن أنَّ معاني الكلمات متغيّرة
من عصر إلى عصر. وفي هذا السِّياق نستحضر بواكيرَ التحوُّل العربيّ من ضيق القبلية
والبداوة إلى سعة الحضارة والمدنيَّة، هذه النَّقلة الَّتي أحدثَها الإسلامُ، وكان
أحدَ تجلياتها الواضحة الاتّجاهُ الكبير نحو التَّدوين اللُّغويّ، ونشاط
الدِّراسات اللُّغويّة والنَّحْويَّة، في إشارة واضحة وعميقة إلى التَّحوُّل في
حياة أولئك الأعراب، وشعورهم بأنَّهم أصحابُ هويَّة.
من أهمِّ العوامل الَّتي تؤدِّي إلى
تطوّر اللُّغة الحاجة إلى كلمة جديدة تعبّر عن معنى جديد لم يكن معروفًا من قبل؛ فقد حدثت في الإسلام
معان وسمِّيت بأسماء كانت في الجاهليَّة لمعان أخر؛ فأوَّل ذلك القرآن والسُّورة والآية
والَّتيمم. من هنا ندرك أنَّ الإسلام أثَّر في اللُّغة تأثيرًا كبيرًا كان تابعًا لتأثيره
في العادات والآداب والاعتقادات. ويدخل في ذلك ما طرأ على اللُّغة من الاصطلاحات
الدِّينيَّة والفقهيَّة واللُّغويَّة والأدبيَّة، وما دخلها من الألفاظ؛ فتأثير
العلوم الإسلاميَّة على اللُّغة يكاد يكون محصورًا في تنويع الألفاظ العربيَّة
وتغيير معانيها للتعبير عمَّا أحدثه الإسلام من المعاني الجديدة، بلا إدخال ألفاظ
أعجميَّة إلا نادرًا.
إنَّ أشهر ما حدث من التَّنوعات في
الألفاظ العربيَّة في العصر الإسلامي المصطلحاتُ الدِّينيَّة والشَّرعيَّة
والفقهيَّة واللُّغويَّة، وكانت ألفاظها موجودة قبل الإسلام ولكنَّها كانت تدلُّ
على معانٍ أخرى، فتحوَّلت للدلالة على ما يقاربها من المعاني الجديدة، فلفظ
“المؤمن” مثلًا كان معروفًا في الجاهليَّة ولكنَّه كان يدلُّ عندهم على
الأمان أو الإيمان وهو التَّصديق، فأصبح بعد الإسلام يدلُّ على المؤمن وهو غير الكافر،
وله في الشَّريعة شروط معينة لم تكن من قبل، وممَّا حدث من المصطلحات الشَّرعيَّة
الصَّلاة وأصلها في العربيَّة الدُّعاء، وكذلك الرُّكوع والسُّجود والحجّ
والزَّكاة والنِّكاح فقد كان لهذه الألفاظ وأشباهها معانٍ تبدَّلت بالإسلام وتنوَّعت.
وقس على ذلك في الاصطلاحات الفقهيَّة، كالإيلاء والظِّهار والعدّة والحضانة
والنَّفقة والإعتاق والاستيلاء والتَّعزير واللَّقيط والآبق والوديعة والعارِيَّة
والشّفعة والمناسخة والفرائض والقسامة وغيرها.
إنَّ أسباب
تغيّر المعنى كثيرة ومتنوعة، قد تستعصي على الحصر، وقد ذكر بعض علماء الدِّلالة
المعاصرين أكثر من واحد وثلاثين سببًا لتغيّر المعنى؛ حيث إنَّ عملية تغيّر المعنى
مسألة صعبة ومعقَّدة، وبعضها فريد في نوعه، وعلى الرَّغم من ذلك يمكن استنباط
عدَّة أسباب مهمَّة لتغيّر المعاني، وهذه الأسباب لغويَّة وتاريخيَّة ونفسيَّة،
ومنها التَّأثير الأجنبي والحاجة إلى اسم جديد. وثمَّة أسباب وعوامل أخرى أحصاها
المحدثون تؤدِّي إلى التَّغيّر اللُّغويّ؛ ومن أهمِّ تلك الأسباب والعوامل: توظيف
بعض الكلمات في معان معينة، وإبهام معنى الكلمة، والتَّغيّر الصَّوتيُّ، والعبارة
الموجزة، والاستعمال المتداول، وانحدار معنى الكلمة.
رأى بعض الباحثين
المعاصرين أنَّ الكثير من حالات التَّغيّر والتَّحوّل الدِّلاليِّ إنَّما هي نتيجة
لسبل عديدة لا يسهل حصرها لتشعبها ولغرابتها كذلك؛ ولذا فمن الصَّعب أنْ نتحدَّث
عن القوانين الدِّلاليَّة بالدقَّة العلميَّة لكلمة “قانون.
من خلال استقراء
التَّغيّرات الَّتي تطرأ على معاني الكلمات في اللُّغات المختلفة، استطاع علماء
اللُّغة المعاصرون أنْ يحصروا تغيّر المعنى في مظاهر رئيسة تصدق على اللُّغات
جميعًا، وبحسب تقسيم منطقي اتَّبعوه وجدوا أنَّ المعنى القديم للكلمة: إمَّا أنْ
يكون أوسع من المعنى الجديد، أو أضيق منه، أو مساويًا له؛ وبذلك نجد أنَّ أهمَّ
مظاهر التَّطوّر الدِّلاليِّ الَّتي تصيب الألفاظ ثلاثة، هي: تخصيص دلالة الكلمة،
أو تعميم دلالتها، أو تغيير مجال استعمالها.
المصادر
والمراجع:
–
أنيس، إبراهيم. دلالة الألفاظ. الطَّبعة الخامسة. مصر:
مكتبة الأنجلو المصريَّة، 1984.
– عمر، أحمد مختار. علم
الدِّلالة. الكويت: دار العروبة، 1982.
–
الأصفهاني، الرَّاغب. المفردات في غريب القرآن. تحقيق. صفوان عدنان الدَّاودي. بيروت: دار
القلم، 1412.
–
أولمان، ستيفن. دور
الكلمة في اللُّغة. ترجمة وتحقيق. كمال
بشر. الطَّبعة 12. القاهرة: دار غريب للطباعة والنَّشر، 1997.
–
الجرجاني، عبدالقاهر. أسرار البلاغة. تحقيق. محمود شاكر أبو فهر.
القاهرة: مكتبة الخانجي، 1991.
–
ابن جنِّي، أبو الفتح عثمان. الخصائص. الطَّبعة
الرَّابعة. عدد المجلَّدات 3. القاهرة: الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب.
–
زيدان، جورجي. اللُّغة العربيَّة كائن حيٌّ. القاهرة:
دار الكتب المصريَّة، 2013.
–
الصَّالح، حسين حامد. “التَّطوّر الدِّلاليُّ فـي
العربيَّة فـي ضوء علم اللُّغة الحديث”. مجلَّة الدّراسات الاجتماعيَّة،
العدد الخامس عشر، (يناير- ينويو- 2003)
–
ابن دريد، أبو بكر محمَّد بن الحسن. جمهرة اللُّغة.
تحقيق. رمزي منير بعلبكي. عدد المجلَّدات 3. بيروت: دار العلم للملايين، 1987.
–
سوسير، فردينان. علم اللُّغة العام. ترجمة. يوئيل يوسف
عزيز. مراجعة النَّصِّ العربي. مالك يوسف المطلبي. بغداد: دار آفاق عربيَّة، 1985.
–
– الرَّازي، أبو حاتم
أحمد بن حمدان. الزِّينة في الكلمات الإسلاميَّة العربيَّة. عارضه بأصوله وعلَّق عليه. حسين بن فيض الله الهمداني. صنعاء:
مركز الدِّراسات و البحوث اليمني، 1415/1994.
–
عبد التَّواب، رمضان. التَّطور اللُّغويّ: مظاهره وعلله
وقوانينه. الطَّبعة الثَّانية. القاهرة، مكتبة
الخانجي، 1990.
–
الزَّبيدي، محمَّد بن حسن. لحن العامَّة. تحقيق. رمضان
عبدالتَّواب، الطَّبعة الثَّانية. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1420/2000.
–
الزَّبيدي، محمَّد بن عبد الرَّزاق المرتضى. تاج العروس
من جواهر القاموس. تحقيق. عبدالسَّتَّار أحمد فرَّاج، عدد المجلَّدات 40. الطَّبعة
الثَّانية. الكويت: وزارة الإرشاد والأنباء، 1385/1965.
–
الزَّجَّاج، إبراهيم بن السّري بن سهل أبو إسحاق. معاني
القرآن وإعرابه. تحقيق. عبد الجليل عبده شلبي، عدد المجلَّدات 5. بيروت: عالم
الكتب، 1408/1988.
–
الزَّركشي، أبو عبد الله بدر الدِّين. البرهان في علوم
القرآن. تحقيق. محمَّد أبو الفضل إبراهيم. عدد المجلَّدات 4. القاهرة: دار إحياء
الكتب العربيَّة، 1376/1957.
–
الزَّمخشري، جار الله أبو القاسم. أساس البلاغة. عدد
المجلَّدات 2. بيروت: دار الكتب العلميَّة، 1419/1988.
– السّعدي، عبد
الكريم حسين. “عوامل تطوّر الدِّلالة”، شبكة جامعة بابل، العراق، 2020م،
على موقع:
http://www.uobabylon.edu.iq/uobcoleges/lecture.aspx?fid=19&lcid=88041
–
السّيوطي،
عبد الرَّحمن بن أبي بكر
جلال الدِّين. المزهر في علوم اللُّغة وأنواعها. شرحه وضبطه وعلَّق حواشيه.
محمَّد أحمد جاد المولى- محمَّد أبو الفضل إبراهيم- علي محمَّد البجاوي، الطَّبعة
الثَّالثة. عدد المجلَّدات 2. القاهرة: دار التُّراث، د.ت.
–
السّيوطي، عبد الرَّحمن بن أبي بكر جلال الدِّي. الإتقان
في علوم القرآن. تحقيق. محمَّد أبو الفضل إبراهيم. عدد المجلَّدات 4. القاهرة:
الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1394/1974.
–
السّيوطي،
عبد الرَّحمن بن أبي بكر جلال
الدِّين. الإتقان في علوم القرآن. اعتنى به وعلَّق عليه. مصطفى شيخ مصطفى. بيروت:
مؤسَّسة الرِّسالة، 1429/2008.
–
يوسف، شفاء محمَّد خير. “التَّغيّر الدِّلاليُّ في الحديث النَّبوي
الشَّريف، مقال على شبكة الألوكة، موقع:
https://www.alukah.net/literature_language/0/10270/
– الطَّبري، محمَّد بن جرير. تفسير
الطَّبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن. تحقيق. عبد الله بن عبد المحسن
التّركي، عدد المجلَّدات 26. القاهرة: دار هجر للطباعة والنَّشر والتَّوزيع
والإعلان، 1422/2001.
–
مطر، عبد العزيز. علم اللُّغة وفقه
اللُّغة. القاهرة: الدَّار العربيَّة للنشر
والتَّوزيع، 2000.
–
الميداني،
عبد
الغني الغنيمي الدّمشقي. اللُّباب في شرح الكتاب. تحقيق. محمَّد محي
الدِّين عبد الحميد. عدد المجلَّدات 4. بيروت: المكتبة العلميَّة، د.ت.
– عبد القادر أبو شريفة وآخرون. علم الدِّلالة
والمعجم العربي. بيروت: دار الفكر، 1989.
–
أبو عبيدة، معمر بن المثنَّى الَّتيمي. مجاز القرآن. تحقيق. محمَّد
فواد سزكين. القاهرة: مكتبة الخانجى، 1381.
–
العسقلاني،
ابن حجر. فتح الباري شرح صحيح البخاري. تحقيق. عبدالعزيز بن باز- محمَّد
فؤاد عبد الباقي- محب الدِّين الخطيب. عدد المجلَّدات 13. بيروت: دار
الفكر، 1414.
–
العسكري،
أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران. الأوائل. طنطا:
دار البشير، 1408.
–
وافي، علي عبد الواحد. علم
اللُّغة. القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنَّشر،
2010.
–
عودة، خليل أبو عودة. التَّطوّر
الدِّلاليُّ بين لغة الشِّعر ولغة القرآن: دراسة دلاليَّة مقارنة.
الزَّرقاء: مكتبة المنار، 1405/1985.
–
الغزالي،
أبو حامد محمَّد. قواعد
العقائد. تحقيق. موسى محمَّد علي. الطَّبعة الثَّانية. بيروت: عالم الكتب،
1405/1985.
–
ابن فارس، أبو الحسين أحمد. الصَّاحبي في فقه اللّغة
العربيَّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها. علَّق عليه ووضع حواشيه. أحمد حسن بسج. بيروت:
دار الكتب العلميَّة، 1417/1997.
–
فايز الدَّاية. علم الدِّلالة العربي: النَّظريَّة
والتَّطبيق: درسة تاريخيَّة تأصيليَّة نقديَّة. الطَّبعة الثَّانية. دمشق: دار
الفكر، 1996.
–
فندريس، جوزيف. اللُّغة. تعريب: عبد الحميد الدَّواخلي-
محمَّد القصَّاص. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصريَّة، 1950.
–
ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم. تأويل مشكل القرآن. تحقيق.
إبراهيم شمس الدِّين. بيروت: دار الكتب العلميَّة، 2007.
–
القرطبي، محمَّد بن أحمد بن أبي بكر. تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن. تحقيق. عبد الله بن عبد المحسن التُّركي، عدد المجلَّدات 24. بيروت:
مؤسَّسة الرِّسالة، 1427/2006.
–
الزّيادي، حاكم مالك لعيبي. التَّرادف في اللُّغة. بغداد:
دار الحريَّة، 1400/1980.
–
شوك، محمَّد عادل. علم البيان التَّطبيقي. الطَّبعة
الثَّانية. صنعاء: جامعة صنعاء، 2002.
–
المبارك، محمَّد. فقه اللُّغة
وخصائص العربيَّة. بيروت: دار الفكر،
1972.
–
السَّعران، محمود. علم
اللُّغة: مقدِّمة للقارئ العربي. القاهرة:
دار الفكر العربي، 1420/1999.
–
حجازي،
محمود
فهمي. أسس علم اللُّغة العربيَّة. القاهرة: دار الثَّقافة للطباعة
والنَّشر، 2003.
–
ابن مجاهد، أبو الحجَّاج. تفسير
مجاهد. تحقي.: محمَّد عبد السَّلام أبو النِّيل. القاهرة: دار
الفكر الإسلامي الحديثة، 1410/1989.
–
السَّامرائي، مهدي صالح. المجاز
في البلاغة العربيَّة. بيروت: دار ابن
كثير، 1436/2015.
–
ابن منظور، محمَّد بن مكرم جمال الدِّين.
لسان العرب.
عدد المجلَّدات 15. بيروت: دار صادر، 1374/1955.
–
النَّسفي، أبو البركات عبد الله. تفسير
النَّسفي (مدارك التَّنزيل
وحقائق التَّأويل). حقَّقه وخرَّج لأحاديثه. يوسف علي بديوي. راجعه وقدَّم له. محيي الدِّين
ديب مستو. عدد المجلَّدات 3. بيروت: دار الكلم الطَّيب، 1419/1998.
–
عتر،
نور الدِّين. في ظلال الحديث النَّبوي: دراسة فكريَّة اجتماعيَّة وأدبيَّة
جماليَّة معاصرة. الطَّبعة الثَّانية. دمشق: مؤسَّسة القدس للثقافة والتُّراث،
1421/2000.
([1]) أبو حاتم أحمد
بن حمدان الرَّازي، الزِّينة في الكلمات الإسلاميَّة
العربيَّة، عارضه بأصوله وعلَّق عليه: حسين بن
فيض الله الهمداني، (اليمن: مركز الدِّراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1415/1994)،
83.
([2]) أبو الحسين
أحمد بن فارس، الصَّاحبي في فقه اللّغة العربيَّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها،
علَّق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسج، (بيروت: دار الكتب العلميَّة، 1417/1997)،
44.
([3]) عبد الرَّحمن
بن أبي بكر جلال الدِّين السّيوطي، المزهر في
علوم اللُّغة وأنواعها، شرحه وضبطه وعلَّق
حواشيه: محمَّد أحمد جاد المولى- محمَّد أبو الفضل إبراهيم- علي محمَّد البجاوي،
الطَّبعة الثَّالثة، عدد المجلَّدات (2)، (مصر: دار التُّراث، القاهرة، د.ت)، 1/136.
([4])
رمضان عبد التَّواب، التَّطور
اللُّغوي: مظاهره وعلله وقوانينه، الطَّبعة الثَّانية، (مصر، مكتبة الخانجي،
القاهرة، 1990)، 5.
([5]) ستيفن أولمان، دور الكلمة في
اللُّغة، ترجمة وتحقيق: كمال بشر، الطَّبعة (12)، (مصر، دار غريب للطباعة
والنَّشر، القاهرة، 1997)، 156.
([6]) محمود فهمي حجازي، أسس
علم اللُّغة العربيَّة، (مصر: دار الثَّقافة للطباعة والنَّشر، القاهرة، 2003)،
304. “الأسس الدِّلاليَّة في تحليل
النُّصوص العربيَّة”، بحث منشور ضمن كتاب: النُّصوص الأدبيَّة: دراسة وتحليل،
قطر، 1983، 86.
([7]) أبو هلال الحسن بن
عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى العسكري، الأوائل، (مصر: دار البشير، طنطا،
1408)، 35- 36.
([10])
حسين حامد الصَّالح، “التَّطوّر الدِّلاليُّ فـي العربيَّة فـي ضوء علم
اللُّغة الحديث”، مجلَّة الدّراسات الاجتماعيَّة، اليمن، العدد الخامس عشر،
يناير- ينويو- 2003، 65 – 103.
([13])
ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: عبد العزيز بن باز-
محمَّد فؤاد عبد الباقي- محب الدِّين الخطيب، عدد المجلَّدات (13)، (لبنان، دار
الفكر، بيروت، 1414)، 11/45.
([14]) شفاء
محمَّد خير يوسف، “التَّغيّر الدِّلاليُّ في الحديث النَّبوي
الشَّريف:، مقال على شبكة الألوكة، موقع:
([16]) عبد الكريم حسين
عبد السّعدي، “عوامل تطوّر الدِّلالة“، شبكة
جامعة بابل، العراق، 2020، على موقع:
http://www.uobabylon.edu.iq/uobcoleges/lecture.aspx?fid=19&lcid=88041
([19]) أبو عبيدة
معمر بن المثنَّى التّيمي، مجاز القرآن، تحقيق: محمَّد فواد سزكين، (مصر: مكتبة
الخانجى، القاهرة، 1381)، 2/290.
([22]) إبراهيم بن السّري بن سهل أبو إسحاق الزَّجَّاج، معاني القرآن
وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عدد المجلَّدات (5)، (مصر:
عالم الكتب، بيروت، 1408/1988)، 5/261.
([23])
محمَّد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدِّين ابن
منظور، لسان العرب، عدد المجلَّدات (15)، (لبنان: دار صادر، بيروت، 1374ـ/ 1955)، مادة:
“سلسل”، 11/344.
([30])
عبد الرَّحمن بن أبي بكر جلال الدِّين السُّيوطي،
الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمَّد أبو الفضل
إبراهيم، عدد المجلَّدات (4)، (مصر: الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، القاهرة،
1394/1974)، 2/112.
([33]) محمَّد بن جرير بن
يزيد أبو جعفر الطَّبري، تفسير الطَّبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق:
عبد الله بن عبد المحسن التّركي، عدد المجلَّات (26)، (مصر: دار هجر للطباعة
والنَّشر والتَّوزيع والإعلان، القاهرة، 1422/2001)، 8/131.
([34]) محمَّد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، تفسير القرطبي
= الجامع
لأحكام القرآن، تحقيق: عبد الله بن
عبد المحسن التُّركي، عدد المجلَّدات (24)، (لبنان: مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، 1427/2006)، 10/357.
([35])
الرَّازي، الزِّينة في الكلمات الإسلاميَّة، 132-
172- 178. محمود بن عمر الزَّمخشري جار الله
أبو القاسم، أساس البلاغة، عدد المجلَّدات (2)، (لبنان: دار الكتب العلميَّة،
1419/1988)، مادة: “أنس”، 1/22.
([36])
إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، الطَّبعة الخامسة، (مصر: مكتبة الأنجلو المصريَّة،
1984) 148- 149.
([39])
عودة خليل أبو عودة، التَّطوّر الدِّلاليُّ
بين لغة الشِّعر ولغة القرآن: دراسة دلاليَّة مقارنة، (الأردن: مكتبة المنار، الزَّرقاء،
1405/1985)،287.
([41]) حاكم مالك
لعيبي الزّيادي، التَّرادف في اللُّغة، (العراق:
دار الحريَّة، بغداد،
1400/1980)، 15.
([44])
جوزبف فندريس، اللُّغة، تعريب: عبد الحميد
الدَّواخلي- محمَّد القصَّاص، (مصر: مكتبة الأنجلو المصريَّة، القاهرة، 1950)،
250.
([46])
محمَّد بن عبد الرَّزاق المرتضى الزَّبيدي،
تاج
العروس من جواهر القاموس، تحقيق: عبدالسَّتَّار أحمد فرَّاج، عدد المجلَّدات (40)،
الطَّبعة الثَّانية، (الكويت: وزارة الإرشاد والأنباء، 1385هـ/ 1965م)، مادة:
“قمش”، 17: 340- 341.
([52])
ينظر: فردينان دي سوسير، علم
اللُّغة العام، ترجمة: يوئيل عزيز، مراجعة النَّصِّ العربي: مالك يوسف المطلبي،
(العراق: دار آفاق عربيَّة، بغداد، 1985م)، 93.
([54]) إبراهيم أنيس، دلالة
الألفاظ، 134. رمضان عبد التَّواب، التَّطور اللُّغوي، 111. أحمد مختار عمر، علم
الدِّلالة، (الكويت: دار العروبة، 1982)، 242.
([55])
ينظر: فندريس، اللُّغة، 246 –
247. محمود السَّعران، علم
اللُّغة: مقدِّمة للقارئ العربي، (مصر، دار الفكر العربي، القاهرة، 1420/ 1999)،
280.
([56])
ينظر: ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللُّغة، 159. فايز الدَّاية، علم الدِّلالة العربي: النَّظريَّة
والتَّطبيق: درسة تاريخيَّة تأصيليَّة نقديَّة، الطَّبعة الثَّانية، (سوريَّة، دار
الفكر، دمشق، 1996م)، 264. أحمد مختار
عمر، علم
الدِّلالة، 237 – 238.
([58])
ينظر: الزَّبيدي، تاج العروس، مادة: “غوط”، 19/520. أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدِّين
النَّسفي، تفسير النَّسفي (مدارك
التَّنزيل وحقائق التَّأويل)، حقَّقه وخرَّج لأحاديثه: يوسف علي بديوي، راجعه
وقدَّم له: محيي الدِّين ديب مستو، عدد المجلَّدات (3)، (لبنان: دار الكلم
الطَّيب، بيروت، 1419/1998)، 1/227.
([68]) ينظر: فايز الدَّاية، علم الدِّلالة العربي، 378.
إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، 131. أحمد مختار
عمر، علم الدِّلالة، 242.
([77]) أبو بكر محمَّد بن
دريد، جمهرة اللُّغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، عدد المجلَّدات (3)، (لبنان: دار
العلم للملايين، بيروت، 1987)، مادة: “حجج”،
([78]) أبو
حامد الغزالي، قواعد العقائد، تحقيق: موسى
علي، الطَّبعة الثَّانية، (لبنان: عالم الكتب، بيروت، 1405/1985)، 236.
([80]) عبد الغني الغنيمي
الميداني، اللُّباب في شرح الكتاب، تحقيق: محمَّد محي الدِّين عبد الحميد،
عدد المجلَّدات (4)، (لبنان: المكتبة العلميَّة، بيروت)،
1/162.
([81])
فندريس،اللُّغة، 257. بُنْظَرُ: عبد القادر
أبو شريفة وآخرون، علم الدِّلالة والمعجم العربي، (لبنان: دار الفكر، بيروت،
1989م)، 65– 66. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، 153- 154.
([82]) نور الدِّين عتر، في
ظلال الحديث النَّبوي: دراسة فكريَّة اجتماعيَّة وأدبيَّة جماليَّة معاصرة،
الطَّبعة الثَّانية،
(سوريَّة: مؤسَّسة القدس للثقافة والتُّراث، دمشق، 1421/2000)،
159.
([95])
ابن دريد، جمهرة اللُّغة، 3/ 332– 334. ينظر: الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق:
محمود شاكر أبو فهر، (مصر: مكتبة الخانجي، القاهرة، 1991)، 347 وما بعدها، وفيه
ردٌّ على خلط ابن دريد بين التَّشبيه والاستعارة والمجاز المرسل.
([99]) ينظر: الجرجاني، أسرار البلاغة، 30. محمَّد عادل شوك، علم البيان
التَّطبيقي، الطَّبعة الثَّانية، (اليمن: جامعة صنعاء،ـ صنعاء، 2002)،
59.
([102]) عبد العزيز
مطر، علم
اللُّغة وفقه اللُّغة، (مصر: الدَّار العربيَّة للنشر والتَّوزيع، القاهرة، 2000)،
53.
([103]) عبد الله بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن،
تحقيق: إبراهيم شمس الدِّين، (لبنان: دار الكتب العلميَّة، بيروت، 2007)، 20 – 21.
([104])
مهدي صالح السَّامرائي، المجاز في البلاغة
العربيَّة، (لبنان: دار ابن كثير، بيروت، 1436/2015)، 114.
([111])
أبو الفتح بن جنِّي، الخصائص،
الطَّبعة الرَّابعة، عدد المجلَّدات (3)، (مصر: الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب،
القاهرة)، 2/444.
([113])جلال
الدِّين السُّيوطيُّ، الإتقان في علوم القرآن، اعتنى به وعلَّق عليه: مصطفى شيخ
مصطفى، (لبنان، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، 1429هـ/ 2008م)، 3/111- 116. يُنْظَرُ: أبو عبد الله بدر الدِّين بن بهادر الزرَّكشي، البرهان
في علوم القرآن، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، عدد المجلَّدات (4)، (مصر: دار
إحياء الكتب العربيَّة، القاهرة، 1376/1957)، 2/259- 299.
([114]) أبو القاسم الحسين بن محمَّد المعروف بالرَّاغب
الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الدَّاودي، (سوريَّة: دار
القلم، الدَّار الشَّاميَّة – دمشق بيروت، 1412)، 469.
([116]) ينظر: إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ،
161، أحمد مختار عمر، علم الدِّلالة، 238، عبد العزيز مطر، علم اللُّغة وفقه اللُّغة، 53.
([127]) أبو الحجاج
مجاهد بن جبر التَّابعي، تفسير مجاهد، تحقيق: محمَّد عبد السَّلام أبو النِّيل، (مصر: دار الفكر
الإسلامي الحديثة، القاهرة، 1410/1989)، 167.
([132]) ينظر: إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ،
156 – 160. أحمد مختار عمر، علم الدّلالة، 248 – 250 و 40. ستيفن أولمان، دور
الكلمة في اللُّغة، 174– 180. محمود السَّعران، علم اللُّغة، 280 – 285. عبد العزيز مطر، علم اللُّغة
وفقه اللُّغة، 56– 58. عبد القادر
أبو شريفة وآخرون، علم الدِّلالة والمعجم العربي، 65-
69.